حضارة البؤس
هنادة الحصري
أثناء قراءاتي لكتاب «أزمة عصرنا « من تأليف عالم الاجتماع «تيرم سوركن» توصلت من خلال أرائه الى أن الثقافة الغربية معتلة ، سقيمة الروح والجسم و تعاني من أزمة حادة متغلغلة في كل نواحي الحياة ،
و هي أزمة انهيار عام و تحلل شامل و كأن الغرب يعيش في أواخر الليل الطويل للحضارة المادية بما يحوي من أشباح و ظلام رهيب و ارهاب ووحشة
أخذني هذا الكتاب الى البحث عن اّراء أخرى في الثقافة الغربية حيث يقول «كولن ولسون في كتابه سقوط الحضارة » : أنظر الى حضارتنا نظري الى شيء رخيص تافه ، باعتبار انها تمثل انحطاط جميع المقاييس العقلية ، ان حضارتنا تسير في الاتجاه المعاكس و أنا أعتقد أن تدهور حضارتنا أمر لا مفر منه ، كما يعتقد كل طبيب بأن موتنا لا مفر منه ..
أما في كتابه «افول الغرب» «لاشبنجلر» فيقول : لقد شاخت الثقافة الأوروبية و حان موتها و هي تعاني سكرات و اّلام الاحتضار ، و ان ساعة القضاء قد دقت و ان المدنية الغربية يشيع فيها اليوم القلق و الاضطراب ، و قد أخذت تنقلها الى الشرق و لا أرانا نمتلك أي هدف أو خطة أو فكرة أكثر من تلك التي يمتلكها صنف من الفراشات
أما الذي اّثار استغرابي فأنا أعلم أن المؤرخ أرنولد توينبي و هو من المدافعين عن الحضارة الغربية فكيف يقول أن الحضارة الغربية مصابة بالخواء الروحي الذي يحول الانسان الى قزم مشوه يفتقد عناصر الوجود الانساني ، فيعيش الحد الأدنى من حياته، و هو حد وجوده المادي فحسب ، والذي يحول المجتمع الى قطيع يركض بلا هدف ، و يحول حياته الى جحيم مشوب بالقلق و الحيرة و التمزق النفسي .. انني أكره الحضارة الغربية المعاصرة ، كراهية بعيدة عن التهويل ، فخلال حياتي عاصرت حربين ، وكلما نظرت الى هذا الارهاب الغربي وجدته شيئا مروعا» .
في كتاب بنية التخلف لابراهيم البليهي يقول « هربرت ويلز » هل بلغت البشرية نهايتها ؟ ان الانسان في صورته الحالية صار شيئا منهوكا لا غناء فيه ، ولا بد أن يخلي مكانه و كم اتمنى أن أحضر الجنس البشري و هو يجود بأنفاسه ».
أما في كتاب الأمير لميكيافيللي : « ان من يتقن الخداع يجد دائما أولئك الذين هم على استعداد لأن تنطلي عليهم خديعته ! و من الخير ان تتظاهر بالرحمة والشعور النبيل و الاخلاص و التدين و لكن عليك أن تعد نفسك عندما تقتضي الضرورة، لتكون متصفا بعكسها و بالعودة الى فكر جارودي فنراه ينتقد المدنية الغربية حيث يراها في طريقتها الى الموت لغياب الأهداف .. حيث انتشار قتلة الأمل الذين يحاولون اقناع الشباب بأن حياتهم لا معنى لها اذ إنه من غير الممكن أن يترك المستقبل للعالم الغربي ، فقد هيمن خمسة قرون على مقدرات البشرية فاتجه للابادة أكثر مما اتجه للتعمير ..
بعد ذلك لاشك في أن الحضارة الغربية تعاني من مأزق كبير سببته عوامل كثيرة منها اختلال التوازن بين المادة والروح و انفصال العلم عن الخلق و الضمير ، و انفصال الحياة عن الهدف و المصير ..
هؤلاء علماء عقلاء تنبهوا الى السيرورة الهابطة لحضارتهم فراحوا ينبهون و يقرعون أجراس الخطر لتجنب سقوط هذه الحضارة و هذا كله بأقلامهم و آرائهم