رفقًا بالقوارير
مقالات ملفقة 19/2


بقلم – محمد فتحي المقداد


يروى أن أحد أساتذة جامعة دمشق، كان يناكف إحدى الطالبات أثناء الحصّة الدرسيّة (المحاضرة)، وتجرأت الطالبة بالردّ: «رفقًا بالقوارير» يا دكتور، فردّ عليها: «نعم رفقًا بالقوارير، وليس رفقًا بالبراميل». فخجلت الطالبة من سُمنتها الظاهرة.
بالعودة إلى الفعل «رَفَقَ» ، رفَقَ به، رفَقَ على، رفَقَ به. وإذا رفَقَ بحاله فيكون قد حنّ وعطف عليه. وهي بالمجمل من اللطف في المعاملة، ولين الجانب، والصنيع الحسن، للمساكين وذوي الحاجات وضحايا الحروب. الذين هم بحاجة لكل هذه المعاني مجتمعة، لأنها نابعة من قمّة الطبع الإنسانيّ الرّحيم.
الرّفقُ ضدّ العنف، وقد رفَقَ به، يُرفَق بالضمّ رِفقًا، وترفّق به، يتّضح هذا المعنى في الحديث النبوي الشريف: «ما كان الرّفقُ في شيء إلّا زانه، ولا يُنزع من شيء إلّا شانه». رواه مسلم. مما تقدّم فإنّ لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل والأهون و الدفع بالأخفّ، لما يُحدثه من الأثر الطيّب في نفسي المُتلقّي.
والرّفقة الجماعة، ترافقهم في سفرك بضمّ الراء وكسرها، الجمع رفاق، ومنه يقال: رافقه، وترافقوا، والرّفيق المُرافق، والجمع رفقاء، فإذا تفرّقوا ذهب اسم الرّفقة، ولا يذهب اسم الرّفيق. وهو واحد وجمع كالصديق. قال تعالى: «وحَسُنَ أولئك رفيقًا»، ورفق الشّخص صار صديقًا لغيره مصاحبًا له، مرافقٌ ومصاحبٌ.
في الوقت المعاصر ومنذ بدايات القرن العشرين، تحوّل استخدام كلمة «رفيق» إلى منحى أيديولوجي ، عندما اتّخذت بعض الأحزاب ذات النهج القومي والأممي (حزب البعث، الحزب الشيوعي) كلمة «رفيق» وسيلة للتخاطب فيما بين الأعضاء المنتسبين لهذه الأحزاب. وأصبحت علامة مميزة خاصّة بهم.
وفي «رسالة من امرأة حاقدة» هذه القصيدة النزاريّة، نسبة إلى الشاعر (نزار قبّاني)، جاء ذكر الرّفاق بقوله: «وسددتَ في وجهي الطريق بمرفقيْك، وزعمتَ لي .. أن الرّفاق أتوْا إليك..، أم أنّ سيدة لديك.. تحتلّ ساعديكَ؟».
وفي قصيدة شهيرة غنّاها عبدالحليم حافظ، «حبيبتي من تكون» للشاعر الأمير (عبدالله الفيصل آل سعود)، قال في بدايتها: «الرّفاق حائرون.. يفكّرون.. يتساءلون في جنون..، يفكّرون.. يتساءلون.. يتهامسون.. يتخيّلون.. أشياء وأشياء.. أسماء وأسماء.. ويضيع كلّ هذا هباء».
والجامع المشترك بين هاتين القصيدتين الرائعتين، القلق والشكّ والاتهامات المتبادلة بين حبيبين. عدا عليهم الزمن جفاء، فتباعدا والرّفاق هم الأسّ في ذلك الهجر واللّوم.
وقيل : «الرفق ضدّ العنف، وهو اللّطف، وأخذ بأحسن الوجوه وأيسرها، والرفق محمود، وهو مع اللين من ثمرات حسن الخلق والسلامة»، والرفق خير في كل أمور الحياة الدنيوية والأخروية، حتى في المعاملات، خاصة في معاملة المرء نفسه، ومع محيطه من أهله وجيرانه وأبناء جلدته.
ومن هذا المنحى فقد اتّخذَ من كلمة «رفق» الأسماء المؤنّثة والمذكّرة، ولعلّ يكون اسم الأكاديمية الأديبة (رِفقة دودين)، وهي من مواليد 1958قرية (راكين) محافظة الكرك، وقد تركت بعد وفاتها 2013 إرثًا ثقافيًّا من المؤلّفات (قلق مشروع - قصص)، (مجدور العربان ، نص روائي)، (أعواد الثّقاب - قصص)، )سيرة الفتى العربي في أمريكا – رواية)، (توظيف الموروث في الرواية الأردنية المعاصرة – دراسة نقدية)، (أهل الخطوة – رواية).
ولأهل الغناء والفن نصيب وافر من هذا الاسم، والأبرز هو اسم الفنان السوري (رفيق سبيعي – أبو صيّاح)، بطوله الفارع ووسامة وجهه المتميز بشاربيْه المفتولين، ونبرة صوته المحببة إلى ممن تابعوه في مسلسل (صح النوم)، أيام الأسود والأبيض، مع الفنان (دريد لحّام – غوار الطوشة)، (ياسين بقّوش)، (نجاح حفيظ – فطوم حيص بيص)، (نهاد قلعي -حسني البورازان)، مع جيل مختلف من الفنانين الذين لم يبق منهم إلّا القليل.
ومن يذكر أغنية (يا أم العباية)، مؤكد أنه سيتساءل ولن يفاجأ إذا عرف أنها الفنانة السورية الرّاحلة (سهام رفقي)، وأجمل من يجيد تقليد فيروز، وإعادة انتاج أغانيها بنبرة صوت مميزة هي الفنّانة الصّاعدة (رفقا فارس). ولن ينسى (رفيق علي أحمد) الممثل اللبنانيّ بأدواره في المسلسلات التاريخية ماثلًا في الأذهان.
وإذا ما كنتُ في رفاقة فلان، أي أنني في صحبته ومعيّته، وصرتُ رفيقًا له، ومن رفَقَ في السير يكون قد اقتصد واعتدل في مشيه. وإذا رفَقَ الولد فيكون قد ضرب مرفقه، ومن رفَقَ صاحبَه اي نفعه بمنفعة، ورفَق الجمل: ربطه بالرفاق، ومن رفَقَ العمل يكون قد آحكمه وأتقنه، وماء رفَقَ: سهل المطلب، وكذلك كل حاجة رفَقُ فهي سهلة البغية والنّوال.
وفي مصطلح (مرافق عامّة) دلالة واضحة في المدن والتخطيط العمراني على الطرق والحدائق والحمامّات العامّة. على أن لجميع فئات الشعب حق الارتفاق، كونها مُتاحة مجّانًا أو مأجورة. تدار هذه المرافق ضمن دوائر متخصّصة محكومة بقوانين ناظمة لطريقة تشغيلها وإدارتها.
أقولها بصراحة: مصطلح (الرّفيق الأعلى) كان معناه الحقيقيّ كان غائبًا عن ذهني، وأفهمه على أن معناه (الله عزّ وجلّ)، إلى أن درستُ مادّة ( ر، ف ، ق)، لأتشوّق لصحبة النبيين والصدّيقين والشهداء والصّالحين، إذا ما انتقلت من دنياي إلى الرّفيق الأعلى، وحسُن ألئك رفيقًا. ولمّا خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الدنيا و الآخرة، اختار الآخرة، وقال: «اللّهم الرّفيق الأعلى».
ومن باب الذكرى، أختم بنصيحة يحفظها الجميع، «الرّفيق قبل الطريق»، لمن أراد السفر والارتحال.


عمّان – الأردن
5 / 8 / 2018