ريم بدر الدين بزالالسادسة صباحاً هو الموعد الذي أفتح فيه ستائر غرفتي، للحق أنا أخشى أن أفتحها قبل أن ينتشر نور الصباح لئلا أصطدم بخيال أو شبح يؤرق ليلتي القادمة.
أول ما أفعله هو أن ألقي النظرة الأولى على نافذتها. تقع شقتها في الدور الأدنى من شقتي في البناء المقابل للبناء الذي أقطن فيه، يفصل بيننا شارع جانبي هادىء يندر أن تمر فيه السيارات. لا أرى فيه عادة إلا بعض ممن يسكنون الأبنية المجاورة و قطيع من الكلاب الشاردة يملأ فضاء الليل بعواء دراماتيكي يصلح لأفلام الرعب أو الأفلام الكوميدية.
أنتظر يوميا نور الصباح بفارغ الصبر لأرى ذلك الجزء من غرفتها و هو يسبح في نور شمس الصباح. اكتشفت في الأيام الغائمة أنه ثمة مصباح جانبي ينير الغرفة بضوء ساطع. على النافذة أرى طرف ستارة زهرية اللون لا بد أن يكون لها جزء آخر لا يقع في مداي المنظور. ثمة كرسي من البامبو قرب النافذة عليه وسادة بيضاء مطرزة بورود زهرية اللون و بالقرب منها يقف ضوء جانبي طويل يضع قبعة تشبه قبعة بستاني قصر مترف في العصور الارستقراطية. على الجدار فوق السرير علقت لوحة فيها بورتريه لم أتبين ملامحه.
في مثل هذا الوقت من الصباح تتمدد على سريرها بملاءاته البيضاء و هي ترتدي قميص نوم ملون ، شعرها الطويل مسترسل على وسادتها في ترتيب بديع، ألقي عليها في سري تحية الصباح قبل أن أغادر إلى عملي.
فور أن أعود مساء إلى بيتي أتجه للنافذة لأطمئن عليها. يا لها من امرأة كسولة تهوى النوم، في كل مرة أخطط للعودة قبل أن تستسلم للنوم لعلي أستطيع إرسال اشارة ما فأحظى بدعوة إلى قهوتها غير أني لم أفلح أبداً. لابد أن عملها مرهق أو أنها تعاني من وحدة عميقة أو صدمة نفسية أو أي سبب آخر يدفعها للنوم الطويل.
غادرت المدينة في رحلة عمل استمرت أسابيع طويلة و لكن طيفها كان رفيقي الدائم. للغرابة لم أستطع تخيلها أمامي سوى امرأة تتسربل بالنوم. عزمت عندما أعود إلى بيتي أن أطرق بابها و أبدي إعجابي بها و ليكن ما يكون.
أثناء الرحلة تجولت في أحد المتاجر،ثمة منظار مقرب يستفزني، أود أن أشتريه غير أن الجانب الآخر مني يحذرني من مغبة هذا العمل غير الأخلاقي. في نهاية الأمر انتصر الشغف و عطل ماكينتي الأخلاقية ، لدي حاجة ملحة لأراها عن كثب تجتاحني بعنف وتبدد الأفكار و القيم التي اعتنقها.
السادسة صباحا الأولى بعد عودتي فتحت ستائري ، وضعت منظاري على الطاولة الصغيرة بالقرب من آنية الزهور لئلا يظهر بالكامل، كنت أمارس تمويه الحقيقة أمام ضميري على الأقل.
وضعت عينا على المنظار و أغلقت الأخرى بكفي، يالجمال قميصها المزهر و حوافه المزينة بالدانتيل، لطالما ارتبط الدانتيل في ذهني بالأنوثة الفائقة. هل تعبر امرأة عن أنوثتها إن لم يكن هناك رجل تود أن يرى تفتحها؟ لست أدري كم أطلت النظر غير أني استحيت أن أركز العدسة على وجهها، بالقرب منها على الكوميدينو فنجان قهوة فارغ. امرأة ذواقة تتناول القهوة قبل أن تنام.
غادرت إلى عملي بعد المشاهدة الصباحية المقربة و عاودت المشاهدة في المساء. اكتشفت بعدها أنني لم أعد أغلق ستارتي و لم يعد الخوف صديقا مقيما في أفكاري. عزمت أن أزورها في اليوم التالي.
كأني بها لا تغير قميص النوم أبدا و كأني بها لا تغير وضعيتها في النوم حتى أن فنجان قهوتها من نمط واحد. كانت هذه جملة ملاحظات سجلتها في ذاكرتي لأسالها عنها عندما أزورها. لكنني في الحقيقة كنت أعد نفسي بزيارتها في المساء و أجبن فأؤجل الزيارة ليوم آخر.
في مساء ربيعي و عند عودتي من العمل لمحت عمال شركة نقل الأثاث تقف أمام بناء فتاة الغرفة المضاءة. اقتربت بدافع الفضول لعلي أعرف رقم شقتها، استغرب العمال سؤالي و ارتسمت على ملامحهم دهشة ممزوجة بالرعب. قال أحدهم: هذا البناء فارغ منذ مدة طويلة بعد أن عثر مالكه على جثة إحدى المستأجرات وقد توفيت منذ ثمانية أشهر على الأقل، كانت ممددة على سريرها و لم يتبق منها سوى هيكل عظمي داخل قميص نومها و شعرها الأسود الطويل على الوسادة. منذ ذلك التاريخ فرغ البناء و اعتقد الجميع أن لعنة ما حلت بالمكان.
لا يوجد أحد في البناء إذن؟ أقفلت ستائري بحرص شديد في الليل غير أني في الصباح وجدت نفسي مسلوب الإرادة متوجها إلى نافذتي لأتابع مهمتي اليومية. كانت هناك , على سريرها في قميصها الموشى بالدانتيل و فنجان قهوة فارغ على الكوميدينو. اقتربت بالمنظار نحو وجهها فغمزت لي!