رحلت ...ولكن ذكراك طيبة حيّة لن تموت ...
رحمك الله أبي
عَزّ الوَفاءُ


في التاسع من تشرين الثاني من كل عام ترجع بي ذاكرتي الى رحيل إنسان كان نموذجاً في العطاء،إنسان أمضى حياته يواكب كل جديد في الهندسة؛ ليكون على قدر المسؤليات التي تناط به، وكانت كلمته التي يرددها (لاتقل لا أعرف، لا تقل مستحيل) بل ابحث واسأل واجتهد .
وكان رحمه الله يتنقل بين المناصب العلمية والإدارية بجدارة قل نظيرها ؛
وكان كلما علت مرتبته إزداد تواضعاً ، وكان يُعْرِض عن المناصب رغم أنه كان واثق بنفسه وصاحب قرار، ومع ذلك لم ترحمه مكائد السُرَّاق اللذين غلَّق الفقيد في وجوهم الأبواب.
ولعل مكاتب محافظة مدينة دمشق ما زالت تذكر بأن عملاقاً كان يسكنها أكثر من بيته؛ وأن هزالة الراتب لم تكن تثنيه عن الإخلاص والسهر على المصلحة العامة .
وكان يعمل في المساء لدى مكاتب هندسية خاصة ليسد عجز الراتب الهزيل ، والأعجب من ذلك أنه رغم عناء العمل الاضافي؛ كان يحتسب بناء بيوت الله ؛ رغم أن القائمين عليها كانوا يعرضون عليه المال لقاء جهده؛ وكان يرفض ويصرُّ على أن يبقى ذلك بينه وبين ربه ...


إنه المهندس "خليل عياش" صديق والدي رحمهما الله ، كنت أعرفه عن بعد وشاء الله أن يقوم بالدراسة الإنشائية لمشروع(شام سيتي سنتر) الذي قمت أنا بدراسته المعمارية، فكانت فرصة ثمينة لأعرف هذا الإنسان العظيم عن قرب ،وأتعلم منه الكثير من دروس الحياة.
خليل عياش انسان يحبه كل من عرفه وعايشه ، وقد كانت جنازته خير شاهد على محبة الناس له .
ومن حسن الطالع أن لا تتبنى جهة رسمية أو نقابية مراسم التشيع ؛ حتى تسير الأمور بعفوية المحبين اللذين ضاق بهم جامع زين العابدين- على اتساع مساحته- ولتكون أركان هذا المسجد الذي قام- رحمه الله- بدراسته والإشراف عليه آخر الشهود على صدق محبته لله، حيث أُقيمت الصلاة على روحه الطاهرة في المكان الذي أحب؛ وأبَّنه لفيف من العلماء يتقدمهم شيخ قراء بلاد الشام ..!


ونحن في زمن الجحود لانستغرب غياب من أحسن إليهم الفقيد ؛أو الجهات الرسمية التي تفانى في دفعها نحو النجاح .
لقد كان المشيعون ممن تربوا على يديه وتعلموا منه أو من عايشوه فأحبوه .
سيبقى الراحل الكبير نبراساً لمن أراد العيش الطاهر بعد أن أفتى الناس بحلِّ الرشوة وسموها بغير اسمها.


رحل خليل عياش ورحلت معه قصة طويلة تحكي عن الوفاء؛ في زمن عزَّ فيه الوفاءُ .


بِقلم:م. باسل القُضْماني