رياض عصمت وداعاً

سامي مروان مبيّض

ذات يوم اتصل بي الصديق الدكتور رياض عصمت، وكان وزير الثقافة في حينها، وطلب مني أن أزوره في مكتبه لأمر مُستعجل. رياض كان صديقاً قبل أن يصبح وزيراً، وأحببته أديباً وناقداً وكاتباً مسرحياً وتلفزيونياً منذ أن شاهدت مسلسله الشهير "هولاكو " وقد تعرفت عليه عبر صديق مشترك قبل سنوات هو المخرج باسل الخطيب.

ذهبت إلى مبنى الوزارة في حيّ الروضة ، وكانت الشاخصة على بابه ما زالت "مكتب السيدة الوزيرة " لأن أسلافه في هذا المنصب كنّ من النساء.

"معاليك لماذا لا تغيرها " سألته، فقال: "في شي أهم بكثير...أخر همّي الشاخصة. "

ثم التفت إلى وقال: "بعدين بلاها هي معاليك...اسمي رياض....رياض و بس.”

تقلد رياض عصمت عدة مناصب، فكان عميداً للمعهد العالي للفنون المسرحية ومديراً للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وسفيراً في الباكستان وقطر ثم وزيراً . ولكن أحب الصفات بالنسبة إليه كانت "الكاتب رياض عصمت."

كان رياض يستشيط غضباً يومها من كتاب وصله من أحد الدُخلاء على عالم الثقافة ـ وما أكثرهم ـ طالباً إعطاءه منبر مكتبة الأسد لإلقاء محاضرة. قال لي: "هاد الرجل أكيد مجنون ! كيف بدي أعطيه القاعة؟ كيف؟ هي القاعة استقبلت نزار قباني وغيره من الأدباء والشعراء ولا أريد للتاريخ أن يكتب أن رياض عصمت أعطاها إلى رجل لا يستحق أن يقف على منبرها!"وبالفعل، سطّر الوزير قراراً بالرفض، موقعاً بالقلم الأخضر ، وأصر على موقفه بالرغم من الضغوطات التي تعرض لها من هذا المُفكر "المدعوم."

هذه واحدة من القصص التي عشتها مع هذا الصديق . حضرنا الكثير من العروض المسرحية معاً وحاولنا كتابة مسلسل تلفزيوني ولكننا لم نوفق. وكان يريدني أن ألقي سلسلة من محاضرات في المعهد العالي للفنون المسرحية، لتهيئة جيل جديد من المخرجين والممثلين وكتاب السيناريو لكي يكونوا على دراية بالأحداث التاريخية الحقيقة عند الخوض في أعمال البيئه الشامية.

رافقته في أيامه الأخيرة في دمشق، قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة للعمل في إحدى جامعاتها. واليوم وصلني خبر وفاته بوباء الكورونا، عن عمر ناهز 72 عاماً. يا له من قدر محتوم. الرجل غادر دمشق هرباً من الحرب والموت، خوفاً على سلامته وسلامة أسرته، ليموت بعيداً عن دمشق بڤايروس خبيث حصد ومازال يحصد أرواح الآلاف من أبناء هذا الجيل المُخضرم.

كنا نتحدث بشكل دوري عبر الواتساب، وكانت أخر رسالة وصلتني منه بتاريخ 17 نيسان 2020، عبارة عن معايدة بعيد الجلاء. كان يحلم بالعودة إلى دمشق، تلك المدينة التي أحبها وكتب عنها الكثير، ولكن الموت سرقه من دنياه، ولعله اليوم بمكان أفضل.

الصديق رياض، لروحك السلام ولدمشق الحبيبة طول البقاء. العزاء للسيدة عزة والصديقة نور.
ارقد بسلام..