"الموبايل" رواية صينية تفضح أسرار العلاقات الخاصة
محمد الحمامصي
رواية ليوجين يون تعد من أوائل الأعمال الإبداعية العالمية التي عالجت برؤية فنية وجمالية ممتعة تأثير جهاز الموبايل في المجتمع والعلاقات التي تربط أفراده.
Tuesday 12/06/2018
ليوجين يون أحد أهم الأصوات الأدبية الصينية فيما يعرف بجيل الرواد
الكاتب الصيني يتميز بين أبناء جيله بأعماله التي تغوص في الواقع الصيني المعاصر، وتهتم بتحليل العوالم النفسية للشخصيات
تعد رواية "الموبايل" للروائي الصيني الشهير ليوجين يون، من أوائل الأعمال الإبداعية العالمية التي عالجت برؤية فنية وجمالية ممتعة تأثير جهاز الموبايل في المجتمع والعلاقات التي تربط أفراده، انطلاقا من الأسرة ومرورا بالعمل وانتهاء بالمحيط الاجتماعي.
الرواية التي ترجمها وقدم لها د. حسانين فهمي حسين، والتي صدرت لأول مرة في عام 2003 عن دار نشر تشانغ جيانغ اليانجستي للفنون والآداب، تدور أحداثها حول الإعلامي المعروف يانشوإي مقدم برنامج "بصراحة" بالتليفزيون الصيني، وعلاقته بثلاث شخصيات نسائية: زوجته يووين جيوان، التي انفصلت عنه بعد زواج دام عشر سنوات، أقل ما يقال عنها أنها كانت مليئة بالحب والتضحية من جانب واحد؛ من جانب الزوجة التي تتحمل الكثير في مواجهة الزوج الذي يستغل شهرته الإعلامية ليقيم علاقات عاطفية مع معجباته. وذلك بعد أن نسي الموبايل في البيت مصادفة، لتكتشف زوجته السر الذي كان كافيًا لأن ينهي العلاقة فيما بينهما، لتتوالي المصائب التي كان الموبايل سببًا في وقوعها للبطل يانشوإي وصديقه الأستاذ الجامعي فيي موه. وعشيقته وويويه ـ الشخصية الثانية ـ التي كانت سببًا رئيسًا في طلاقه من زوجته، والتي تمكنت في النهاية من تهديده بصورة ألتقطتها وهما معًا وأرسلتها له عبر موبايله لتهدده بها، وتطلب مساعدته في تزكيتها للعمل كمذيعة ببرنامج التوك شو الذي يقدمه.
الشخصية الثالثة صديقته شين شويه، الأستاذة بقسم التمثيل بمعهد المسرح ببكين والتي تعرف عليها بعد طلاقه من يووين جيوان. ليقدم لنا الكاتب "الموبايل" هذا الجهاز الذي استغله البطل يانشوإي كأداة للكذب والخداع، بشكل يتنافي تمامًا مع اسم ومضمون برنامج التوك شو "بصراحة" الذي يقدمه يانشوإي على شاشة التلفزيون، مع المفارقة الكبيرة بين اسم البطل "يانشوإي" التي "تعنى الجاد أو الملتزم" واسم البرنامج "بصراحة" وشخصية مقدمه الذي هو بعيد تماما عن الصراحة والإلتزام.
ويكشف في الوقت ذاته عن الكذب والزيف الذي يسيطر على حياة شخصيات الرواية الأساسية بمن فيهم الأستاذ الجامعي فيي موه صديق يانشوإي وزميله في إعداد برنامج "بصراحة"، هذا البرنامج الذي يقوم بشكل أساسي على قول الحقيقة، في حين أن مقدمه غارق في الكذب.
تبدأ الرواية بالحديث عن حياة يانشوإي في الريف الصيني قبل انتقاله إلى بكين والعمل في مجال الإعلام، ومنه إلى عالم الشهرة والكذب، ثم تصور حياة يانشوإي مع زوجته يووين جيوان الموظفة بإحدى الشركات العقارية، الجميلة الهادئة التي لا تفارق الإبتسامة وجهها، قبل أن تكتشف بالصدفة كذب وخيانة زوجها لها من خلال موبايله. وعلاقة يانشوإي بوويويه، التي كانت سبباً مباشراً في طلاقه من زوجته، والتي استطاعت أن تستخدم الموبايل لتهديده وابتزازه لمساعدتها في تحقيق غرضها للعمل مذيعة ببرنامج "بصراحة". ثم علاقته بصديقته التي تعرف عليها بعد الطلاق مباشرة شين شويه، المدرسة بقسم التمثيل بمعهد المسرح ببكين. وتصوير صخب المدينة ومعاناة ومتاعب أهلها، من خلال رحلة البطل من مسقط رأسه بمقاطعة خه نان للعمل ببكين، ثم الزواج والولوج في عالم الشهرة حتى الطلاق. وكأنه كان يعيش في حلم طويل منذ أن قدم إلى المدينة، ليصبح مجرد دمية تنطق بالكذب دون سواه، من خلال جهاز "الموبايل" الذي تحول إلى قنبلة موقوتة ينتظر إنفجارها في أي لحظة.
وتنتهي الرواية بالعودة إلى الحديث عن الريف الصيني، للتأكيد على ارتباط الكاتب ليووجين يون بتاريخ وثقافة مسقط رأسه مقاطعة خه نان والريف الصيني بوجه عام، والبحث عن الجذور الثقافية لشخوص أعماله. ليلتقي في هذه النقطة بمويان في اهتمامه بالكتابة عن مسقط رأسه قاومي بمقاطعة شاندونغ، الذي أتخذه مويان مسرحًا لعدد كبير من أعماله، ليؤكد على الإتجاه القائل بالعلاقة الوثيقة بين الكاتب ومسقط رأسه.
وفي مقدمته للترجمة الصادرة عن دار ضفاف عرف د. حسانين فهمي حسين بالروائي الصيني ليوجين يون موضحا أنه ولد في عام 1958 بمقاطعة خه نان، وتخرج في قسم اللغة الصينية بجامعة بكين العريقة عام 1982. ويعد أحد أهم الأصوات الأدبية في جيل ما يعرف بجيل الرواد الذين لمعت أسماؤهم على الساحة الأدبية الصينية منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، الجيل الذي يضم سوتونغ، قه فيي، مايوان، تسان شويه، يوهوا، خان شاوقونغ ومويان صاحب "الذرة الرفيعة الحمراء" الحائز على نوبل الآداب 2012.
عمل عقب تخرجه في عام 1982 بمجلة "الفلاح اليومية". درس خلال الفترة من 1988 -1991 الأدب الصيني بمعهد لوشيون بجامعة المعلمين ببكين بمرحلة الدراسات العليا. نشر منذ عام 1987 بمجلة "أدب الشعب" الصينية عددًا من الأعمال القصصية مثل "البُرج"، "السَرية الجديدة"، "جهة العمل" وغيرها من الأعمال التي تصور الحياة في المدينة الصينية من خلال أسلوب نقدي ساخر عبر عن إتجاه الكاتب في تناول القضايا الحياتية لأبناء الشعب الصيني، وإنحيازه لجمهور البسطاء في هذا المجتمع، والتعبير عن معاناتهم وآلامهم التي كان قريبا منها من خلال تواصله الدائم مع المهمشين والبسطاء في المجتمع الصيني.
وأضاف "كغيره من أبناء جيله من الروائيين الصينيين المعاصرين، يتخذ ليوجين يون من مسقط رأسه مدينة يانجين بمقاطعة خه نان مسرحًا للكثير من أعماله، فتميزت أعماله بلغة وأسلوب فكاهي يحمل طابع خه نان. ولا يكاد يخلو عمل من أعماله من التغنى بتاريخ وثقافة وعادات وحياة أهل خه نان.
حصلت قصته "البُرج" على جائزة أفضل قصة قصيرة 1987-1988. وقد أبدع ليوجين يون عددًا كبيرًا من الأعمال القصصية والروائية التي حازت تقدير النقاد والقراء في الصين وخارجها من خلال ترجمة عدد من أعماله إلى اللغات الأجنبية. تم ترشيحه مع عدد من الروائيين الصينيين المعاصرين لجائزة نوبل في الآداب.
من أهم أعماله روايات "جهة العمل"، "السَرية الجديدة"، "البُرج"، المسئول"، "لستُ خائنة" و"رُب جملة بعشرة آلاف جملة". توجت أعماله بحصول روايته "رُب جملة بعشرة آلاف جملة" على جائزة مادون الأدبية (نوبل الأدب الصيني) في دورتها الثامنة عام 2011. ترجمت أعماله إلى اللغات الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، اليابانية، الكورية، الروسية، الإسبانية، المجرية، الفيتنامية وغيرها من اللغات الأجنبية.
ورأى د. حسانين فهمي أن ليوجين يون يتميز بين أبناء جيله بأعماله التي تغوص في الواقع الصيني المعاصر، وتهتم بتحليل العوالم النفسية للشخصيات، وخاصة تلك الفئات الإجتماعية القريبة من الكاتب، وذلك بأسلوب ساخر يسلط من خلاله النقد للكثير من سلبيات الحياة اليومية المعاصرة في الصين، بأسلوب يجعله قريب من تيار الواقعية النقدية الساخرة التي تميزت بها أعمال لوشيون (1881-1936) رائد الأدب الصيني الحديث (1919-1949) وعميد القصة الصينية، صاحب الأعمال القصصية المعروفة "يوميات مجنون" و"قصة آكيو الحقيقية" و"الدواء" وغيرها من الروائع القصصية، وقريب في الوقت ذاته من الأسلوب الفكاهي الساخر الذي تميز به الروائي والمسرحي الصيني المعروف لاوشه (1899-1966) صاحب مسرحية "المقهي" ورواية "الجمل شيانغ تسه" وغيرها من الأعمال. ليؤكد على ما ذكره أكثر من كاتب من أبناء جيله من تأثرهم الواضح بكتابات لوشيون وغيره من رواد الأدب الصيني الحديث، أو كما ذكر مويان في حوارنا معه عقب فوزه بنوبل الآداب 2012 "يتميز الأدب الصيني الحديث والمعاصر بمحافظته على التواصل بين الأجيال المتلاحقة، فكان لإبداعات الكتاب الصينين الممثلين للأدب الصيني الحديث قبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية وعلى رأسهم لوشيون، كان لهم تأثير واضح على إبداعات عدد من الكتاب المعاصرين الذين أنتمي إليهم. فقد أستطاع لوشيون أن يفتح أمامنا الطريق للكتابة في الواقعية النقدية، ووضع أمامنا عدد من الموضوعات الأدبية المهمة التي أستطعنا أن نكتب فيها، وخاصة فيما يتعلق بالإهتمام بالإنسان البسيط ومشكلاته الحياتية".
وأشار إلى أن "الموبايل" نالت منذ صدور طبعتها الأولى في الصين عام 2003 تقدير النقاد والقراء الصينيين، وأشاد بها عدد من كبار نقاد الأدب الصيني. كما حققت الرواية نجاحًا كبيرًا داخل الصين، وتم تحويلها لفيلم سينمائى في نفس العام الذي صدرت فيه طبعتها الورقية في عام 2003، حمل نفس الاسم "الموبايل"، من إخراج المخرج الصيني المعروف فينغ شياوقانغ وبطولة النجم الصيني قه يوو.
حقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وحصد الفيلم والبطل قه يوو جوائز عدة. وأنتشرت في المجتمع الصيني آنذاك عدد كبير من التعبيرات التي جاءت على لسان البطل والشخصيات الرئيسة في الفيلم (الرواية)، مثل "أنا في اجتماع دلوقتي"، "مش عارف تتكلم"، "خلاص أنا هاتكلم وأنت أسمعني"، "أنت كنت شقي قوي إمبارح". بل وقيل إن الرواية ثم الفيلم كانا سببًا لقيام عدد كبير من الزوجات والصديقات في الصين بمراقبة هواتف أزواجهن وأصدقائهن، خشية أن يكون بها مثل ما أحتوى عليه موبايل يانشوإي بطل العمل. وإن كان هذا حدث قبل إنتشار تقنية الهواتف الذكية والإنتشار الواسع لشبكات التواصل الإجتماعي المختلفة، فكيف ستكون "القنابل الموقوتة" التي ستنفجر بسبب الموبايل بتقنياته الحديثة ووسائل التواصل الإجتماعي وبرامج "الشات"؟
تم تحويل الرواية كذلك إلى مسلسل تليفزيوني بنفس الأسم في عام 2010، تم عرضه في أربع محطات صينية (محطات بكين، شينجين، الشرق وجه جيانغ) من بطولة النجم الصيني وانغ جه ون والنجمة كه لان والنجم تشين داومينغ والنجمة ليو بيي.