عبد الستار قاسم
تقدم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بخطوة جيدة نحو المغرب داعيا إلى ترطيب العلاقات بينهما وتجاوز كل الخلافات التي عصفت بعلاقات الدولتين على مدى طويل من الزمن. لكن سبق للرئيس الجزائري أن تجاهل تهنئة الملك المغربي بمناسبة فوزه بالانتخابات الجزائرية وتنصيبه رئيسا للجزائر. وها هو الرئيس تبون تجاهل التجاهل وبادر إلى موقف جديد، والمطلوب من المغرب أن تتجاهل التجاهل السابق وتخطو خطوتين نحو الجزائر. وإذا كانت مصالح الشعبين الجزائري والمغربي تتطلب التفاهم وتجاوز العقبات فإننا نتوقع من الرئيس الجزائري والملك المغربي أن يتقدما أميالا كل واحد منهما نحو الآخر ولو كان ذلك على حساب عزة النفس الذاتية. وإذا كانت عزة النفس الذاتية هي التي تتحكم بصياغة العلاقات بين الدولتين فإن الاثنين لا يصلحان لقيادة شعب.
وكان ملايين العرب يرجون نجاح الاتحاد المغربي علّ وعسى أن تنتقل العدوى إلى بلاد الشام والعراق، وإلى مصر والسودان واليمن. ومن ثم إلى الأمة العربية جمعاء. لم تتبلور موجة دومينو وساء حال الأمة العربية بالمزيد. وفي حال اندمجت الدولتان فإنهما ستشكلان ثقلا عربيا كبيرا، وستوفران قيادة للأمة العربية في حال تبنى الاندماج هموم العرب وقضاياهم. إذ في حال الاندماج ستكون مساحة الدولة الجديدة مع الصحراء الغربية حوالي 3000000 كم2، ويكون عدد السكان حوالي ثمانين مليونا.
كنا نتطلع إلى الاتحاد المغاربي الذي أفشله قادة دول المغرب لأن يكون فرصة عظيمة أمام الأمة العربية لتبدأ عملية التغيير والنهوض في مختلف مجالات الحياة، والاندفاع نحو وحدة عربية تنقذ الإنسان العربي من المهانة والفقر والظلم والاستعباد. لكن الأصالة العربية المتمثلة بقبلية التفكير والسلوك طغت على العقل والوجدان، ولم يتقدم الاتحاد خطوة إلى الأمام. وكنا دائما نقول إن القيادات هي المعوق الأكبر أمام الوحدة العربية وأمام انطلاق الإنسان العربي نحو الحرية والإبداع والحياة الأفضل التي يمكن أن تؤهله لمواجهة التحديات التي تعصف دائما بالأمة العربية.
من المفروض أن تتعلم الجزائر والمغرب من تجربة سوريا والعراق اللتين حكمهما حزب البعث العربي الاشتراكي. كان من المفروض أن تسارع الدولتان إلى الوحدة بناء على تخطيط علمي ونظرية سياسية واجتماعية جديدة، لكن قادة البلدين فضلا التناحر والتنابز والمؤامرات المتبادلة حتى أضاعا فرصة تاريخية كانت ماثلة أمام الأمة العربية. وقد كان واضحا أن قيادتي البلدين كانتا حريصتين على مصالح الحكام وليس على مصالح الشعبين والأمة العربية عموما. واستمرت الدولتان بالتناحر حتى تم فتح ثغرات واسعة للتدخلات الأجنبية التي أودت بالدولتين إلى نهايات بشعة جدا يدفع ثمنها الشعب. كان بإمكان سوريا والعراق لو توحدتا، أو لو كانت علاقاتهما تعاونية وتكاملية لنهضت الأمة العربية ولتم التأثير على أنظمة سياسية وشعوب لتبحث عن طرق التجمع لا الافتراق.
هكذا هو شأن المغرب والجزائر. لا تضيعا فرصة أمام الأمة العربية لكي تتبلور لها قيادة ومثل أعلى يمكن أن يحتذى به حتى لو كان ذلك على حساب القيادات والحكام. والحاكم يجب أن يسأل نفسه دائما: هل لدي الاستعداد أن أضحي بمنصبي وامتيازاتي وسلطتي إذا تطلبت مصلحة الشعب ذلك؟ الحاكم البائس هو الذي يرى استحالة التضحية، والحاكم المحترم أمثال السوري شكري القوتلي والسوداني عبد الرحمن سوار الذهب لديه الاستعداد المستمر لخدمة شعبه واتخاذ الخطوات المتناسبة مع هذه المصلحة. وهنا لا بد من القول إن الحكام العرب هم الصخرة الكبيرة الصلدة المانعة لتقدم العرب وخروجهم من حالات الذل والتخلف.
عمل المغرب والجزائر معا يفتح آفاقا جديدة أمام الأمة العربية، وأمام الشعوب. لكن يجب الانتباه إلى أن بناء علاقات التعاون والعمل معا، أو إقامة وحدة لا تتم عن طريق الحكام والسياسيين. الحكام والسياسيون هم أفشل الناس في الأمة العربية. المفروض أن تعمد كل دولة إلى تشكيل فرقة خبراء يتم الاتفاق على عدد أعضائها أصحاب علم ومعرفة وتفكير منطقي وتحليلي ونقدي ليقرروا هم بعد دراسات واستشارات الأسس والمبادئ التي يجب أن تتم وفقها الوحدة. الخبراء وأصحاب العلم يقررون وفق أسس علمية ومنطقية، وهم الأدرى بهموم الناس وآلامهم وتطلعاتهم نحو المستقبل، ولا يقررون إلا وفق ما يخرج الناس من أزماتهم وآلامهم. وعلى الحكام والقيادات أن يطيعوا وينفذوا. أعلم أن هذا شبه مستحيل تحت الظروف الحالية، لكن لا يمكن للأمة أن تقف على أقدامها بدون عقول. المفكرون والخبراء يعملون دائما على بعث الحياة بالناس، بينما يعمل القادة على قتل النفوس وإرهاق المعنويات.
وإذا كان لذلك أن يحصل فإنه من المتوقع أن يركز أصحاب الخبرة والمعرفة والتفكير العلمي على كيفية محاصرة عوامل الافتراق العربي قبل التركيز على عوامل الاجتماع العربي. فقد ثبت مع الزمن أن عوامل الافتراق أقوى بكثير من عوامل الاجتماع. وهذا ما شرحته في مادة طويلة منفصلة في نظرية الوحدة العربية.