إن المصائب عندما تكبر يعجز الفكر عن تصورها وتصويرها . . .
هذه صور لبيوت قديمة هجرها اليوم أصحابها أو ورثة أصحابها لا لشيء وإنما لعدم قدرتهم النفسية على العيش فيها .
إحدى هذه الصور هي لبيت جدي القديم من آل ( السادات ) في منطقة باب توما ـــ القيمرية .
كم كنا نجتمع في هذا البيت في كل مناسبة وفي كل عيد . . .
كم كنا نستمع إلى صوت قرع قباقيب الرجال وصوت ضحكات الأطفال وصياح النساء وتراشقهن بماء البركة . . . ما كان أجملها من موسيقى عذبة.
اليوم نجتمع أمام الموبايل لنستمع إلى ما يقدمه لنا من أغانٍ تصمُّ الأذن وتؤذي النفس وتخدش الحياء . . .
اليوم تفرقنا الأهواء وتشتتنا الأوهام . . .
رحم الله أيام الألفة الممتعة والود الصافي .
رحم الله أياماً كنا نتراكض فيها في الحارة ونتسابق لنصل إلى بائع الليمونادة الجامدة غير المغشوشة .
لم تعد هذه البيوت تصلح لنا لأننا لا نستطيع أن نسكنها إلا بجو من الألفة كبير .
هذه البيوت لم تعد تصلح بعد اليوم إلا لسواح ينزلون بها كفنادق لأن السواح لا يتشاجرون إلا نادراً أو لجائعين يزورونها كزبائن للمطاعم . . لأن الزبائن أيضاً لا يتشاجرون إلا نادراً ، لذلك فقد تحول معظم هذه البيوت إلى مطاعم أو متاحف بعد أن هجرها أهلها .
انظروا إلى هذه البحرة التي ( كانت ) يوما ما دفَّاقة . . . كيف هجرها الماء بعد أن هجرها أهلها .
كم لعبنا على أطرافها صغاراً .
آهٍ . . . آه .
لقد تفرق الشملُ المجتمع . . . وخلا المكانً المزدحم ؛ وبقيتَ وحدَكَ بعدهم تعيش في الماضي على قِصَرِه أكثر مما تعيش في الحاضر على طوله .
رحم الله أيام الألفة والمحبة والودّ الصافي .