على منهاج النُّبُوَّة ٤٨
حتى تلقوني على الحوض!

ولَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجلاً على بعض أمور المُسلمين، فقامَ رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله، ألا تستعملني كما استعملتَ فُلاناً.
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إنكم ستلقون بعدي أثرةً، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض!

ومن لطيف ما قرأتُ، سارَ بشرُ الحافي في طريقٍ ومعه رجلٌ، فعطِشَ هذا الرجل، فقال لبشرٍ: دعنا نشربُ من هذا البئر!
فقال له بشر: اِصبرْ حتى نصل إلى البئر الأخرى، فلما وصلا إليها، قال له مجدداً: اِصبرْ إلى البئر الأخرى، فما زال يُعلِّله ويُصبِّره حتى وصلا إلى حيث يُريدان، فقال له بشر: هكذا تنقطع الدنيا، بالصبر!

أما بيت القصيد فهو: اصبروا حتى تلقوني على الحوض!
ولعلَّ هذا أبلغ ما قيل في التَّثبيت في تاريخ البشرية، وما أحلاه من تصبير، وما أغلاه من تثبيت، فضعْها دوماً نُصب عينيك، تأمَّلْها كلما لاحتْ لك معصية، وتذكَّرْ أن الدنيا إنما تنقطع بالصبر، والأيام كلها ستنجلي بحلوها ومرها، ولا يبقى فيها إلا أجر الطاعة أو إثم المعصية!

إذا ضاقتِ الحال الاقتصادية بك، وارتشى الناس من حولك، فاقبضْ أنتَ على جمرِ دينك، وتخيَّل النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لكَ: اصبرْ حتى تلقاني على الحوض!
إذا نزلَ بكَ مرضٌ عُضالٌ، تذكَّرْ أن أنَّاتِ المريض مع الرضى بقدرِ الله تعدل تسبيح الذاكرين، وأنها مُجرد أيام ستمضي، وتخيَّل النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لك: اصبرْ حتى تلقاني على الحوض!

إذا خُلِعَ الحجابُ من حولكِ، وكثُرَ التبرجُ طمعاً في العريس تارةً، وإظهار الجمال تارةً أخرى، فلا تفقدي إيمانك، العريسُ رزقٌ، وكل إنسان سيأخذُ رزقه رغماً عن هذا العالم، فتمسَّكي بحجابك، وتزيَّني بعفتكِ، وتخيَّلي النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لكِ: اصبري حتى تلقيني على الحوض!
إذا ظلمكم الأقربون، وهجركم المُحبون، وقيل فيكم ما ليس فيكم، فتذكَّروا أن الناس قد قالوا عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: كذاب، وساحر، ومجنون!
فأين نحن منه كي نسلمَ من الناس، عزوا أنفسكم أنكم المظلومين لا الظالمين، والمُفترى عليهم لا المُفترين، وكلَّما ضاقتْ، تخيَّلوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لكم: اصبروا حتى تلقوني على الحوض!

أدهم شرقاوي