د. ريمه عبد الإله الخاني

مدخل
غالبا ماتكون الدراسات النقدية، قائمة على أمرين، اختيار وذوق الناقد، أو من باب التكليف،أو أمور أخرى لانعرفها، وهذه المرة لم يكن الدافع لاهذا ولاذاك، ولكن لأني أحترم صاحبة المجموعة، وأكن لها كل ود،فكان ذلك تطوعا وهدية على هدية...
القاصة إيمان مصطفى ليلا: عربية سورية، مجازة بالشريعة، ورئيس المركز الثقافي في الميدان منذ أكثر من ثلاث سنوات، عضو في مجلة معاق نيوز الإلكترونية، وحائزة المرتبة الثالثة، بمسابقة القصة بالمهرجان الرابع للقصة في اتحاد الصحفيين والكتاب الفلسطينيين، وهي عضوة في اتحاد الصحفيين الفلسطينيين،تنشر في كثير من الصحف العربية والمحلية.وتعتبر المجموعة تلك المجموعة الأولى لها.من مطبوعات وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب2018.
متن الدراسة:
يعتبر عنوان المجموعة: امرأة بلا قيود:عنوان فريد وجديد، قد يفهم خطأ إن لم تُقرأ المجموعة بعناية، بحيث يفهم منها إنها تحمل في أحشائها، لقطات من السيرة الذاتية للمؤلفة، التي تمنت لو حققت نجاحا في حياتها الزوجية، وخاصة إذا عرفنا نهجها الوصاف في القص،فلكل قلم هوية ونهج، فقلمها يجمع مابين الوصف الخارجي والداخلي للشخوص، ويكاد يرجح الأول في معظم القصص، ونعني بذلك الجمع مابين المشاعر الداخلية والبيئة الخارجية، فالجمع بينهما، تحمل صورة الغلاف لقطة لفتاة فاتحة ذراعيها للطبيعة، وكأنها خرجت من القيود، بينما نخشى أن يكون الانطباع العام عن المجموعة هو العكس، وأن القيود الحياتية عادت قيوداً سلوكية ونفسية، بكل الأحوال هي لقطات شبابية، قد تكون واقعا وقد تكون حلما، يؤكدها تصنيف المجموعة والذي كتب فيها: إبداعات شبابية.والجدير بالذكر أن العنوان لم يحمل عنوان أي قصة من القصص الواردة فيها كما تعودنا في المجموعات القصصية عامة، بل كان منفصلا عنها تماما، والمجموعة برمتها تعبير صادق عن المشاعرية الشبابية، بعفة وبراءة، رغم جرأة الطرح، في توصيل المشاعر الأنثوية الداخلية للخارج، ولو طالعنا القصص بعد قراءتها كنظرة عامة، نجده أن معظمها يشكل عقدا من الذكريات أو المذكرات، على بساطتها وبساطة الموقف المكتشف في نهاية السرد البوحي، استطاعت القاصة تحميل النص وصفا ميدانيا للموقف بحيث يكون الوصف البطل الأهم في النص، لنكتشف أخيرا، بساطة الموقف المبني عليه النص، لكنها استطاعت وصف اللحظة وتداعياتها بمهارة تحسب لها.من ناحية أخرى وشخصيا وجدت أن الحزن يظلل معظمها، فاخترت لها عنوانا من تلقاء نفسي: الحبر الأسود.يوحي لون الغلاف الأصفر والطبيعة المعماة في الخلفية، بأن اللقطة حلم، أو آمال مرتقبة.شكر لمصمم الغلاف م.عمار بقلة.

المجموعة تحمل إثنا عشر قصة قصيرة، كادت تقترب في بعضها من نمط الخاطرة القصصية، التي لاتحمل حدثا واضحا،بل ظلال حدث، لكنها تخلصت ببراعة من ذلك بعنصر المفاجأة في آخرها، وفي معظم القصص وليس كلها. كانت عناوين المجموعة:
على قارعة الطريق
زيدان وسمير ..وقط أسود
مظلة
ليلة رأس السنة
الساري الأرجواني أو ليلة اكتمال القمر
لحظات حرجة أو الغرفة "301"
بحيرة الأسرار
إجازة صيف
فرصة عمل
الحلم الضائع
انتقام الحب
أنت أمي.
تعتبر قصة على قارعة الطريق نموذجا للغزل الأنثوي البريء، حيث تتكلم القاصة بصيغة المتكلم، وهي أقوى صيغ السرد القصصي، وتتابع شابا مجتهدا منضبطا في عمله، وتعبر عن مكنونها العاطفي، لنكتشف أخيراً أنها بائعة جرائد عندما يشتري منها الشاب تلك الجريدة،موقف بسيط جدا، استطاعت القاصة وصف تفاصيل يومية مثلا في تركنا لمخيلتنا لنتعرف على الراوي لنكتشف من هو أخيرا، فالوصف كان هو بطل القصة وليس البائعة.وفي القصة التالية نجد وصفا مماثلا لكنه يتضمن صورا جديدة:
-أتسلح بالحراب التي أدمت قلبي ألف مرة
-كأني أزحف فوق رمال حارة في صحراء قاحلة.
-ركلت عمري، تحت قضاء قدميه.
تعتبر هذه القصة الاسترجاعية، أو كما ورد في المصطلح الغربي Feedbackلنكتشف أننا في الحاضر، وأن الزوج الغادر اختفى من حياتها ، وهي أقرب للخاطرة القصصية منها للقصة، حيث أن الموقف برمته كان وقوفا أما المرآة لترى من خلالها مامضى وانقضى.وتعتبر عبارة:

  • لاأستطيع أن أحتمل منك أو من سواك خيبة أخرى.

أغلقت الباب وراءه بهدوء.
ألقيت نظرة عابرة إلى المرآة، وجدتها تبتسم لي بشغف وانتصار.
كان هذا في الصفحة الثانية والعشرين، هنا يتجلى بوضوح المراد من عنوان المجموعة، أنها تحررت من خيبتها، من فشلها السابق، من ربقات الماضي، وغدت أمرأة أخرى تماما، بينما نستشف كقراء رائحة الرضى بالقدر خاصة أنها غدت على كرسيها المتحرك، والذي لم تفصح القصة عن السبب فكانت نقلة درامية ذات فجوة.
في قصة مظلة وصف لامرأة تنتظر سيارة أجرة تقلها إلى عملها، لكنها استثمرت الحدث بصدق تفاصيله:
-أستغل لحظات الانتظار بالاستغفار(يبدو أن الهمزة في أستغل سقطت سهوا في المجموعة).
-يبدو أن ثقافتي الموسيقية عالية عندما تغني صباح :"يارب تشتي عرسان ليلحقني طرطوشي".
في قصة ليلة رأس السنة، كذلك نتابع لحظة استرجاعية للقاء دافئ، لكنني حاولت تلمس الحدث وكأنه انتظار لايسفر عن حضوره وغياب يرغم النفس على النسيان والرضى بالقضاء.فهل نعتبرها خاطرة؟.
في قصة الساري الأرجواني، كأنها خاطرة قصصية خارج سياج النصوص السابقة، وحوار في طائرة وسفر إلى تاج محل ولقاء هروبا من الماضي، لم ينته بمفاجأة سوى أنها بقيت وحيدة، كان سردا طويلا.
أما في قصة لحظات حرجة، تتجلى الروح الإنسانية الواقعية، وصورة عن الواقع القريب الذي عشناه، ووحدة أب فقد كل قريب سوى ابنته، لتلحق به في المشفى وينجو بعد تأذي منزله.كانت نهاية مضيئة. تعوض بعض حزن فائت.
وتعتبر قصة بحيرة الأسرار، قصة تعبر بقوة عن سن المراهقة تماما، وأن طالبة رغبت في البوح لأستاذها فتفاجأت بلقائه بزميلتها.طبعا لكل انطباع عن تلك الأمور ووجهة نظر خاصة، بحيث قد يقول بعضهم: من السيء أن تبادر الفتاة، وهذا يؤذي عزة نفسها والانطباع الأخلاقي عنها، خاصة مجتمعيا..إلخ. لكن مايهمنا هنا أن أنهتها :
-لحظتها بقيت متسمرة في مكانها،[1]وقد حبست دموعا، كادت تفجر روحها، ترقب ماء البحيرة، تحركه ريح هادئة، وعلى شاطئها لم يكن ثمة من أسرار، كانت الخيبة وحدها من يقف هناك.

تمنيت أن تقدم لنا نهاية محتلفة للمتوقع، للحظة متكررة في القص الدرامي عموما، بحيث تأنف من تقبل الموقف، فتقول أنه لايستحقها، أو جيد أنها اكتشفت باكرا الأمر الخ. وتبقى وجهة نظر خاصة. إنها من مبدأ تحسين ردات الفعل التي ترفع من مكانة المرأة عموما.وفي قصة إجازة صيف، يستمر مشوار الشرود واسترجاع لحظات عابرة كاصطدام بشاب، بنت عليه قصتها، أي موقف بسيط للغاية.
أما في فرصة عمل، نجد أنفسنا خارج صندوق الذكريات من جديد، وتقدم شابا يبحث عن عمل، بعيدا عن حقل والده، لكنه يفاجأ بأن الإعلان عن العمل كان قديما بقدم الجريدة، وتعد القصة هذه من أوضح فنيات القصة هنا، وقد تحقق عنصر المفاجأة بنجاح.الحقيقة المؤلفة لاتقف حكما بين أبطال قصصها ولاتملي عليهم نصحها، أو تبحث عن هدف لقصّها، بقدر وصفها لواقع المعاناة التي أحسنت في وصف دقائقه.وكأنها تبنت مبدأ الأدب للأدب.
في الحلم الضائع حوار وبوح بين امرأتين،وفي انتقام الحب تعالج فكرة الرجل ذو المغامرات النسائية،بطريقة وصفية واقعية بلا مواجهات بين الأطراف المتنازعة، فالدموع كانت القاسم المشترك بين معظمها، ونلاحظ وكأنها تروي قصة حدثت بالفعل، أما في ختام القصص أنت أمي، كنت قد تفاعلت معها بقوة، حيث أنها عالجت قضية مجتمعية معروفة ومازالت مؤلمة حتى الآن، حالة انفصال الزوجين، أو تشرد الأطفال إلخ..أن يعيش الطفل في غير حضن أمه، سواء زوجة أبيه أو أي امرأة غير أمه، كنت عالجت هذا الأمر في قصة: أمي الجديدة، على طريقتي، فلكل زاوية يرى فيها تلك القضية الحساسة.

ختام:

إذا اعتبرنا أن المجموعة القصصية للأستاذة إيمان ليلا هي الأولى، فنحن سننتظرجديدها الإنساني من جديد،وندعو لها بالتوفيق دوما. ولن أنسى أن أقولها جهرا:تعتبر الأستاذة إيمان، أول من استحدث فكرة أصدقاء المركز الثقافي،حيث كنا نجتمع يوما من كل شهر، وفيه يجمع الأدباء على تنوع مذهبهم الأدبي وعمق تجربتهم الأدبية، لعرض مواهبهم على اختلافها، وفتح باب النقد، لتصويب تجاربهم وعرض الجديد منها- وقد افتقدنا لذلك الآن- ومنه للارتقاء بها للأفضل، خاصة أن عنصر الشباب والطلاب كان حاضرا بقوة، وهم أهم عنصر أدبي، لأنهم استمرار لنا وللتجارب السابقة، ولو استأصلنا النقد من مجالسنا الثقافية، لأغلقنا باب تلاقح التجارب، وتطويرها ولجم الأفكارالجديدة، ورفع مرونة الحوار الثقافي وجرأة مواجهة الأخطاء بصدر رحب.
شكرا لك أستاذة إيمان لهديتك القيمة.
وفقك الله ورعاكِ وسدد خطاكِ بالخير.
7-1-2020





[1] (في النص سقطت الفاصلة وبعض فواصل عبر مساحة القصص، حيث كانت تسقط سهوا)