لماذا يتهافت الغرب على قراءة القران الكريم

--------------------------------------------------------------------------------

لماذا يتهافت الغرب على قراءة القرآن؟!



كانت راشيل ترغب دائماً في أن تقتني مصحفاً، فطالما حدثها أبوها عنه،،


كان يتلو عليها أحياناً بعض الآيات، ومازالت راشيل تتذكر تلك الآية الكريمة: ?من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا?.. لذلك قررت راشيل – وهي طالبة في العشرين من عمرها- ذات يوم سبت أن تجوب شوارع باريس كلها، لتشتري مصحفاً يماثل ذلك الذي يوجد في منزل والدها من حيث حجمه الكبير، ومداد خطه المذهب. وفجأة وجدت نفسها في إحدى المكتبات وأمام عشرات من النسخ المبعثرة على الرفوف، اختارت واحدة، تلألأت عيناها وهي تتصفحه بلطف وسكون، ثم انصرفت أما كريمة، فلم تكتف بنسخة واحدة، بل أخذت نسخاً متنوعة حتى تتمكن من المقارنة والتحليل، لأنها تعتقد بأن ترجمة القرآن تختلف من شخص إلى آخر، لذلك وجب التحقق لفهم المعنى. وتقول نادية، وهي تلميذة في الثانوي: إني قررت ألا أطالع أي شيء يتعلق بالدين لأنني لا أستطيع أن أستوعب ذلك، فأنا أرغب في أن يرشدني أحد وتأسف لكون الأسئلة العديدة التي توجهها إلى أمها لا تجد عنها أجوبة، لأنها أمية، وتعتبر ذلك سبباً في ضعف معرفتها بثقافة بيئتها، لأنها لا تعرف عنها سوى النزر القليل.

ولا يتردد جون شليلات، العامل بمكتبة ابن سينا المتخصصة في باريس, في القول بأن الشغل الشاغل للمسلمين هو عملهم والحرص على نجاح أبنائهم في الحياة، ويعتقد بأن جلهم لا يعرف شيئا عن القرآن، ولكن حينما يأتون إلى فرنسا، فإن سحرا ما يجذبهم إلى هذا الكتاب السماوي. إن راشيل ونادية وكريمة لسن سوى عينة مصغرة من مئات القراء الذين تحولت رغبة المطالعة لديهم صوب كتاب الله (القرآن) بشكل ملفت للأنظار، وبالخصوص بعد الاعتداءات الأخيرة على أمريكا في 11 سبتمبر.

قد يبدو للوهلة الأولى أن القرآن أصبح أكثر الكتب مبيعاً, في حين أن الأمر يتعلق بظاهرة، لكون المخزون من نسخ القرآن نفذ من أكبر المكتبات بتولوز وليل وستراسبورغ ومارسيليا، فالقرآن يباع عادة في فرنسا وبوتيرة عالية في شهر رمضان, إلا أنه بعد أحداث أمريكا فاقت المبيعات كل الأرقام. وأمام تعدد أسئلة القراء، كان لابد من إيجاد الأجوبة المقنعة.

لذلك كان طبيعياً أن يحتكم هؤلاء إلى القرآن، لأنه يشكل الأصل والمرجع لفهم الإسلام, فهذا النص السماوي يحتوي على 114 سورة, وفهم دلالات آياته الكريمة يعني بالضرورة عدم الاكتراث بما يروج في وسائل الإعلام، وما ينتج عن ذلك من مغالطات لاتفيد في شيء.
ويتساءل بيير الذي يعمل مراقبا في مجال التدبير عن حقيقة الاتهامات التي يوجهها الغرب عن المسلمين: هل بإمكان القرآن الرد عليها. لأن المسألة تهم مليار ومائتي مسلم في العالم، ويبدو سؤاله مبرراً منطقياً خاصة إذا علمنا أن الإسلام يعتبر الديانة الثانية في فرنسا من حيث درجة الاعتناق، وعلى هذا الأساس يقترح بيير أن يكون القرآن جزءاً من ثقافة فرنسا المعاصرة.

إن اهتمام الغرب بالقرآن الكريم، لم يكن وليد أحداث 11 سبتمبر كما يؤكد خطيب مسجد باريس، فالتاريخ يذكرنا بأن نابليون حينما قام بحملته الشهيرة على مصر كان شديد الاهتمام بفهم معاني القرآن, وكان يبدي تأثراً لبعض الآيات فيه, بل استطاع أن يتلو أمام اندهاش سكان القاهرة بعض الآيات إلى درجة أن فيكتور هيجو لقبه بنبي الغرب. ويضيف الخطيب في هذا الصدد بأن اهتمام وشغف الغرب بمعرفة القرآن ازداد فعلاً بعد الاعتداءات الأخيرة على أمريكا.

لذلك ينصح القارئ الغربي بضرورة نهج طريقة علمية لفهم القرآن، من خلال فهم الظروف التي نزل فيها القرآن أولاً، وإدراك الإطار العام الذي تندرج في سياقه كل آية في مرحلة لاحقة, لأن القرآن قبل كل شئ ليس بالبضاعة التي تشترى أو كتابا للمطالعة، بل هو كتاب الله الذي يدعو إلى طاعته بالحجة والإقناع, وهو الكتاب الذي يقول فيه الحق:? لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله?.

ويفسر بدر الدين الروداكي، مسؤول بمكتبة معهد العالم العربي, هذه الظاهرة بكونها انعكاسا طبيعي لرغبة الفرد، عندما يريد إزالة الغشاوة عن جهله بحقائق الأمور، ويشبه ذلك بما حدث أثناء العرض الأول لفيلم (المصير (ليوسف شاهين، فالكثير من الناس كانوا متعطشين وقتئذ لمعرفة كل الحقيقة عن ابن رشد الفيلسوف الذي شغل زمانه. إن شغف المعرفة يولد طاقة لدى الفرد لاكتساب المزيد من المعلومات، إنها غريزة المعرفة لا غير، لذلك وجد الغرب نفسه الآن محتاجاً إلى القرآن لتفسير ما وقع وإيجاد أجوبة مقنعة لذلك. وأمام تعدد القراءات، فإن استيعاب معاني القرآن بدا لدى البعض مستعصيا.

في بريفو, الربان المتقاعد, حاول مراراً أن يفهم دلالات بعض الآيات بيد أنه لم يستطع لذلك سبيلا, ليخلص إلى القول بأنه وجد نفسه أمام حقيقتين: إما أن القرآن نص معقد أو أنه لا يتوفر لديه طاقة ذهنية لإستيعابه.

يقول الروداكي: إن القرآن كلام الله, إنه البيان, والقارئ لا يملك سوى التخشع لفهم معانيه, لذلك فترجمته لا تعدو أن تكون محاولة لنقل المعنى لا غير، وهذا ما ينتج عنه أخطاء تمس المعنى، فيكثر الإبهام والغموض . ومن الأكيد أن الترجمة الخاطئة للقرآن تسيء أيضاً للقارئ الغربي الذي يصعب عليه فهم الدين الإسلامي, لذلك يمكن اعتبارها سبباً مباشراً في تعدد التأويلات حول معاني بعض الآيات القرآنية. وإلى جانب المعاني والدلالات، فالقرآن كتاب الله يرتل لكي ينفذ إلى الوجدان, لذلك وجدت في الإسلام مدارس قرآنية لتجويده .

والأحكام التي يصدرها القراء حالياً حول القرآن لا ترتكز على أساس، لأن الظروف المفاجئة التي برزت فيها تعكس طبيعة تسرعها مما يدعو إلى الانتباه والحذر في آن واحد. لكن ثمة قراء لا يعيرون لهذه الأحكام اهتماما، كما هو الشأن بالنسبة إلى سيسيل, وهي تلميذة في العلوم التطبيقية وشديدة الولع بالقرآن، إذ تعتقد بأن القرآن لا يحمل في طياته تلك الصورة السلبية التي لدى البعض في أذهانهم, وأن ما يروج حوله لا يمكن وصفه إلا بالشائعات، والتوراة القديمة عاشت الوضع نفسه, لذلك فإن الأمر يقتصر بالنسبة إليها على معرفة معاني القرآن قبل كل شيء للتعبير عنها بلغة مفهومة.

لقد نزل القرآن على النبي محمد منذ ما يزيد على 14 قرناً، في شبه الجزيرة العربية وانتشر عن طريق الحفظة والرواة في زمن كانت القافلة هي السبيل الوحيدة للتواصل بين الشعوب والأمصار, لذلك حينما تجد آيات تدعو إلى مواجهة العنف بالعنف فإن المطلوب من القارئ هو فهم تلك الآيات في سياقها.

فالرسول مثلاً واجه تهديدات قريش وهاجر من مكة إلى المدينة، ورغم ذلك تمت ملاحقته إيذائه، فكلما ابتعدنا عن السياق التاريخي للآية ووضعناها في سياق مطلق، إلا وتولد عن ذلك غموض وتناقض في المعنى والدلالة لدى القارئ العادي, ويضيف عبد الهادي الطويل عبد العزيز، مقيم بفرنسا من أصل جزائري ويملك مقهى صغيرة بالدائرة الخامسة في باريس: إن القرآن يدعو إلى التسامح، إنه الدين الوحيد الذي يعترف بالديانتين الأخريين.

لقد تعددت النقاشات حول التسامح والعنف، وأثير غير ما مرة مصطلح الجهاد، والقرآن كان المصدر والنواة الأساسية لهذه الآراء، لأنه مثل جميع النصوص الدينية الهامة الأخرى حي ونابض بالمعاني والدلالات، لذلك وجب فهمه جيدا وإدراك الحقائق الغامضة فيه والبحث عن المعرفة الحقيقية حتى نستطيع التفريق بين ما هو خطأ وما هو صحيح.

إن الزائر لأرشيف المكتبة الوطنية ومعهد العالم العربي، سينبهر، عندما يسرق لحظات من وقته للاطلاع من باب الفضول أو حبا في المعرفة على المخطوطات النادرة التى تعود إلى العصر الوسيط، وهي تركن في هدوء وسكينة في رفوف بديعة، تحفظ في مكنونتها بخط كوفي ومداد مذهب أسرارا من تاريخ الإنسانية, وكارولين باستلير ليست سوى واحدة من الزائرات التي حينما قرأت بعضا من القرآن استنتجت أن تصريحات الطالبات بتحريم اللعب والضحك ما هو إلا بهتان لا يرتكز على منطق .

أكيد أن الغرب أدرك الآن أن القراءة الجيدة للقرآن تعني بالأساس فهم حقيقة الإسلام، وأكيد أنه عرف بأن أول آية نزلت على النبي (محمد) كانت اقرأ. (اقرأ) لها دلالة في الزمان والمكان منذ ما يزيد على 14 قرناً، والآن أدرك الغرب أن لهذا الفعل نفس الدلالة في هذا الزمان.

نقلا عن صحيفة لومند الفرنسية