المحفظة

أرهقها التعب ، وأمضها البحث ، أياما طويلة قضتها تبحث عن عمل يقيم أودها مع أفراد أسرتها العزيزة ، تضخم عدد العاملات في مصنع صناعة الملابس النسائية ، وأدخلت عناصر شابة من النساء ، بأجور قليلة..

  • لا نملك أجرتك سيدتي ، يمكننا ان نجعل سيدتين تعملان بدلا عنك ونعطيهما نفس ما نعطيك كل شهر ..
  • وأنا ؟ وأولادي ؟ وسنين العمل والكفاءة التي بذلتها معكم ؟
  • لا ننكر جهدك ، وإخلاصك ، ولكل أمريء قدرة محددة ، والشباب لهم طاقة اكبر..

متاعب كثيرة تتراكم عليها ، وهي وحيدة ، لا تجد من تلجأ إليه ، ليقوم بمساعدتها ، أهلها وناسها رحلوا من هذا العالم وبقيت وحيدة ، تتذكرهم دائما ، وتحن إلى الأيام الجميلة، التي كانت تجمعها وإياهم على الحب والوئام ، تغير اليوم كل شيء ، وأصبحت الأمور سيئة ، لا طاقة لها بتحملها لوحدها ، وزادت عليها الأعباء بموت زوجها ، تراكمت عليه الأمراض بعد أن استغنوا عن خدماته ، لكبر سنه ، وتركها مع أولادهما الطلاب وحدها ، لا تستطيع أن تتخلى عن واجبها للوقوف بجانبهم، حتى يكملوا دراستهم ،ويرزقهم الله بأعمال تتناسب مع طموحاتهم ... تسير كثيرا على غير هدى ، علّ المشي الطويل يبدد متاعبها الكثيرة ، ويجلب إليها بعض الراحة ، فقدت الإحساس بالطمأنينة منذ دهر ، تتذكر معاناتها الطويلة ، وكيف لفظوها ، ، وهم يحكمون عليها بالابتعاد عن العمل الذي وهبته سنين حياتها ، وأخلصت فيه ، وكانت تجد به سعادتها ، وتحقق ذاتها في عالم قاس لا يرحم ، وتحفظ كرامتها ، ولا تحتاج أحدا

  • وهل اشتكيت من العمل ؟
  • أنت مجتهدة ، ولكن ماذا نقول لمن يعترض ؟ وكيف يعرفون انك بهذا الاجتهاد ؟

خطواتها سريعة ، تود لو استطاعت أن تهرب إلى مكان بعيد ، لتنسى حاضرها المؤلم وماضيها التعس ، عمل مضن ، وشقاء متواصل ، وقد رضيت به ،وأبوا لها أن تستمر فيه ، سنوات من النضال تذهب أدراج الرياح، وكأنها لم تعمل ، ولم تنفق عرقا وعاطفة وتعبا ومثابرة ، و أقوالهم القاسية التي اتخذوها حجة لهم، لإخراجها من العمل ، تطاردها باستمرار ، سهام تبدد راحتها وتغتال أحلامها ، بحثت طويلا في المؤسسات عن عمل جديد ، يرحبون بها في البداية :

  • مرحبا بك سيدتي ، يسرنا أن نستعين بك ، يحتاج عملنا إلى إنسان مخلص مثابر مثلك ، تبدو عليك علامات الطيبة وحب الناس.
  • يسرني رأيك
  • ولكن ،كم عمرك سيدتي ؟
  • آه آسفين جدا ، لا يمكننا الاستعانة بجهودك ، أنت بلغت سن التقاعد..

يطول بحثها بلا طائل ، و يكثر خروجها من المنزل، لتجد مكانا آخر قد يوافقون فيه على طلبها ، ولا يتخذون من العمر عائقا ، فكرت أن تهرب إلى مكان بعيد ، ولكن وضع أولادها المعتمدين عليها كل الاعتماد ، يجعلها تبعد فكرها عن محاولة الهروب ، من لها غيرهم في هذا العالم ؟
تهيئ طعام الغداء في الصباح الباكر ، وتقوم بما يحتاج إليه المنزل من تنظيف وعناية ، وتستعد للخروج ، ورغم أن محاولاتها كانت تقابل بالفشل ، إلا أنها لم تفقد إيمانها الكبير، أن غدها لابد أن يكون أجمل من يومها المتعثر هذا ، وان نشاطها الكبير وإخلاصها في العمل ،وحبها له يمكن أن يذلل كل الصعوبات والعوائق التي تقف في الطريق ..
تعود منهكة إلى بيتها ، تصعد درجات السلم بنشاط وهمة ، تريد أن تحضر مائدة الطعام ..
أولادها يعودون بعد قليل من المدارس ، يصطدم قدمها بشيء صلب ملقى على الدرجة الأخيرة من السلم:

  • ماهذا ؟

تنحني لتتفقد الشيء وتعرف طبيعته..

  • انه محفظة نقود ، ربما رماها صاحبها هنا ، لابد انها فارغة ، لايعقل ان يكون بداخلها بعض النقود ، ولكن من يدري ؟ ربما ..آه ..الحمد لله ، نقود كثيرة ..وجدت الحل لمشكلتي أخيرا ، بعد أن نفدت نقودي، التي كنت قد ادخرتها لحكم الزمن ، الحمد لله ، بعث لي تعويضا عن أيام السهاد والتعب وفقدان العمل.

تسارع إلى فتح منزلها ، تفتح المحفظة ، تعد ما بها ، مبالغ كبيرة لم تكن تحلم بها ، و قطع ذهبية ثمينة ، وبطاقة هوية ، تقرأ المعلومات بها بتمعن ،
من يمكن أن يكون صاحبها المهمل، الذي أضاع محفظته على درجات السلم ؟ الحمد لله ، إنها من نصيبي ، وسوف تفيدني وتؤمن معيشتي شهورا..
تحضر المائدة وتضع عليها الأواني ، تسخن الطعام ، وتضع الخبز ، والماء والملاعق ، بعد ثواني يعود أولادها..
إنها فرحة اليوم، فقد حلت مشاكلها لبعض الوقت ، وبعد شهور حين تنفد النقود ، ستجد حلا ، يمكن أن تجد عملا ، من يدري ، ولكن ما بالها تجد الفرحة ناقصة ، وتشعر ببعض الضيق ، مابها ؟ لماذا تفكر كثيرا ؟ وما شأنها ان أضاعت جارتها الكسيحة نقودها، التي جمعتها لتقوم بالصرف على ابنها المسافر، إلى خارج البلاد للدراسة ، لماذا لا تفرح ، وتأخذ النقود التي بعثها الله لها ، هي أولى من غيرها ، ولكن ماذا تفعل جارتها ؟ إن عرفت بضياع نقودها ؟ ...وما شأنها هي ؟ لتجرب جارتها حياة الفاقة كما جربتها ، قد تكون الجارة أفضل منها حالا ، فزوجها حي يرزق ، ولكن زوج الجارة عاطل عن العمل ، وجارتها المسكينة الكسيحة تعمل للأنفاق عليه ، يا الله يا ما في الدنيا من مظلومين ، لماذا تكثر من التفكير ؟ النقود لها ، ولن تعود إلى تنغيص نفسها بما يحدث للآخرين ، ولكن هل تعلمت طعن من يحسن إليها ؟ جارتها كريمة معها ، وتقف بجانبها ، وقد جربت أن تجد لها عملا ، ولكنها لم تفلح ، وخابت محاولاتها ، من يدريني إنها حاولت ، النقود لي ، لتذهب الجارة إلى أي مكان ..
القلق يستبد بها ، والحيرة تهيمن على تفكيرها ، والأفكار المتعارضة المتصارعة تذهب بها في جميع الجوانب ، من قال إن النقود لها ؟ هل تعبت في جمعها ؟ لقد تعبت كثيرا ، في جمع نقود أخرى ، وصرفتها على العائلة ، ولو جمعتها لكانت أكثر من هذه النقود أضعافا مضاعفة ، ولاستطاعت أن تكون من الأثرياء ، ولكن شاء طالعها أن تقوم هي بالإنفاق ، لتعجز عن جمع النقود..

  • صه يا عقلي ، إليك عني يا فكري ، لماذا تتعاونان على الإيقاع بي ، جاءتني الهدية إلى عقر داري ، وحل الرزق بعد طول انتظار ، ابتعدا عني.

وكيف تبتعد عن عقلها ، وهل يمكنها أن تنأى عن فكرها ؟ ماذا يتبقى لها ، بعد ابتعادهما ، لن تظل كما تريد أن تكون ، لتذهب نقود الآخرين ، سوف تعيدها إلى أصحابها ، ولن تعرف الراحة حتى تعود إليها طبيعتها الجميلة


صبيحة شبر