. . .
تكرَّمت علي اليوم الأربعاء 4 / 3 / 2020 صحيفةُ الوطنِ بأن نشرتْ لي مقالاً عن ذلك الشاعر الحمصي محيي الدين الدرويش ذلك الرجلِ الفذّ الذي لمْ يحصلْ على شهادة لكن موهبتَهُ أوصلتْهُ إلى التأليفِ والتدريس .
وهذا هو المقالُ معِ الرابطِ لمن يرغب بالاطلاع .
ـــــــــــــــــــــــــ
...................... محيي الدين الدرويش ......................

رجلٌ فصيحٌ بليغ ؛ دعتهُ المنابرُ فحطَّ في رحالها ، ونادته القوافي فصالَ وجالَ في أرجائها ، ورحبت به الصحافةُ فأبدعَ على صفحاتها وأغناها .
وما ذاك لشهادةٍ عاليةٍ يحملها فهو بمفهوم اليوم أمِّي ، ولا هو لجاهٍ يطير به فهو ابنُ رجلٍ بسيط ، ولا هو لمال تحمله حناياه فهو رجل متوسط الحال . . . وإنما لعبقرية نبغت ، ونجابةٍ وذكاءٍ بهرا من يراه .
رجلٌ لم يدخلِ المدرسةَ ولم يعرفِ الجامعة ؛ وإنما رعته ( كتاتيبُ ) بلدته حمص التي ولد فيها عام 1908 . . . وقد أتمَّ مناهج تلك الكتاتيب وظهرت مواهبُهُ قبل أن يتجاوز العاشرة العمر .
إنه محيي الدين الدقاق ، تلك العائلة الحمصية المعروفة والمغرقة في القدم ، وقد كان والده مصطفى منتسباً إلى الطريقة المولوية فأُطلِق عليه لقب ( الدرويش ) ؛ ثم غلب اللقبُ الجديد على الكنيةِ القديمة ، وكان ابنه محيي الدين الدرويش .
وكان الاعتبار السائد آنذاك هو الاعتماد على الكفاءات الشخصية وليس التعويل على الشهادات العلمية ، ومن هذا الباب تمكن محيي الدين الدرويش من أن يجتاز امتحاناً مسلكياً بتفوق ، فالتحق بمدرسة دار المعلمين العليا ، ثم دعته وزارة المعارف عام 1932 ليعمل مدرسا للأدب العربي في مدارس حمص .
توجه محيي الدين الدرويش إلى الصحافة فرحبت به أيما ترحيب . . . فقد راسل صحف الأيام والقبس وألف باء ونشر فيها مقالات بليغة رائعة ، ثم طغت شهرته في عصره فترأس تحرير صحيفة ( التوفيق ) وصحيفة ( الضحى ) وصحيفة ( الفجر ) .
في هذه الصحف دبَّج يراعُهُ أعظم المقالات في اللغة والسياسة والأدب .
ويؤثَرُ له أنه قد حارب الانتداب الفرنسي على سوريا في القرن الماضي بمقالات وقصائدَ كانت كالصواعقِ تقضُّ مضجعَ الفرنسيين . . . حتى إن المندوب الفرنسي أرسل له تهديداً ليكف عن بلواه فرد عليه بقصيدة مطلعها :
عتاةَ باريسِ ما فيكم أخو رشدٍ
أتذكرونَ الذي أنزلتُمُ فينا
وحين تم الاستقلال غنى الأستاذ درويش آنذاك :
الحمدُ للهِ قد تمَّت أمانينا
وأسفرَ الليلُ طلقاً في نوادينا
وفي عام 1963 م أصدر مجلة ( الخمائل الأدبية ) التي كانت متنفس الأدباء والشعراء داخل القطر السوري وخارجه .
وقد كان عضواً في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية .
كذلك فقد انصرف الشاعر محيي الدين درويش إلى التأليف فأغنى المكتبة العربية بمؤلفات غنية ، منها : إعراب القرآن وبيانه ـــ تحقيق ( ديوان ديك الجن ) .
ولا يفوتني أن أشير إلى أن محيي الدين الدرويش يعتبر صنوَ أبي نواس في عشقه لبنت العنقود ، ومن بديع قوله فيها :
بنفسي عشياتٌ لنا وأصائلُ
سواحرُ ، يغرينَ النفوسَ ، حوافلُ
ومعهدُ أُنسٍ ينشرُ اللهوَ فيئُهُ
له الحسنُ ثوبٌ ، والنعيمُ غلائلُ
أَحِنُّ إلى تلك العشايا ويستبي
فؤادي جمالٌ أطلعتْهُ الأصائلُ
بها تبرزُ اللذاتُ فتانةَ الرؤى
فأنهبُ منها كلَّ ما أنا آملُ
لذائذُ فيها للحليمِ غوايةٌ
على أنها للهائمينَ حلائلُ


توفي الشعر محيي الدين الدرويش عام 1982 .
فأي عبقرية تلك التي شقت طريقها فأبدعت في الشعر والمقالة والتعليم والأدب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ أنس تللو