الحوامض عنصر رئيسي في الأكلات الشامية...
هشام الخاني

عندما أوصتني في الصباح أكدت على ضرورة كون اللبن حامضا كي تأخذ أكلة (الشيش برك) الطعم على أصوله. وكباقي رجال الشام المطيعين أذعنت ونفذت الأمر بالحذافير. وما إن هممت بدفع قيمة اللبن حتى رن جرس الهاتف، فورد صوتها الكريم يقول: "لا تنسى الكزبرة يا هشام". فعدت أدراجي وأحضرت باقة الكزبرة ذات العروق اللامعة الهليونية المترنحة والرائحة الزكية.

بعد تأمين الأغراض إلى البيت، جلست لفترة في غرفتي. ودونما شعور دفعتني رائحة الكزبرة الخضراء عفويا إلى المطبخ، فوجدت (أم المؤمنين) قد قطعت شوطا تصف قبعات العجين الأبيض بسلاسة الواحدة بجوار أختها، وكل منها قد امتلأت باللحم الناعم مع الكزبرة. فاحتدمت الشهية في المعدة واللسان، وجعلت أمني نفسي بالأكلة اللذيذة.

الحاصل... انتهت الطبخة قبيل نفاذ الصبر بقليل، ولدى تحلقنا على المائدة شرفنا الوعاء الزجاجي المقعر الكبير تسبح فيه قبعات العجين الناضج، والألسنة تتلمظ دون مجال لأحد أن يخفي تلمظه. أما سطح الوعاء فقد كان مزينا بدوائر صغيرة من الكزبرة الممتزحة بالثوم المحمص كل منها تسبح بدورها في بحرة صغيرة من السمن المحمى الذي اكتسب اللون الأخضر فوق اللبن متكررة على كامل إطار الوعاء.

ولما كان الوعاء نفسه قد وضع على النار قليلا كي تقدم الوجبة ساخنة، كان من غير الممكن أن يفوت الرائي منظر فقاعات اللبن الحامض المتماسك تعلو الوعاء. أما الطعم الأصيل فلا تسل عنه، خاصة عندما يتسبب اللبن الحامض في تشكل اللسان مقعرا لاستقباله ساخنا. وياللعجين الرائع وقد نضج، واللحم الناعم ممتزجا بذرات الكزبرة الدقيقة قد ملأ جوف كل قبعة من العجين. أما نسبة اللبن إلى العجين فقد كانت كبيرة متناسبة مع حجم الوعاء. وما لبث الهجوم على الاكل أن تم دونما إبطاء، وكل قد نسي نفسه ومن حوله.
....