في مثل هذه الأيام توفي القائد العظيم المخلص صلاح الدين الأيوبي،
بهذه المناسبة أُورد لكم ما قاله ابن شداد مرافقه عنه، إذ يذكر: «لقد كان رحمه الله شديد المواظبة على الجهاد، عظيم الاهتمام به، ولو حلف حالف أنه ما أنفق بعد خروجه إلى الجهاد ديناراً ولا درهماً إلا في الجهاد أو في الأرفاد لصدق وبر يمينه، ولقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاء عظيماً، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلته، ولا كان له اهتمام إلا برجاله، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحث عليه، ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده، ووطنه وسكنه، وسائر بلاده، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة، ولقد وقعت عليه الخيمة في ليلة ريحية على مرج عكا، فلو لم يكن في البرج لقتلته، ولا يزيده ذلك إلا رغبة ومصابرة واهتماماً، وكان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد، وأنا ممن جمع له فيه كتاباً جمعت فيه آدابه، وكل آية وردت فيه، وكل حديث رُوي في فضله، وشرحت غريبها، وكان رحمه الله كثيراً ما يطالعه».
وكيف مات هذا الرجل العظيم؟! يقول ابن شداد: «وأما الزكاة فإنه مات رحمه الله تعالى ولم يحفظ ما تجب عليه به الزكاة ... ولم يخلف ملكاً ولا داراً ولا عقاراً ولا بستاناً ولا قرية ولا مزرعة ولا شيئاً من أنواع الأملاك».
وفي سكرات موت صلاح الدين، كان شيخاً يقرأ عنده القرآن الكريم، فلما بلغ قوله تعالى: {لا إِلَـهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }، تبسم وتهلل وجهه وسلمها إلى ربه، ويصف لنا ابن شداد حال الناس عند وفاة صلاح الدين، فيذكر: «كان يوماً لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقدوا الخلفاء الراشدين، وغشي القلعة والبلد والدنيا مالا يعلمه إلا الله تعالى ... وإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قُبل الفداء لفُدي بالنفس». عن كتاب: هكذا سلم هؤلاء بيت المقدس للفرنج الصليبيين: د. عمار النهار