زياد السلوادي


ورد تعبير ( بالعشي والإبكار ) مرتين في القرآن الكريم ، وفي المرتين نجده مرتبطاً بالتسبيح ، أما تعبير ( بالعشي والإشراق ) فقد ورد مرة واحدة فقط ومرتبطاً أيضاً بالتسبيح ، وحين ندرك الفرق في المعنى بين التعبيرين نقف على دقة القرآن الكريم في إصابة المعنى الذي لا يمكن لبشر أن يصيبه على هذه الدرجة العظيمة من الدقة .
ففي الآيتين اللتين ذكرتا ( العشي والإبكار ) نقرأ :
( قال رب اجعل لي ءاية قال ءايتك الا تكلم الناس ثلثة ايام الا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكر ) آل عمران : 41 .
( فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والابكر ) غافر : 55 .
وفي الآية التي ذكرت ( العشي والإشراق ) نقرأ :
( انا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق ) ص : 18 .
وبعد أن قرأنا الآيات نتساءل ، لماذا ذكر تعالى العشي والإبكار في الآيتين ثم ذكر العشي والإشراق في الثالثة ، وما الفرق في المعنى بين هذه وتلك ؟
بالرجوع الى معنى كلمة ( الإبكار ) نجدها مشتقة من مادة ب ك ر ، والتي اشتق منها معنى ( أول كل شيء ) فالبكر هو أول مولود وأول كل شيء ، والابتكار هو اختراع الجديد لأول مرة ، وباكورة الفاكهة هي أول ما ينضج منها .. وهكذا . أما الإبكار التي نحن بصددها فتعني أول ما يبدأ الإنسان بفعله حين يستيقظ من نومه صباحاً بعد قضائه ليله نائماً . فالإبكار لا يمكن أن يعني وحده الصباح الباكر مجرداً عن حركة الإنسان ، لأن لفظة ( الإبكار ) هي مصدر للفعل ( أبكر ) ومعناه أتى في الصباح الباكر ، فحين نقول ( أبكر فلاناً ) فمعناها أتاه مبكّراً في الصباح . ولما كانت الآيتان اللتان ذكرتا ( العشي والإبكار ) تأمر أولاهما زكريا عليه السلام أن يسبح بالعشي والإبكار ، وتأمر الثانية محمداً عليه السلام أن يسبح بالعشي والإبكار ، أي أن يسبحا في الليل وحين يستيقظان من النوم صباحاً ليبدآ عملهما ، يتضح لنا أن لفظة ( الإبكار ) مرتبطة بعمل الإنسان . ولكن الآية الثالثة الخاصة بتسبيح الجبال استخدم فيها تعبير ( بالعشي والإشراق ) ، لأن الجبال لا تنام ولا تستيقظ بل يتعاقب عليها الليل والنهار وهي ثابتة مكانها ، وقد سخرها الله تعالى لتسبح مع داود عليه السلام بالعشي والإشراق .
من هنا يتضح لنا الفرق بين معنى ( العشي والإبكار ) ومعنى ( العشي والإشراق ) ، فالأول للإنسان والثاني للجماد ، وتتضح لنا الدقة القرآنية العظيمة في إصابة المعاني التي يغفل عنها البشر .