*تحـية للقاضيـة اللبنانية جوسلين متى*
حكمت قاضية لبنانية في مدينة طرابلس على ثلاثة شبان مسلمين دخلوا كنيسة ، في قضاء عكار قرب طرابلس ، وأساؤوا لصورة السيدة مريم العذراء بعقوبة غريبة من نوعها لم يشهدها القضاء اللبناني من قبل ، فبدلاً من الزج بهم في السجن بتهمة ازدراء الدين، ألزمتهم بحفظ آيات من القرآن واردة برابع أطول سورة في القرآن ، هي "آل عمران" المكونة من 200 آية، وحفظا عن ظهر قلب ، بدلا من عقوبة السجن التي تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات .
وتلقى المجتمع اللبناني القرار بكثير من الترحيب، على المستويين السياسي والشعبي ، في حين دعت السيدة محاسن هدارة لتكريم القاضية، وقالت: "لم أعايش مسلماً مسؤولاً كرم إسلامنا كما كرمته القاضية جوسلين متى".
وقال المحامي السوري ميشيل شماس في منشور شاركه على "فيسبوك" : أن الفرق كبير ما بين القضاة السجانين والقضاة المربين، وهناك فرق كبير بين قضاء هدفه الإصلاح وآخر هدفه السجن والانتقام .
أضاف: "وقديماً قال أرسطو أعطني قضاة جيدين وقانوناً سيئاً خير ألف مرة من أن تعطيني قانوناً جيداً وقضاة سيئين".
ولاقى هذا الحكم إشادة كبيرة من قبل اللبنانيين، كما أثنت عليه شخصيات عدة سياسية بارزة، من بينها رئيس الوزراء اللبناني الحالي سعد الحريري، الذي وصفه على حسابه الرسمي في "تويتر" بـــ "قمة في العدالة وتعليم المفاهيم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين" ، وأثنى على الحكم رئيس الوزراء اللبناني السابق، نجيب ميقاتي ، وقال رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام القاضي الشيخ خلدون عريمط: "أن الحكم بحفظ آيات قرآنية يثبت مكانة السيدة مريم والسيد المسيح في الإسلام، ويظهر لغير المسلمين عقيدتنا الحقيقية التي تبشر ولا تنفر، وفي ترسيخ العيش المشترك لا سيما أن لبنان متنوع بمذاهبه وطوائفه" ، وأثنى مطران صيدا ودير القمر للموارنة مارون العمار ،على الحكم .
ولم تعلق القاضية جوسلين متى على القضية ، حيث أنه مبدئيا غير مصرح للقضاة في لبنان بالتعليق على أحكامهم في الإعلام .
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر ، فإن فارس الخوري كان أول ممثل دائم لسوريا في الأمم المتحدة ، والمدافع الشرس فيها عن استقلال سوريا عن فرنسا ، وحادثة جلوسه الشهيرة مكان المندوب الفرنسي الذي استشاط غيظا منه حتى رد عليه ذلك الرد التاريخي : " إنك لم تتحمل ان اجلس على طاولتك لنصف ساعة ،كيف تقبل ان تجلس جيوشك في بلدنا مايزيد عن خمس وعشرين عاماً ".
و يوم أبلغه الجنرال غورو أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية مسيحيي الشرق، فما كان منه إلا أن قصد الجامع الأموي في يوم جمعة وصعد إلى منبره, وقال: " إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله".
فأقبل عليه مصلو الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة في مشهد وطني تذكرته دمشق طويلا، وخرج أهالي دمشق المسيحيون يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون: " لا إله إلا الله".
وفارس الخوري هو مؤسس معهد الحقوق العربي ،وساهم في تأسيس المجمع العلمي العربي ، لكن الأغرب في مسيرته أنه تسلم مهمة وزير الأوقاف الإسلامية ،حيث دافع عنه النائب عبد الحميد الطبّاع آنذاك قائلاً : "إننا نؤمن بك على أوقافـــنا ،أكثر مما نؤمن أنفسنا " .
رحم الله فارس الخوري ، كان الرمز السوري المضيء ، وأنموذج للإنسان المسؤول ، وتحية تقدير وثنــاء للقاضية جوسلين متى .
أحمد الدواس جريدة السياسة الجمعة 16 أغسطس 2019