حَبَنْظَلْ بَظاظاْ...الفصلُ الخامس.

غُرفةُ نومٍ كبيرةٌ وحمِيمِيةٌ، مفروشَةٌ بالطنافس والديباجِ والحرير.
يوسطها سريرٌ كبير، ناعمٌ معطر، دافئٌ وَثير.
جلست عليهِ امرأةٌ جميلةٌ جدّاً، ترتدي زياً فاضحاً جدّاً.

أيُّها السّادَةُ...أُقدِّمُ لكم نفسي وبكلِ فخرٍ، أنا عسلُ الْتِين.
أنا الَّتي لقَّبَني الجميع، بالأفعى تحت الْطِين.
وكم أعجبَني هذا اللقَب، ولم أجدهُ مُعِيباً أو مُشين.
فأنا أُحِبُّ الحيّات، وأوُدُّ الأفاعي، وأعشقُ الثعابين.
يكفي أنها لا تُصدرُ ضجيجاً يثيرُ الأعصاب، وتعملُ في هدوء.
تزحفُ بهدوء، تقتربُ بهدوء، وتفتحُ فمَها بهدوء، وتقتُلُ بهدوء.
وبرودتُها تُثيرُني جدّاً، وأجسادُها الناعمةُ الرطِبة.
فقد سأِمتُ احتضانَ أجسادَ الرِّجالِ الخشنةَ الملتهبة.
لابُدَّ أنَّكم تتساءلون أيُّها السّادَةُ لِمَ أنا أُحدِّثُكُم اليوم.
ولا بُد أنكم تستنكرونَ وُقوفي أمامَكم بملابِسِ النوم.
لَكنهُ لِباسُ عملي الرسمي، أو كما يسمى باليْونِفْورم.
وهَذا هو مقرُّ حُكمي ، الذي أُديرُ منهُ شؤونَ القوم.
فمن كان منكم رقيقَ القلب، مرهفُ الإحساس، فليَغُضَّ بَصرهُ وينويَ الصوم.
لقد جاءَ دوريْ في الحِكايةِ، سأرويها لكم بنفسي.

حينَ كنتُ مع نخّاسي في سوقِ النِّخاسة، كنتُ أُمَنّي نفسي بصيدٍ كبير.
مُعتقدةً بأنَّ فِتنَتي وجمالي لن يقوَى على شِرائهما إلّا وزيراً أو أمير.
لمّا وَقَفَ أمامي الحَبَنْظَل وأخذَ يتفحصَني.
شعرتُ بالقرَفِ من هذا القَزَمُ الأفطَسُ الجاحظ.
وأضافَ رعباً إلى قرَفي، لمّا سمعتهُ يوافقُ على ثمنيَّ الباهظ.
لم تنفع مع النَّخاسِ دُموعي وتوسُّلاتي.
وباعني لهذا الحَبَنْظَل لأُصبِحَ جاريّته.
بعدها اكتشفتُ بأن القَدَر قد هيَّأَ لي هذا القِرد.
لأدْوسَ عليهِ، وعلى أوَّلِ درجةٍ مِن سِلَّمِ المَجد.
فينبغي أن تكون الدرجةُ الأولى منخفضةً وقصيرة.
لتتناسبَ مع قُدْراتِ شابَّةٍ صغيرة.
أنتم تعرفون أيُّها السّادَةُ كيفَ يتعاوَنَ اثنانِ على تَسَلُّقِ سوراً عالي.
يرفعُ الأوَّلُ الثّاني، ثُمَّ يسحبُ الثّانيُ الأوَّل.
وهنا يصِرُّ الرَّجلُ على رَفْعِ المرأةِ أوَّلاً، بحجةِ الخوفِ عليها.
أمّا الحقيقة، فهيَ فرصةٌ ثمينةٌ ليتسلى في فخِذيها.
هذا أوَّلُ شيءٍ تعلَّمْتُهُ عَنْ سلوكِ الرِّجال.
وكُلُّ ما تعلَّمْتُهُ لاحقاً، أكدَ لي بأنَّهم أطفال.
والشّارِبُ الَّذي يُشَوِّهُ وُجوهَهُم، لم يُثبِت رجولتَهم بأيِّ حال.
أمّا نحنُ معشرَ النِّساء، فنثبتُ بأفعالِنا أنَّنا نساء.
ولا حاجةَ لنا لهَذهِ الخدعةُ البلهاء.

ساقَني الحَبَنْظَل إلى قصره وقدَّمَني إلى أُمِّهِ دَليلة.
الَّتي ما أن رأتْني، حتَّى أدركت كم هي حَسْناءٌ دميمة.
وصدِّقوا، لقد تركَني في تلك اللَّيلةِ أنامُ وحْدي، وأنا الفتنةُ بكلِّ معانيها.
أسرعَ واندَسَّ في فِراشِ أُمِّهِ، وَنامَ تحتَ قدَمَيها.
وقتَها كانَ هذا الحَبَنْظَل فارساً في سِلاحِ الفُرسان.
وكم كنتُ أضحكُ حينَ أراهُ على ظَهرِ الحِصان.
اقترحْتُ عليهِ أن يُبدِّلَ حِصانهُ بكلبٍ أو خنزير.
لينسجِمَ الراكبُ مع المركوبِ على أحسنِ تقدير.
لَكنَّ دَليلة أنَّبتني على الاستهزاءِ بالفارسِ بظاظاْ.
وعلَّمَتْني كيف أبيعُها كَمْأَةً وهيَ في حقيقتها بطاطا.
لقد كانت لي دَليلة خيرُ مُعلِّمٍ ومُعِيْن.
عَلَّمَتْني كيف أحني رؤوسَ المتغطرسينَ والمتكَبِّرين.
كيف أرمي الشِباك، وأصطادُ العُظماء.
كيف أغوي النُسّاك، وأصْرَعُ الأبطال، وأُجَندِلُ الأُمَراء.
وساررتني عن رفضِ إرضاع ولدِها الوحيد.
ليَبقَيا نَهدَيها منتفخينِ قاسِيَينِ، قَويَيِن.
ويقْوَيا على حمْلِهِ ورفعهِ إلى المجدِ التَليد.
فالنهودُ التي لاَ تُرضعُ سوى الرِّجال، تتكورُ وتتدَوَّر وتزدادُ قوَّةً وجمال.
لابد أيُّها السّادَةُ أنَّ الحَبَنْظَل ردَّدََ أمامَكم جملتهُ اليتيمة.
وهي أنَّ الرَّجلَ الذكيَّ وراءَ كُلِّ امرأةٍ عظيمة.
وظني بأنَّكم صدَّقتموهُ، وَكعادتكم هَزَزْتُم برؤوسِكم تُوافوه.
لاَ يوجد أيُّها السّادَةُ رجالٌ عُظماء.
والعظمةُ بكلِ أشكالِها مُقتصَرَةٌ على النِّساء.
المرأةُ تعرفُ تماماً ماذا يُريدُ منها الرجل.
هيَ شفَتَين ونَهْدَين، وفخِذين ورِدْفَين.
أمّا الرَّجل، فَلا يعرفُ أبداً ماذا تُريدُ المرأة.
فهيَ بنصفِ إرادة، ونصفِ شهادة، ناقصَةُ عقلٍ ودِين.
الِّنساءُ عرفنَ هذا، وفَضَّلنَ هذا، واخترْنَ أن يمثلنَ دورَ الضَّعيفات القاصرات.
وجذَّرْنَ هذا الاعتقادَ في نفوسِ الرِّجال، ليظللنَ حاكِماتٍ مُسيطِرات.
فكروا معي قليلاً أيُّها السّادَةُ، ما دَورُ الديكِ بينَ الدجاجات؟.
ما الَّذي يَصنعهُ ذَكرُ النحلِ بينَ النَّحلات؟.
لماذا تُذْبَحُ الثّيران وتُتْركُ البقرات؟.
وهل أدركتم لماذا يُحاربُ الرِّجالُ عِلْمَ الاستنساخِ بضراوة.
هوَ خوفُهُم مِنْ يومٍ لن يكونَ لهم فيهِ أيَّةَ فائدةٍ أو ضرورة.
معَ ذَلكَ، نحنُ النِّساءُ نُحبُّ الرِّجالَ...نُحبُّهم كثيراً.
لاَ لأنَّهم يجعلونَنا حوامل.
بَل لأنَّهم يقدِّمونَ لنا أجَلَّ الخَدَماتِ بلا مُقابل.
فكُلُّ ما يجمعَهُ الرِّجالُ مِنْ مالٍ وأشياء، يرمونهُ صاغرين في أحضانِ النِّساء.
يختنقون في مَناجِمِ الذهبِ والألماس.
لِنَضَعَهُ في أيدينا وأعناقنا، ونَغوي بهِ الخَدَمَ والحُرّاس.
يخوضونَ المَعارك، يَقتلونَ ويُقْتَلونْ ليحرِزوا الانتصارات.
ليهدوها إلينا ونحنُ على أَسِرَّةِ الحريرِ مضطجِعات.
ولاَ يهمُّنا أيّاً منهم كانَ الغالبُ أو المغلوب.
هوَ في النِّهايةِ رجل، وهَذا هو المطلوب.
ما أتعسَ الرِّجال!؟...يُكابِدونَ الذلَّ والهوان.
لأجلِ لذَّةٍ عابرةٍ نقضيها لهم في ثوان.
الرِّجالُ لاَ يجدون لإنجازاتهم أيَّ طعمٍ أو معنى.
إن لم تمدح هَذهِ المُنْجَزاتِ امرأةٍ جميلةٍ تحبهم.
تجلسُ أمامَ أقدامِهم، وتُدلِّكُ لهم سْيقانهِم وأفْخاذهِم.
وتمجِّدُ مآثرَهُم بالرقصِ والغناء.
كم مِنْ رجالٍ صَدَّعوا رؤوسَنا بعظيمِ مُنجَزاتِهِم.
وألَّفوا كُتُبَ التّاريخِ ليُخلِّدوا أسمائِهِم.
ولاَ يخفَى على كُلِّ مُصدقٍ أو مُماحِك.
بأنَّ أسمائَهُم ارتبطت دائماً بأسماءِ مَنْ جعلوهم كذَلك.
أنطونيو العظيم وكليوباترا الجميلة، نابليون بونابرت وجوزفين النبيلة.
هتلر المجنون وإيفا بْرْاوْن الغبيَّة، وحَبَنْظَل بَظاظا وعسلُ الْتِّنِ الذكية.
إنَّ العنوانَ أيُّها السّادَةُ، يشيرُ بجلاءٍ لصاحبِ الفضْلِ على الآخر.
وخُدْعتُ الشّاربِ ترفضُ أن يَرِدُ اِسمَهُ بعدَ الآخر.
والفاعلُ يصبحُ مجهولاً حينَ يتعدَّا عليه المفعول.
وسُلطانَنا المُعَظَّمُ صاحبُ المجدَ والسلطةَ والسطوة.
ما هو في الحقيقةِ إلا مفعولاً بهِ بِنونِ النِّسوة.
لاَ علاقةَ لهُ بكُلِّ ما وصلَ إليهِ مِنْ مراتبٍ جليلة.
فأنا مَنْ كانت ترفَعَهُ، بمعاوَنةِ أُمِّهِ دَليلة.
وما فتأْتُ أشفقُ على هذا المسكين، الَّذي كانَ زاهدً بكُلِّ ما نفعلَ لهُ.
لأنَّهُ ولحُسْنِ حَظّي، عاجزٌ عنِّين، لاَ رغبةَ لهُ في النِّساءِ ولاَ يَرقنَ له.
فمن هيَ الَّتي ستجلِسُ أمامَ قدَمَيه، وتُدلِّكُ لهُ ساقيهِ وفخذيه.
وتُمجِّدُ سلطانَهُ بالرقصِ والغناء.

وللحديثِ تتِمة.