هل أسلم الألمان؟ ..
وهل أصبحت انجيلا ميركل بالفعل الملاك المعجزة نجاشي العصر؟، وهل دخل الصحابة السوريون في أمانها؟، وهل قالت للناس سنكتب في التاريخ أن ألمانيا استقبلت اللاجئين السوريين مع أن مكة كانت أقرب إليهم؟

أم هل حقق الألمان مشروعا صهيونياً جديداً يقضي تفريغ سوريا من أهلها، وابتزاز الكفاءات السورية الجبارة، وتحقيق التحول الديمغرافي الرهيب لتعود الحرب الصفوية جذعة ملتهبة؟

أو أنهم يعدون قوائم جديدة من النازحين ليحصدوا مساعدات الأمم المتحدة ويتوازعوها بين جيوب مسؤوليهم ويجنوا الثروات الطائلة؟

هكذا تعودنا كسوريين للأسف أن نقرأ الأحداث، في غمار سيل من وهم المؤامرة سلباً وإيجاباً، ويبدو أن السوري التائه لم يعد يقرأ الخبر في سطوره بل بما يمكن أن تحشوه الأوهام بين السطور، بعد أن اقتنع بأن العالم كله يتآمر عليه، وأن برنارد ليفي وقاسم سليماني يديران هذه الحرب، وأن الباقين ما هم إلا أحجار على رقعة الشطرنج.

أصبح من العسير أن تقنع السوري بالخبر كما هو، فالفكرة السائدة هي أن اللعب الصحيح هو ما يجري تحت الطاولة وأن السياسة خالية من الأخلاق، وأن العالم المتحضر هو مجرد مافيا من مصاصي دماء الشعوب!!

إنه لأمر محزن أن تصاب تحليلاتنا بفوبيا الكراهية فلا ندرك لحركة التاريخ إلا الجانب المظلم، تماماً كما قال الشاعر العربي:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه… وصدق ما يعتاده من توهم

وعادى مواليـــه بقول عدوه….. فأصبح في ليل من الشك مظلم

التطور الجديد في الموقف الالماني باستقبال السوريين كما تقدمه أنجيلا مركل لنواب الشعب في البندستاغ، يأتي مرتبطاً بشكل مباشر بالقيم الألمانية العليا لشعب عانى من القهر والحرب والشراد والنزوح، وساعدته الأيام ليستأنف حياته ونجاحه، وأدرك أن الواجب الأخلاقي يملي عليه أن يكون جيداً ونبيلاً مع المعذبين في الأرض، وأن النزوح القادم إذا تم احتضانه بحكمة وروية فإنه طاقة جديدة لألمانيا الجبارة التي تحتاج للعنصر البشري، وأنه ليس بالضرورة عبئاً على الألمان، بل هو كسب وثروة.

قناعتي أن الحملات التي خاضتها جمعيات حقوق الإنسان الحرة ومنها بكل تواضع الحملة الكبيرة التي شاركنا فيها في شتوتغارت آتت أكلها ودفعت الألمان في الاتجاه الذي ينبغي أن ينطلق فيه أي إنسان نبيل يشاهد عذابات الآخرين، ويدعوه الواجب الأخلاقي للعمل بما يستقيم مع ضميره وفطرته.

ألمانيا دولة ناجحة بكل المقاييس، وهي قادرة على القيام بالدور الإنساني المطلوب، وهي تعاني من النقص المتزايد في عدد السكان وهو ما يشكل خطراً على استمرار مكانها الحضاري، وهي تدرك أن الواقع الإنساني الرهيب الذي يعانيه السوريون يمكن أن يوفر منهم جيلاً معطاء جباراً طافحاً بالتحدي، يسهم في إثبات ذاته وتحقيق مزيد من الازدهار لألمانيا.

تحية للطالبة نور ياسين قصاب التي حصلت على المجموع الكامل للدرجات في ولاية براندنبورغ، وللحملة الإعلامية التي صاحبت نجاحها وأقنعت الشعب الألماني بأن السوريين شعب متفوق وأن المحنة لن تزيده إلا صلابة وإبداعاً.

تحية لابن قرية وطا الخان في اللاذقية خلدون حميشة الذي نال جائزة الهيئة الألمانية للتبادل العلمي للطالب الأجنبي المتفوق على مستوى جامعات ألمانيا وكذلك للحملة الإعلامية التي صاحبته وأقنعت الألمان بأن كل ذي مصيبة جبار.

تحية للأطباء السوريين الثمانية عشر ألفاً الذين يملأون مشافي ألمانيا بكفاءة وبراعة ويقدمون الأدلة المتتالية على التفوق السوري وحسن نجاحه واندماجه ودوره الريادي في العلم والمعرفة.

تحية للأصدقاء الأعزاء الذين نظموا لقاء شتوتغارت الهائل، ووفروا للسوريين فرصة الإطلال على الشعب الألماني لشرح ما يمكن أن يساهم فيه السوري الجبار في نهضة ألمانيا.

تحية لكل جهد مخلص، أسهم في إقناع الألمان بأن المهاجر السوري رصيد مفيد، وأن احتضانه واجب أخلاقي وإنساني، وأن الفائض الحضاري ينتج فائضاً أخلاقياً، وأن الحضارة لا تقاس بارتفاع الأبراج والمباني بل بارتفاع القيم الإنسانية الرشيدة.

إنها مناسبة نراجع فيها رؤيتنا للعالم، ونتخلى عن الفكرتين المتطرفتين، فالعالم ليس جمعية خيرية ولكنه أيضاً ليس وكر ذئاب، العالم المتحضر أفق للتعاون والتكامل، يسعى إلى مصالحه ولا يتخلى عن مبادئه، إنه يعمل من أجل نجاحاته ولكنه لم يعد استعمارياً فظاً، بل إن الديمقراطية نجحت بوسائلها المتعددة في جعل العالم المتحضر ملتزماً بالقيم العليا للإنسانية وجعلت الشعوب تدرك تماماً أن الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره…

والناس للناس من عرب ومن عجم…… بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم