من منا لايعرف الطوالع

(الطوالع)

عرفت دمشق قديماً عدة نظم لتوزيع المياه ضمن دمشق ومن هذه النظم الطالع فما هو ياترى:

الطالع(ج طوالع) وهو الموزع الذي يقيس الماء ويوزعه بحصص مقاسة بدقة وتقدر هذه الحصص بأجزاء من 24 قيراط، إذ توزع الى اصحاب الحق فيها وهذا دليل على القيمة العالية للمياه عند الدمشقيين وعلى مبادىء العدالة والمساواة في الحقوق، وقد كان الماء يباع للعائلات الغنية إذ تزداد الكمية للعائلات المترفة وكلها مقابل ثمن حسب الحصة، أما السبلان فقد كان يتبرع بها لتكون مياهها ملكاً عاماً بدون ثمن. وقد عرفت دمشق توزيع المياه بواسطة الطوالع منذ زمن الآراميين…اي منذ الفي سنة قبل الميلاد…

والطالع هو عبارة عن قطعة حجرية مستطيلة الشكل منحوتة بشكل احواض متصلة بعمق 10 سم يتوسط هذه الأحواض ثقوب لأخذ المياه وتوزيعها، أبعاده بين 50-250 سم اشكاله مستطيلة او مربعة، وقد يرتفع الطالع عن منسوب الطريق وذلك حسب منسوب القناة المغذية تغذيه بالماء ماصات توصل المياه اليه بواسطة أنابيب من الفخار وتوزع المياه من الطالع الى الدور والمساجد والكنائس والكنس اليهودية في محلة اليهود، والحمامات والسبلان والطوالع الأخرى وهناك عدد من الطوالع الرئيسة الهامة في دمشق القديمة تتفرع عنها الماصات التي تغذي الجزء الأكبر من المدينة القديمة حسب المناطق التالية: القيمرية والشاغور الجواني والخراب وباب شرقي.

وهذه الطوالع هي:

- طالع الفضة، طالع الجواني، شارع الجواني،طالع القلقاسية، طالع القبة، طالع التلاج، وهذه كلها في الشارع المستقيم ومتفرعاته في محيط المريمية، وطالع سوق الجمعة، طالع الجامع.

ويمثل طالع الفضة أنموذجا وكانت مياهه توصف بالفضة لشدة نقائها، وهو بجانب بطريركية الروم الأرثوذكس والكاتدرائية المريمية بمنطقة الخراب، هو من الطوالع الرئيسة والهامة، تصل اليه المياه بواسطة ماصيتان تصبان المياه فيه من فتحتين بقطر 28 و37مم، وتنقلان الماء اليه من نهر القنوات، كما يوجد طالع ثانوي بين طالع الفضة والموزع الرئيس في سوق القطن يساعد بمراقبة المياه وأعطال القساطل والطوالع الفرعية الأخرى…

وتتوزع مياه طالع الفضة المتكون من طالعين حيث تستقبل المياه وتوزعها وتغذي طالع آخر هو الطالع الجواني في محلة الجوانية الغنية بقصورها وكأنها مدينة داخل مدينة وكان المسيحيون الأغنياء يسكنون فيها مطبقين مقولة:”حطوا المية فوق المية واسكنوا بالجوانية” لسعر البيوت المرتفع، والطالع الثاني يوزع الماء بدوره للحي كله وعلى 20 طالع وهكذا…

وهكذا نجد ان نظام توزيع المياه بواسطة الطوالع هو نظام متقدم تكنولوجياً في زمن استعماله وهو دليل على تقدم علمي واجتماعي في وقت يعود الى الآراميين وماتلاه…

تصل المياه الى مقاسمها في الطوالع بواسطة القسطل والقسطل هو ماصنع من التراب الأحمر، وهو أنواع منها مايعرف بالزمر وهو أصغرها قياساً غير ان توزيع المياه في بعد الفتح الاسلامي لدمشق، تغير عن شكله أيام الآراميين لجر المياه الى المساجد من اجل الوضوء ما ادى الى تطوير في الشبكة القديمة، كما ان تطور المدينة العمراني وخروجها عن الأسوار واتساعها الأفقي أدى الى تحويل شبكات قساطل المياه، ومن جهة أخرى أدى الاتساع العمودي للدور في دمشق الى استغناء تلك الدور عن حقوقها في الطوالع، واعتمادها على مياه الفيجة بعد جر المياه بقساطل معدنية زمن الوالي العثماني ناظم باشا اواخر القرن 19 وقد سميت “قساطل ناظم باشا”.فقل الاعتماد على الطوالع فأهملت وانسد معظمها.

عن مقال للدكتور جوزيف زيتون