🌹بعناه القصر ل( الله )🌹
✍: عبدالمجيد بن محمد العمري
هذه الجملة التي قالها التاجر الفلسطيني مطيع عطا الله فارس - رحمه الله - لزوجته حينما تنازل عن قصره الذي يسكن فيه ليكون أول مسجد في مدينة ليما عاصمة دولة ( بيرو) بأمريكا الجنوبية ، فماقصة هذا المسجد ؟!و ماموقف هذا التاجر ؟ و من سعى في ذلك؟
لقد استمعت لقصة المسجد بسند متصل من شاهدين رئيسين ، وكانا من الأسباب المباركة لقيام هذا المسجد وهما الشيخ أحمد الصيفي مدير مركز الدعوة بالبرازيل و الأستاذ ضمين عوض رئيس الجمعية الإسلامية في بيرو فإليكم القصة كما سمعتها.
حتى عام ١٩٨٨م لم يكن بالبيرو أي مسجد و قد عاش المسلمون لأكثر من ستين عاماً في هذا البلد لا يعرفون صلاة الجمعة ، وحتى صلاة الجماعة فنادراً ما تتم ، ولربما أقيمت عند اجتماع عائلي أو أصدقاء فلايوجد مصلى ثابت، بل حتى صلاة الأفراد في منازلهم كانت قليلة ومتقطعة ، و أما الصيام فكان مقتصراً على العجائز ، بل الأدهى و الأمر أن من تحولوا للنصرانية من أبنائهم تجاوز ال١٥٠٠ مسلم و مسلمة أصبحوا نصارى ، ومن مات من المسلمين فيدفن مع النصارى فلا يوجد مسجد و لا مقبرة.
إن من الناس من هو مفتاح للخير و مغلاق للشر و العكس كذلك ، جاء الشيخ أحمد بن علي الصيفي إلى بيرو عام متفقداً لأحوال الدعوة كعادته وتطوعه لذلك في أميركا الجنوبية، و كان له طريقة طريفة عند زيارته للبلدان لأول مرة فيمسك( دليل الهاتف) الورقي ثم يبحث فيه عما حُمد و عُبد من الأسماء و من كانت أسماؤهم عربية حتى إذا وقع على فرد أو مجموعة منهم يبادر بالاتصال بهم و يطلب الاجتماع معهم و هكذا شأنه في كثير من الزيارات.
في البيرو التقى مجموعة من الجالية الفلسطينية و سألهم عن المسجد ؟ في هذه الدولة و أفادوه بأنه لا يوجد مسجد لديهم ، فبادر بتشجيعهم على إقامة مصلى أو مسجد عاجلاً و لو بالإيجار ، و سأل عن الإيجار المناسب فقدر له إيجار بعض المباني الصغيرة المناسبة ب ١٥٠٠ دولار شهرياً فتقدم الصيفي المتبرعين بخمسمائة دولار من جيبه ، و جمعوا المبالغ في هذا المجلس ، ولقيت الفكرة تجاوباً لا بأس به مما حدا بأحد الحضور أن يقترح أن يكون المبنى ملكاً لا مستأجراً فضاعف الصيفي التبرع بالحال ل (٥٠٠٠) دولار حتى وصل المبلغ إلى (٦٠٠٠٠).
هذه الاجتماع لم يحضره أحد كبار التجار في البيرو ( مطيع عطا الله فارس ) و هو مسلم من أصل فلسطيني قدم إلى البيرو عام ١٩٢٠ شاباً صغيراً بمفرده و تقديراً لسنه و مكانته كانوا يلقبونه ب( الخال).
اجتمع الصيفي مع الوجيه (عطا الله )و بعض المسلمين و دعوه للمساهمة فقال لهم سأبيعكم بيتي ( قصر ) و بالتقسيط ، و طلب من أحد المجتمعين أن يحضر له المبلغ في الغد وكان في رأسه أمر قد عزم عليه و لم يبلغ به أحداً ، فلما اجتمعوا به في مكتبه قال لهم :إني سأكتفي بما قدم و أعلن عن تنازله عن قصره البالغ مساحته( ١٦٠٠متر مربع) و أخبرهم بأن الستين ألفاً التي جمعت سيشتري بها أرضاً لتكون ( مقبرة) للمسلمين ، انفض المجلس و تهامس البعض بين مصدق و مكذب ولكن التاجر المتبرع طلب من الصيفي البقاء ليذهب و إياه لمنزله للغداء.
دخل مطيع عطالله فارس لبيته ومعه ضيفه ، و نادى بأعلى صوته وبلهجة بلاد الشام و فلسطين و لبنان ( يا أم فارس بعنا البيت و بدنا نسلمه لأصحابه و مابدنا نتأخر عليهم ) ... خرجت الزوجة عليهما مذهولة ( شو بعت البيت ولمين بعته وكيف بدك إيانا نزيح) فقال أبوفارس : يا أم فارس ( بعناه لا الله) فتحولت دهشة المرأة و ضجرها إلى بكاء فرح أبكى معه الضيف و المضيف.
و منذ ذلك الحين والمسجد لا يزال قائما و معموراً يؤمه المسلمون و يعمرونه بالصلاة و الذكر و التسبيح و أصبح فيه دروس للقرآن الكريم و يلتقي في المسلمون .
ولم يكتف المتبرع بذلك بل هيأه بما يناسب المسجد من ترميم و فرش ،و أشرك في الثواب و الأجر أخاه الذي توفي قبل أقل من عام من قيام المسجد ، و كان مما أوصىاه به و هو في النزع الأخير إننا شقينا و تغربنا و قد أنعم الله علينا بالمال و الأولاد في الدنيا ، ولكن بقي أن نبقي لنا شيئاً في الآخرة و المسلمون بلا مسجد ، فشاء الله سبحانه و تعالى أن يتحقق ذلك و تتهيأ له الأسباب بفضل الله ثم بقدوم رجل مبارك عليهم ، و لا أدري أأعجب من همة الصيفي متعه الله بالصحة و العافية أم أعجب من المتبرع -رحمه الله -أم من حال المسلمين و كيف عاشوا لأكثر من ستين عاماً بلا مسجد .
✍🏻:كتبت في رحلة العودة من مدينة ساوباولو البرازيلية إلى الرياض في يوم الأربعاء ٢٠ربيع الأول ١٤٤٠هـ