اشتغلت من قبل بطول القصيدة من قديم إلى حديث، فكتبت عن قطع قديمة، ثم المعلقات، ثم ذات الأمثال، ثم المقاصير، ثم تائية ابن الفارض، ثم مطولات البهلاني، ثم إلياذة محرم، ثم سيمفونية الكتاب، ثم أشعة النجفي، ثم مثلثات بخيت- ما لا يمتنع معه فهم أنني أنبه على أن حركة القصيدة إنما كانت من القصر إلى الطول فالقصر، حركة دائرية عادت إلى حيث بدأت.
وفي ذلك عند بعض طلاب علم الشعر نظر؛ إذ يدعون أن الطول هو الغالب على القصيدة الحديثة لا القصر، وأن القصيدة القصيرة الآن قدامية بالية زائفة متكلفة مدعاة زائدة لا أثر لها ولا حاجة إليها، وأنها إذا ذُكرت في الشعر الحديث فإنما تُذكر لتُحذف!
إن كلا الفريقين مفتقران أولا إلى تحديد متوسط طول القصيدة على وجه العموم، ليحتكما إليه في التصنيف، بحيث إذا نقصت عنه القصيدة كانت قصيرة وإذا زادت عليه كانت طويلة وإذا ساوته كانت وسيطة، ولا سبيل إليه بعدّ الأبيات؛ إذ منها التام والوافي والمجزوء والمشطور والمنهوك والموحَّد، وأولُها في مثل ثمانية أمثال آخرها أو سِتَّتِهِ، فإذا كانت القصائد غير عمودية كان العَدّ أبعد!
إن أقرب السبل إلى تحديد المتوسط، عد الكلم الكتابية -والكلمة الكتابية هي المحفوفة من حولها بالمسافات الفارغة، المعتبرة في عدّاد الحاسوب- فليت صناع برامج الموسوعات الشعرية انتبهوا لذلك مثلما انتبهوا لعد الأبيات، إذن لقسمنا كلم القصائد على عددها، فخرج لنا متوسط طول القصيدة، وزال الإشكال!
إنني -وإن توقَّفتُ بما سبق في القطع بغلبة القصيدة القصيرة- أستطيع أن أنبه على ظاهرة النص القصير التي اتسع لها الأدب المعاصر، وأصطفي من مظاهرها فيما يأتي ما يوضحها ويؤكدها.



--