من أجمل ما قيل في الهجرة النبوية...

هاجر…. والهجرة درس حياة…
لقد سماها الرسول هجرة ولم يقل إنها نزوح ولا لجوء…

#النزوح قهر وعذاب، و #اللجوء كره واضطرار، ولكن #الهجرة خيار آخر...

إنها مشروع حياة جديد تختاره عن بصيرة ويقين وترسم شكله ودربه وبرنامجه بيديك بعد رضا وتأمل تتسامى فيه فوق القهر وفوق الجبر.

ولذلك فإنه لم يعتبر مهاجره في #المدينة قاعة انتظار كئيبة ينتظر فيها الإياب، لقد كانت بالنسبة له مشروع حياة جديد، وكان يقول للأنصار المحيا محياكم والممات مماتكم يا معاشر الأنصار.

لم يسكن في المدينة الخيام والملاجئ، وإنما بنى البيوت والمساجد،،،

وأسكن الوافدين الجدد من العزاب في صفة المسجد ....

وأسس بنفسه أكثر الشركات التضامنية نجاحاً بين خبرات الأنصار وزنود المهاجرين، حتى صار سوق المدينة مورد المال وأعمال تؤسس لعاصمة اقتصادية حقيقية في جزيرة العرب.

لم يبحث عن هيئات الإغاثة يتمول إحسانها ورحمتها، وإنما اشترى بنفسه شباك الصيد وفؤوس الحطابين ومناجل الأرض، وشاركهم زراعتهم وحصادهم وسنابلهم وطحينهم، وغرس بيده وسقى بيده وحصد بمنجله، وحين أنكر عليهم تأبير النخل وأدرك أنه كان على خطأ وقف بكل شجاعة وقال: أنتم أعلم بأمور دنياكم.

لم يتاجر بمأساته، لقد قام بنفسه يطارد ما سرقوه من ماله ومال أصحابه، وكان يتابع بوعي وبصيرة أين يتحرك المال الذي سرقوه وحين تأكدت أخباره سار بجيش كبير من أصحابه إلى قافلة #قريش يسترد ما سرقوه بسيفه الحازم وحقه الظاهر ويمينه المتينة.

لقد عاش في المدينة وعاشت فيه، وهو من علم الناس أن العمل في الغربة وطن، وأن الكسل في الوطن غربة، وأن الأرض أرض الله، والرزق رزق الله، والكل عباد الله، وما لأرض على أرض فضل ولا مزية إلا بما يقوم فيها من دين الله وعدل وعلم ...

كان قلبه يتفطر شوقاً إلى #مكة ولكنه لم يجعلها كعبة الأحزان ومذرف الأشجان، لقد سماها البلد الحرام، ولكنه عرف كيف ينقل أروع ما فيها إلى المدينة الجديدة وسماها أيضا طيبة البلد الحرام، وقال بشجاعة صلوات الله وسلامه عليه: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها ومدها ... !!

لم يرد في التاريخ مصطلح (مدينة يثرب) فليس في جزيرة العرب مدينة أخرى تحتاج أن تميزها من المدينة الأولى، وحتى اليوم فإن استخدام مصطلح المدينة في أي بلد إسلامي كشعار تجاري أو صناعي أو سياحي لا يزال يحمل أول ما يحمل من دلالة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد رسم فيها مشروع مدينة ناهضة...

وحتى حين فتحت مكة المكرمة بكل ما تشتمل عليه من حمولة إيديولوجية وما ترمز إليه من مركزية دينية وقبائلية وسياسية، وبكل ما فيه من ذكريات طفولته وكفاح أجداده من قصي إلى عبد المطلب فإنه لم يشأ أن يعود إليها في مشروعه المدني الذي تأسس في طيبة ...

وحين راودت هذه المخاوف الرجال الذين عملوا معه بإخلاص لبناء المدينة، وقال بعضهم لبعض ها قد فتحت مكة ولعل الرسول يفارقنا ويعود إلى أرض آبائه وأجداده قال لهم بصفاء وطهر: المحيا محياكم والممات مماتكم ...
وقال : لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.

فهو على عكس كل التوقعات فقد أنجز الفتح العظيم ثم عاد أدراجه إلى المدينة !!!

الأرض لم تكن بالنسبة له شراداً وتيهاً، لقد كانت آفاق خصب وعطاء،

هو الذي علم الناس مثل المؤمن كمثل الغيث أينما وقع نفع صلوات الله وسلامه عليه.