في مهجع
جزء من حياة موازية
ريم بدر الدين بزال
أشعر بالاستياء البالغ فبالرغم من الطريق الطويل الذي قطعته للوصول إلى هذا المكان ، خصصوا لي سريراً ضيقاً صدئاً في مهجع كبير مع عدد من النزلاء. أحد هؤلاء النزلاء كان جثة حقيقية. لا أقصد إنساناً حياً يشبه الجثة، كانت جثة فعلية غادرتها الحياة منذ فترة طويلة.
أشحت ببصري عنها بينما كانت أسئلة صعبة تدور في رأسي: كيف سأنام و في الغرفة جثة؟ هل أحضروها من غابة الانتحار؟ و هل يتوجب علينا أن ننام معها لئلا نغضب الأرواح؟ من هؤلاء الآخرين الذين يشاركونني المكان؟ من يعتني بنظافة المكان مع أنني لم أر سوى النزلاء؟ كل شيء في المهجع يشي بنظافة فائقة و كل نزيل مشغول بنفسه.
ثمة امرأة ترتدي ملابس زهرية اللون من رأسها و حتى قدميها، تتحرك كروبوت : تضع أصابعها على رأسها تتلمس العصابة الزهرية، تنزل إلى رقبتها و تتلمس الاشارب الزهري المعقود بأناقة، تلتف يمنة و يسرة ثم تعود للتأكد من موضع الحزام الزهري، تمد قدمها للأمام و تطمئن على حذاءها الزهري . تبتسم لنفسها في إعجاب بعد أن أنهت مهمتها التفتيشية ثم تعود بعد قليل و تكرر ما فعلته سابقا.
ثمة مسن عند النافذة يقرأ في قصة الحضارةو يراقب ما يدور في نفس الوقت تنتقل عيناه بسرعة مذهلة من وراء زجاج النظارة إلى ما فوقها ليراقب العالم دون فلتر. أضحك من تصرفه المنطقي فما دار في قصة الحضارة يحتاج إلى فلتر و ما يحدث أمامنا في هذا العالم يجب أن نراه كما هو مجرداً دون رتوش، دون تكبير أو تصغير. هل كان ديورانت ليتوقف عن كتابة مؤلفه الضخم لو أنه أمضى ليلة في هذا المكان؟
شعرت أن هواء المهجع يطبق على أنفاسي و أن الجثة ستمد يدها لتقتلع حنجرتي و قصبتي الهوائية و رئتي. خرجت من المهجع لأتأكد أنني مازلت على قيد الحياة.
ثمة أبواب خشبية من طراز ( خوخة) باب داخل الباب، واحد لخروج و دخول الأجسام الضخمة و الآخر بعلو إنسان. تشبه ذلك التكنيك المسرحي، مسرحية داخل مسرحية. مكان جميل على نحو غامض و مبهم لا أستطيع تحديده، أمام الباب أحواض حجرية فيها خضرة قديمة ، قديمة حتى بدايات التعفن.
- يمكنك أن تغادري هذا المكان، امشي في هذا الدرب
- سأمشي
بلغت سلماً يرتقي إلى أعلى، علوٍ غير منظور بالنسبة لي.
- عليكِ أن تتسلقي
- سأتسلق
- بلوغ نهاية السلم له ثمن باهظ
- سأدفع
- سنرى
الدرجة الأولى تسلقتها، الثانية أعلى بمقدار الضعف، تسلقتها، الثالثة أصبحت أعلى، كأنها متوالية هندسية، حاولت ، فشلت.
- لن تقدري على الثمن، عودي أدراجك.
عدت إلى المكان حيث يجلس النزلاء الذين رأيتهم من قبل بصحبة نزلاء بدوا لي أنهم جدد، كانوا يشربون الشاي بتلذذ أمام الباب الخشبي العتيق و قرب النباتات ذات الخضرة الذاهبة نحو التعفن.
في المهجع جثة حقيقية، و مسن يقرأ كتاب قصة الحضارة ، وامرأة ترتدي ملابس زهرية اللون من رأسها و حتى قدميها، تتحرك كروبوت : تضع أصابعها على رأسها تتلمس العصابة الزهرية، تنزل إلى رقبتها و تتلمس الاشارب الزهري المعقود بأناقة، تلتف يمنة و يسرة ثم تعود للتأكد من موضع الحزام الزهري، تمد قدمها للأمام و تطمئن على حذاءها الزهري . تبتسم لنفسها في إعجاب بعد أن أنهت مهمتها التفتيشية ثم تعود بعد قليل لتكرر ما فعلته سابقا...