أبو حنيفة
التنوير في مواجهة التكفير
أبو حنيفة 80-150 هجرية

إنه إمام التنويريين والمجددين، وهو أول من طرح بشكل مباشر أزمة العقل والنقل، واختار دون تردد الاستحسان، والاستحسان هو الأخذ بالعقل وتأويل النقل في مصلحة الناس، أو هو ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس، أو هو ترك حكم النص لدليل ينقدح في عقل المجتهد يعسر التعبير عنه.........

كان أبو حنيفة يصر على تغير الأحكام بتغير الأزمان، وأن النصوص محكومة بظروفها، وفي نهاية جدل طويل قال أبو حنيفة بصراحة: لو كان رسول الله حياً لقال مثل قولي!!، وقد نقلها ابن عدي الجرجاني بعبارة أشد جراءة: لو أدركني رسول الله وأدركته لاخد بكثير من قولي وهل الدين إلا بالرأي الحسن!!.
أما خصومه فقد نقلوها عنه بصيغة كاذبة: لو كان رسول الله حياً ما وسعه إلا اتباعي!!

كانت هذه الخيارات الجريئة صادمة في مطلع القرن الثاني الهجري، وقد صنف الإمام الشافعي كتاباً ضافياً في الرد عليه وسماه إبطال الاستحسان، وقال فيه: من استحسن فقد شرع، والاستحسان إلغاء الدين والحكم بالهوى.

وتعرض الإمام أبو حنيفة لأشرس هجمة تكفيرية على شخصه الكريم، وتم تكفيره وتفسيقه ورميه بالزندقة والكيد للدين....

النصوص التي ننقلها هنا مأخوذة من ستة كتب أساسية في علوم الرجال سنذكرها تفصيلاً، وهي صادمة بكل تأكيد، ولكننا نرويها هنا ليعلم الناس أن رجال التنوير والتجديد دفعوا أثماناً غالية وهم يقتحمون رسالتهم في الإصلاح الديني، وأن الناس تحارب دون وعي من يدعو إلى حكم العقل، وتجاوز ظاهر النقل.

أول الكتب التي ننقل عنها كتاب الإمام البخاري الضعفاء:

قال الإمام البخاري: عن سفيان الثوري أن أبا حنيفة استتيب من الكفر مرتين!!

قال الإمام البخاري: عن الفزاري قال: لما نعي أبو حنيفة كنا عند سفيان الثوري فقال الحمد لله وسجد لله وقال: لقد كان ينقض عرى الإسلام عروة عروة!!.

قال الإمام البخاري : قال سفيان الثوري: ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة.!!

قال الإمام البخاري: قال محمد بن مسلمة دخل فقه أبي حنيفة البلدان كلها إلا المدينة لأن رسول الله قال: لا يدخلها الدجال، وهو دجال من الدجاجلة!!

(تم نقل هذه الاقتباسات من كتاب الإمام البخاري الضعفاء ج 1 ص 132 وما بعدها)

قال الامام ابن حبان: ما ولد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة!! (من كتابه المجروحين ج 3 ص 66)



وننقل عن الإمام ابن عدي في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال: قال المقري لا ترووا عن أبي حنيفة فقد كان مرجئياً يدعو إلى الإرجاء... والإرجاء هو وصف من يمتنع عن تكفير الناس ويقبل صالح أعمالهم!!.



وعن الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد: عن أيوب السختياني وقد سئل عن أبي حنيفة فقال: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم!! وكان في أصحابه في الحرم فدخل أبو حنيفة فقال ايوب قوموا بنا!! لا يعرنا جربه!!



تاريخ بغداد قال الأوزاعي مرات كثيرة: عمد أبو حنيفة إلى عرى الإسلام فنقضها عروة عروة!!



والنصوص التالية أيضاً من تاريخ بغداد:

عن ابن عون قال: إن فيكم صدادين يصدون الناس عن دين الله وأبو حنيفة يصد الناس عن دين الله!!

وعن الوليد بن مسلم قال: قال لي مالك بن أنس: أيتكلم برأي أبي حنيفة عندكم؟ قلت: نعم، قال: ما ينبغي لبلدكم أن تسكن.!!

قال الإمام مالك بن أنس: إن أبا حنيفة كاد الدين كاد الدين، ومن كاد الدين فلا دين له، وقال: إن أبا حنيفة هو الداء العضال هو الهلاك في الدين!!

قال عبد الله بن المبارك: من نظر في كتاب الحيل لأبي حنيفة أحل ما حرم الله، وحرم ما أحل الله، ومن كان عنده كتاب الحيل فقد بطل حجه وطلقت منه امرأته!! وقال له قائل: إن كتاب الحيل من وحي الشيطان، فقال بل هو شر من الشيطان!!

(تم نقل هذه الأقوال اقتباساً من كتاب الخطيب البغدادي تاريخ بغداد ج4 ص 17 وما بعدها)

ومن كلام الإمام أحمد بن حنبل عن سفيان بن عيينة قال: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين!! (موسوعة أقوال الإمام أحمد للنوري ج 4 ص 17)

بالطبع لم نقصد إلى حصر كل ما ورد في الروايات، ولم نقصد بالطبع إلى تأييدها، بل إنني أعتبره من أروع أئمة الهدى في الإسلام، ولكنني أجد فيه بعض العزاء حين أسمع ألسنة حداداً تقع في كل من ينادي بالتنوير والتجديد واحترام العقل وإخاء الأديان وكرامة الإنسان.



وبعد دراسة عميقة أجزم أن موقف الإمام أبي حنيفة يقوم على عدة أمور أساسية:

- النص نور يهدي وليس قيداً يرشد، ويمكن للأمة تأويله وتخصيصه وتقييده ونسخه إذا تأكدت في ذلك مصالح الناس

- النص من كتاب أو سنة هو خطاب لأهله، فإذا مات رسول الله وتوقف الوحي صار قياساً في من بعده، فالمواجهة في ظاهرها عند أبي حنيفة مع القياس وليست مع النص.

- إن أهل الأديان على اختلاف مللهم ونحلهم متروك أمرهم إلى الله، وإن علينا الإرجاء فلا نحكم لهم بمآل في الآخرة، والله يفصل بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون

- الأستحسان تسعة اعشار العلم وهو تقديم العقل على النقل، وترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس.



بالطبع سيقول بعض الأصدقاء إن أبا حنيفة لم يرد هذا وسيتأولون له استحسانه على أنه لون من القياس، وقناعتي أن هذا تلبيس معاند للحقيقة، ولو كان ذلك كذلك لما أنكر عليه الأئمة وعلى رأسهم الشافعي الذي هو أولى الناس بمعرفة مقامه وعلمه.



ولا بد في النهاية من تحفظين اثنين:

- الأول : إن كثيراً من هذه الاتهامات العنيفة كانت بمكر من السياسيين الذين اصطدم بهم أبو حنيفة حيث دخل السجن مرتين أيام هشام بن عبد الملك وأيام أبي جعفر المنصور.

- الثاني: إن كل هذه الاتهامات العنيفة لم تكن إلا عنف كلام وألفاظ، ولم يتعرض أبو حنيفة لأي عنف من مخالفيه وإنما تعرض لذلك من الاستبداد السياسي فقط.

على كل حال، لقد ذويت هذه العبارات وانحسرت إلى كتب أهل التعصب والتطرف، واستقر اسم هذا الإمام المجدد في تاريخ العالم الإسلامي باسم واحد شهير: وهو الإمام الأعظم!