الْحَدِيثُ الْقُدُسِيُّ
بَيْنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ

هَذِه النُّصُوصُ الثَّلَاثَةُ
1
"وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى".
2

"يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".

3

"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".

أتراني إذا تناسيتُ حتى كدت أنسى أن النص الأول هو سورة الليل من القرآن الكريم، والثاني هو الحديث القدسي الصحيح المُسلميّ، والثالث هو الحديث النبوي الصحيح البُخاريّ، ثم أخليت لها في مقامي الخاص قلبي وعقلي ولساني -فلم يكن لي سواها من أنيس ولا جليس- وكررتها حتى حفظتها، ثم كررتها حتى فهمتها، ثُمتَ كررتها حتى استوعبتها؛ فوقفت على أسرار أصواتها ومقاطعها وصيغ كلمها ومعانيها وتعبيراتها وجملها وفِقَرها وفِكَرها ورسائلها- ثم تحولت عنها إلى ثلاثة غيرها، يجمع بينها ما جمع بينها، من توارد الرسائل والأطوال -ولم أخالف عن ذلك إلا مضطرا- ثمت تحولتُ عن الثلاثتَيْنِ إلى ثلاثةٍ ثالثة فرابعة فخامسة فسادسة فسابعة، إلى ما شاء الله- تسمعتُ أصوات الإسلام الثلاثة المعظَّمة المكرَّمة، قد مال بعضها إلى بعض من حيث خالفه، ومال عنه من حيث آلفه!

أَصْوَاتُ الْإِسْلَامِ الثَّلَاثَةُ
يجمع بين سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، وحديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، وحديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، أنها كلها نصوص عربية دعوية إسلامية قصيرة، في تقدير أعمال الناس:
فأما نص سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، ففَصْلان:
1) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى
2) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى
وأما نص حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، فأربعة فصول:
1) يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا
2) يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ
3) يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ
4) يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ
وأما نص حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، ففصل واحد:
1) سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ
إن صوت الإسلام في نص سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، شَدِيدٌ جَهِيرٌ مَهِيبٌ، قد عَمَّ الناس ضميره المتعظِّمُ المستقلُّ بتصنيفهم في الفصل الأول على صنفين واضحي الاختلاف: أحدهما محسن جدير بالتيسير، والآخر مسيء جدير بالتعسير- المقتدرُ في الفصل الثاني على إنذار المحسنين والمسيئين جميعا عواقب اختلافهم، واتحدت على الفتح الممدود مواقفُ أطرافه؛ فارتفعت أصوات بعض الكلمات، وغلبت أصداؤها على أصداء غيرها؛ فالتبسَت إلا على العزيز العليم أحوالُ الأتقى والأشقى، وتعلقَت به وحده أسبابُ اليسرى والعسرى!
ثم إن صوت الإسلام في نص حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، خَفِيفٌ لَطِيفٌ أَلِيفٌ، قد عَمَّ العباد ضميرُه المتقرِّبُ إليهم في الفصل الأول بتحريم الظلم وفي الفصل الرابع بتأصيل العدل، المرفِّهُ عنهم في الفصل الثاني بتأصيل فَقرهم وفي الفصل الثالث بتأصيل غناه- وتكفَّل تكرارُ عبارة "يَا عِبَادِي" عشر مرات، بتأكيد الحرص عليهم مهما اختلفت أحوالهم.
ثمتَ إن صوت الإسلام في نص حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، حَثِيثٌ نَبِيهٌ بَهِيجٌ، قد خص بعض المحسنين في فصله الواحد، بشكر إحسانهم، وألحق ذوي الإحسان العارض منهم بذوي الإحسان الثابت، تبشيرًا استهلَّ روايته بتحديد السبعة عددًا لا يمتنع أن يجري من المبالغة مجراه البليغ، فيتعلق بكل من السبعة سبعة آخرون ثم بكل من التسعة والأربعين سبعة آخرون، إلى ما شاء الله، "وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"!
نَصٌّ بَيْنَ نَصَّيْنِ
نصُّ سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، ذو الفصلين المتكاملين والإحدى والخمسين كلمة المشطورة تقريبا بينهما (1=35، 2=36)- ثماني جملٍ (1=5، 2=3):
1) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (10)
2) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (3)
3) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (8)
4) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (8)
5) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (6)
استقل هذا الفصل الأول بخمس جمل [د/س،ج ("د/س" رمز إلى الجملة الابتدائية أو الجملة الاستئنافية، و"ج" رمز إلى الجملة الجوابية أيًّا كانت)، د/س،ع ("ع" رمز إلى الجملة المعطوفة)، د/س]:
ابتدأتها الأولى القسمية لتجيبها الثانية فتستأنف عنها الثالثة التي تنعطف عليها الرابعة فتستأنف عنها الخامسة. ولقد تطابقت الجملتان المتعاطفتان عددَ كلمات مثلما تطابقتا بناءَ مكوِّنات، إمعانًا في الموازنة بين حالي المسيء والمحسن.
6) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (3)
7) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (4)
8) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى (29)
واختص هذا الفصل الثاني بثلاث جمل [د/س،ع،ع]:
استأنفتها السادسة لتنعطف عليها السابعة التي تنعطف عليها الثامنة الأخيرة الكبيرة التي لولا اشتمالها على ثلاث جمل صغيرة لتطابق بين الفصلين عددَا جملِهما وتجلى تناسقها المستمر الدال على التباس الأحوال وتعلق الأسباب.
ونصُّ حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، ذو أربعة الفصول المتكاملِ في أطرافها أولُها ورابعُها وفي أحشائها ثانيها وثالثُها، والست والخمسين والمئة الكلمة المستديرة الأعداد فيها (1=12، 2=40، 3=81، 4=23)- أربعٌ وثلاثون جملة (1=3، 2=16، 3=11، 4=4):
1) يَا عِبَادِي (2)
2) إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا (8)
3) فَلَا تَظَالَمُوا (2)
استقل هذا الفصل الأول بثلاث جمل [د/س،ج،د/س]:
ابتدأتها الأولى الندائية لتجيبها الثانية فتستأنف عنها الثالثة الطلبية التي استغنت بما سبقها عن الجواب ليشمل تقديرُه طاعةَ الحق -سبحانه، وتعالى!- والتشبهَ به جميعا معا!
4) يَا عِبَادِي (2)
5) كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ (5)
6) فَاسْتَهْدُونِي (1)
7) أَهْدِكُمْ (1)
8) يَا عِبَادِي (2)
9) كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ (5)
10) فَاسْتَطْعِمُونِي (1)
11) أُطْعِمْكُمْ (1)
12) يَا عِبَادِي (2)
13) كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ (5)
14) فَاسْتَكْسُونِي (1)
15) أَكْسُكُمْ (1)
16) يَا عِبَادِي (2)
17) إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا (8)
18) فَاسْتَغْفِرُونِي (1)
19) أَغْفِرْ لَكُمْ (2)
واختص هذا الفصل الثاني بست عشرة جملة [د/س،ج،د/س،ج، د/س،ج،د/س،ج، د/س،ج،د/س،ج، د/س،ج،د/س،ج]:
استأنفتها الرابعة الندائية لتجيبها الخامسة فتستأنف عنها السادسة الطلبية التي تجيبها السابعة فتستأنف عنها الثامنة الندائية لتجيبها التاسعة فتستأنف عنها العاشرة الطلبية التي تجيبها الحادية عشرة فتستأنف عنها الثانية عشرة الندائية لتجيبها الثالثة عشرة فتستأنف عنها الرابعة عشرة الطلبية التي تجيبها الخامسة عشرة فتستأنف عنها السادسة عشرة الندائية لتجيبها السابعة عشرة فتستأنف عنها الثامنة عشرة الطلبية لتجيبها التاسعة عشرة.
على وتيرة واحدة توالت هذه الجمل مُرَبَّعَةً غيرَ خالية من جواب ما يحتاج إلى جواب -وإن أمكنها الاستغناء عن ذكره- إمعانًا في توثيق العباد بحرص ربهم على الترفيه عنهم، وتأخرت مربعةُ الخطأ عن مربعات الضلال والجوع والعري، من حيث ينبغي للساعي أن يهتدي إلى غايته ليسعى إليها، وفي أثناء السعي يكون الخطأ.
20) يَا عِبَادِي (2)
21) إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي (9)
22) يَا عِبَادِي (2)
23) لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ (13)
24) مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا (6)
25) يَا عِبَادِي (2)
26) لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ (12)
27) مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا (6)
28) يَا عِبَادِي (2)
29) لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ (15)
30) مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ (12)
واختص هذا الفصل الثالث بإحدى عشرة جملة [د/س،ج، د/س،ج،ج، د/س،ج،ج، د/س،ج،ج]:
استأنفتها العشرون الندائية لتجيبها الحادية والعشرون فتستأنف عنها الثانية والعشرون الندائية لتجيبها الثالثة والعشرون الشرطية التي تجيبها الرابعة والعشرون فتستأنف عنها الخامسة والعشرون الندائية لتجيبها السادسة والعشرون الشرطية التي تجيبها السابعة والعشرون فتستأنف عنها الثامنة والعشرون الندائية لتجيبها التاسعة والعشرون الشرطية التي تجيبها الثلاثون.
ولولا الجملتان الأوليان لاستقامت مُثَلَّثَةً على وتيرة واحدة كذلك هذه الجملُ، ولكنهما كانتا تمهيدا عاما تفرعت عنه مثلثاتُ التقى فالفجور فالسؤال، إمعانًا في الدلالة على غنى رب العباد -سبحانه، وتعالى!- وعلى شمول تلقي السؤال وجوابه للفاجر مع التقي!
31) يَا عِبَادِي (2)
32) إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا (8)
33) فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ (5)
34) وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ (8)
واختص هذا الفصل الرابع بأربع جمل [د/س،ج،د/س،ع]:
استأنفتها الحادية والثلاثون الندائية لتجيبها الثانية والثلاثون فتستأنف عنها الثالثة والثلاثون التي تنعطف عليها الرابعة والثلاثون. ولولا ضرورة الاستقلال النحوي لدخلت الرابعة والثلاثون في الثالثة والثلاثين وارتد الفصل الرابع عَجُزًا على الفصل الأول صَدْرًا، في مقام التعبير عن ائتلاف أصالة العدل وتحريم الظلم.
ونصُّ حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، ذو الفصل الواحد والثماني والخمسين كلمة- تسعُ جملٍ [د/س،ض،د/س،ع،ع،ع،ع،ع،ع]:
1) سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ (10)
2) تَعَالَى (المعترضة في خلال الجملة الأولى) (1)
3) إِمَامٌ عَدْلٌ (2)
4) وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ (5)
5) وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ (5)
6) وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ (8)
7) وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ (10)
8) وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ (11)
9) وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ (6)
ابتدأتها الأولى التقريرية التي اعترضتها الثانية التنزيهية لتستأنف عنها الثالثة التفرُّعية فتنعطف عليها ست الجمل الباقيات. وعلى رغم ما تَعَلَّقَ بتفرُّع هذه الجمل السبع كلها عن تلك الجملة الأولى من تشابهها، أعرض قائلها -صلى الله عليه، وسلم!- عن تغليب هذا التشابه، على حين حرص عليه في نصِّ حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، وكأنه مِلاك توصيل المراد من غير إخلال، شأنَ كل عبارة موفَّقة يتمسك بنمطها المستأمَنُ على رسالتها!
إننا إذا اتخذنا الجملة الابتدائية -ومثلها الجملة الاستئنافية- منطلقًا إلى كشف حركة الجمل في النصوص الثلاثة، واجتزأنا برموزها التجريدية- تجلت لنا في متوالياتها الأنماطُ الآتية:
· نصُّ سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة:
1 الفصل الأول:
- د/س،ج
- د/س،ع
- د/س
2 الفصل الثاني:
- د/س،ع،ع
· نصُّ حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ:
1 الفصل الأول:
- د/س،ج
- د/س
2 الفصل الثاني:
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
3 الفصل الثالث:
- د/س،ج
- د/س،ج،ج
- د/س،ج،ج
- د/س،ج،ج
4 الفصل الرابع:
- د/س،ج
- د/س،ع
· نصُّ حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ:
1 الفصل الواحد:
- د/س،ض
- د/س،ع،ع،ع،ع،ع،ع
إن في هذا التجريد البياني ما يُجلّي بعض ما انبنت عليه التحليلات السابقة من أُسُس، وأهم من ذلك هنا أنه ينبه على انفراد نصِّ حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، بنمطيه الجُمليّين، واجتماع نصَّيْ سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة وحديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، على ما تحرك فيهما من أنماط مشتركة.
إن الجملة القسمية التي استفتح بها النص الأول (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)، مثل الجملة التنزيهية التي اعترضت الجملة التي استفتح بها النص الثالث (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ -تَعَالَى!- فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)، كلتاهما شديدة الاختصاص بنصها، فأما الجملة الندائية التي استفتح بها النص الثاني وغلبت عليه (يَا عِبَادِي)، فإنها أَعْلَقُ في نفسها بالنص الأول وفي تكرارها بالنص الثالث!
ثم إن متوسط طول الجملة في نصِّ سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، 8.87- وفي نصِّ حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، 4.58- وفي نصِّ حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، 6.44، ولا عجب؛ فإن مقامي كلا النصين الأول والثالث إنما هو على طَرَفَيْنِ، يَتَوَسَّطُهُما مقام الثاني؛ فمن ثَمَّ كان فيه من كل منهما ما يجذبه إليه!