لماذا يدفع العرب فلسطين ثمن جريمة ألمانيا النازية وتعاون الصهيونية معها لحل المسألة اليهودية في اوروبا باستغلال الهولوكوست وإقامة اسرائيل وإرتكاب النكبة والهولوكوست بحق الشعب الفلسطيني؟
د. غازي حسين

انطلاقاً من قناعتي بمعاداة الأيديولوجيات والانظمة والحركات العنصرية في كل زمان ومكان أدين وأشجب جرائم النازية ضد جميع المعادين لها وضد اليهود غير الصهاينة والغجر، واعتبر هذه الجرائم جرائم حرب وجرائم ضد البشرية جمعاء، وتطهير عرقي بغيض.
كنت أؤكد هذه القناعات عندما كنت سفيراً لمنظمة التحرير الفلسطينية في فيينا أمام الأندية والجامعات والأحزاب النمساوية وفي الصحف ومحطات التلفزة، كما كنت أطرح قناعاتي هذه أمام الجامعات والأحزاب في ألمانيا وضمنتها أطروحة الدكتوراه الثانية التي دافعت عنها في كلية الحقوق بجامعة لايبزغ.
عرضت دور السينما الألمانية فيلم الهولوكوست في ألمانيا عام 1980، وجلب عرضه التعاطف الهائل مع جرائم «إسرائيل» ووحشيتها تجاه أبناء شعبنا العربي الفلسطيني واللبناني، وانتابني الذعر والغضب من أن يحصل الشيء نفسه في النمسا جراء عرضه هناك. فأصدرت بياناً وضحت فيه موقفي كسفير لمنظمة التحرير الفلسطينية من الهولوكوست النازي وإستغلاله البشع لتبرير الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. وأكدت فيه أنه لا يجوز استخدام الهولوكوست النازي لتبرير الهولوكوست والابارتايدالإسرائيلي والنكبة المستمرة على الشعب اتلفلسطيني.
وعرضته قبل نشره على السيد باول بونجر، أحد خبراء محكمة نورنبرغ ويهودي المعتقد وأيد الأفكار والآراء والمعلومات الواردة فيه.
فنشرته الصحف النمساوية والألمانية والسويسرية على أوسع نطاق وأجريت عشرات المقابلات الإذاعية والصحفية حوله، فاغتاظت «إسرائيل» وقدمت مذكرة احتجاج رسمية تطلب فيها من مستشار النمسا اليهودي كرايسكي تسفيري بتهمة تغذيتي معاداة السامية في النمسا.
استدعاني المستشار النمساوي برونو كرايسكي وكان وجهه يختلف عن المرات السابقة التي كان يستقبلني بها، فاعتقدت أن البيان الذي أصدرته حول الهولوكوست هو السبب في ذلك.
فأخرجت من جيبي على الفور البيان وقلت له أصدرت هذا البيان ويهمني رأيك وأعدك بأنني سأصدر بياناً آخر أصحح به خطأي إذا أقنعتني بوجود خطأ فكري أو سياسي فيه... قرأ كرايسكي البيان المكون من أربع صفحات ولاذ بالصمت. فتحرشت به وسألته هل هناك من خطأ فيه؟ فقال لي: جاءني السفير الإسرائيلي غاضباً ومحتجاً واتهمك باللاسامية وطلب مني أن أخرجك من النمسا. فسألته ما رأيك به بعد أن قرأته، فأجاب انس الموضوع.
وجاء الرئيس الأميركي المتصهين جورج بوش الابن وأصدر في نهاية عام 2005 قانوناً يعاقب كل من ينتقد الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بالسجن لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات.
إبتكرت واستغلت اليهودية العالمية والدول الغربية معزوفة الهولوكوست والمبالغة فيها لإقامة «إسرائيل» في فلسطين العربية ولتقويتها بشرياً واقتصادياً وعسكرياً ودعم الهجرة اليهودية، ولتسويغ حروبها العدوانية والستعمار الاستيطاني والإرهاب والعنصرية والهولوكوست المستمر تجاه الشعب العربي الفلسطيني وترحيله من وطنه ورفض حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، ولكسر الإرادات الفلسطينية والعربية الرسمية وفرض الهيمنة الإسرائيلية على شعوب وبلدان الشرق الأوسط الكبير، لتصفية قضية فلسطين ولصهينة المنطقة وأمركتها ومسح هويتها العربية الإسلامية وتحقيق نظرية المجال الحيوي للصهيونية وإقامة «إسرائيل العظمى» الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تبناه الكونغرس الامريكي والمسيحية الصهيونية واليمين السياسي الامريكي ورؤساء امريكا والذي وضعه الجاسوس اليهودي الحقير برنارد لويس.
وكانت الإبادة النازية أو الحل النهائي أو الهولوكوست كما سمته اليهودية العالمية حجر الأساس في تأسيس «إسرائيل»، وهيمنة الصهيونية واللوبيات اليهوديةعلى الإدارات الأمريكية والمانيا وبقية الدول الغربية.
رفع كتبة التوراة والتلمود «الكذب» إلى مرتبة القداسة الدينية، ما دفع بالفيلسوف الألماني الشهير ارتور شوبنهاور إلى القول إن اليهود أساتذة كبار في فن الكذب. وتبنى الصهاينة الأسلوب النازي في الدعاية الذي صاغه غوبلز وهو ترديد «الأكذوبة» عدة مرات لتصبح حقيقة. وغدت الأقاويل التي انطلقت من الذاكرة وليس من الوثائق حقائق استغلتها واستفادت منها النخب الأميركية اليهودية و«إسرائيل» ليبتزوا الأحياء من النازيين والأحزاب والمنظمات والحكومات الألمانية المتعاقبة وبقية الشعوب والحكومات الأوروبية. وأصبحت الأساطير والتزوير والمبالغة التي انطلقت من الذاكرة ومن الروايات والمسرحيات الأدبية التي اعتمدت على الذاكرة وبالغت بها المنظمات اليهودية والاحزاب في اوروبا لكي تتحكم بمشاعر وقلوب شعوب العالم حقائق لا تقبل الجدل أو النقاش، وارتقت إلى مرتبة القداسة بل وأقدس حتى من الديانات السماوية عند الرئيس الأمريكي أوباما وعند أعضاء الكونغرس الأمريكي.
إن ما فعلته «إسرائيل» وتفعله منذ تأسيسها وحتى اليوم بالشعب الفلسطيني وبالعرب، بدءاً من المجازر الجماعية والحروب العدوانية ومروراً بإجراء التجارب الطبية على الفدائيين وحقن أطفال الانتفاضة الأولى بفيروس الإيدز وحتى جرائم القتل والاغتيالات اليومية والحروب العدوانية والعقوبات الجماعيةعلى قطاع غزة والضفة الغربية تظهر بجلاء أن «إسرائيل» أسوأ من ألمانيا النازية، والصهيونية أسوأ من النازية، وشارون وموفاز وبيرس وبيغن وشامير ونتنياهو أسوأ من هتلر وهايدريش وغوبلز وهيرمان.
في عشية حرب حزيران العدوانية وخلال الحرب وبعدها أعادت النخب اليهودية الأميركية مجدداً إحياء الهولوكوست النازي للتغطية على الحرب العدوانية التي أشعلتها «إسرائيل» بالاتفاق مع إدارة الرئيس جونسون لاحتلال الشطر الشرقي من مدينة القدس العربية وبقية الضفة الغربية وقطاع غزة وصحراء سيناء والجولان وجنوب لبنان والسيطرة على الادارات الامريكية.
وسخرت الهولوكوست النازي للتغطية على الهولوكوست الإسرائيلي ولتخليد احتلال شطري القدس وضم المستعمرات اليهودية في الأراضي المحتلة والحيلولة دون إدانة اسرائيل وإقامة «دولة اليهود» العنصرية كأكبر غيتو يهودي في العالم في قلب البلدان العربية والإسلامية على شكل ثكنة عسكرية معادية لشعوب المنطقة وحليفة للإمبريالية الأمريكية وملوك وامراء الخليج ومعادية للعروبة والاسلام وحركات المقاومة والتحرر الوطني وكمركز للصهيونية للسطرة على بلدان الشرق الاوسط و العالم.
شاهدتُ في التلفزيون الألماني الرسمي zdf في 28/5/2006 برنامجاً حول قيام 25 ألف تلميذ وتلميذة سنوياً من «إسرائيل» بزيارة معسكر أوشفيتس في بولندا. وعلّق الإعلامي الألماني قائلاً: «إنني أتفهم لماذا يريد اليهود دولة لهم؟ وتابع حديثه قائلاً: إن «إسرائيل» هي الوحيدة التي يشعر اليهود فيها بالأمان»، وهذا غير صحيح على الإطلاق، بل العكس هو الصحيح.
أقول لهؤلاء الألمان: يجب إقامة مثل هذه الدولة إذا أرادت ألمانيا أن تكفرِّ عن ذنوبها على قطعة من ألمانيا ولتكن في بافاريا على سبيل المثال، لأن ألمانيا وأوروبا اضطهدوا اليهود ولأن اليهود هم من مواطني المانيا والدول الأوروبية. فألمانيا والنمسا أولى بهم لأنهم جزء لا يتجزأ من الشعوب الأوروبية والحضارة الغربية ولا يمتون للشرق بصلة.فالعلمانيون اليهود الاوروبيون ومن أصل خزري إستغلوا الاكاذيب والاطماع التي دونها كتبة التوراة والتلمود لاقامة كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين العربية.
إن جريمة الدول الأوروبية جريمة مزدوجة لأن ألمانيا النازية ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية بحق ضحايا النازية وترتكب اليوم أوروبا جريمة تأييد الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني عن طريق الدعم المالي والعسكري والسياسي والدبلوماسي والإعلامي لإسرائيل ووضعها فوق القانون الدولي. فالشعب الفلسطيني تعرض ويتعرض إلى أكبر عملية إبادة وتطهير عرقي وترحيل وإرهاب واضطهاد وتمييز على مرأى ومسمع دول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، ولم يحرك هؤلاء ساكناً حتى اليوم بسبب الاستغلال الفاحش للهولوكوست النازي، وبسبب معاداة الدول الغربية للعروبة والإسلام وحقوق الشعب الفلسطيني.
يؤكد العديد من المفكرين اليهود الأميركيين ومنهم نورمان فنكلشتاين أن النخب اليهودية الأميركية تذكرت الهولوكوست النازي من أجل حماية مصالحها ورصيدها الاستراتيجي، وزعمت عندما أشعلت «إسرائيل» الحرب عام 1967 أنها في خطر مميت، وكانوا يعرفون أن «إسرائيل» هي التي أشعلت الحرب واتهموا مصر باشعالها. وسخروا أسطورة الهولوكوست من أجل تعبئة اليهودية العالمية والولايات المتحدة وحكومة ألمانيا وبقية الدول الأوروبية لمصلحة دعم حرب «إسرائيل»العدوانية ومساعدتها بالعتاد والمال والدعم الإعلامي والسياسي لتهويد القدس وفلسطين. ووصلت الوحشية حداً قال فيه بعض اليهود المتدينين: «إن نور نصر حزيران 1967 عوّض عن ظلام الإبادة النازية».
ويعني هذا القول: تعويض الهولوكوست النازي بارتكاب الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب العربي الفلسطيني.
خلاصة القول: إن الشعب الفلسطيني ضحية الجرائم النازية والتعويضات وهدايا الأسلحة الألمانية التي لا مثيل لها في العلاقات الدولية، وضحية مواقف بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة المؤيدة لـ «إسرائيل» وتأييد آل سعود وثاني ونهيان وخليفة لإسرائيل ولممارستها للإبادة والإرهاب والاغتيالات والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية، وضحية مزدوجة للهولوكوست النازي والهولوكوست الإسرائيلي، ما يلحق أفدح الأضراربحقوق الشعب الفلسطيني و بمصالح شعوب المنطقة وشعوب العالم كافة والسلام العالمي.
ويظهر بجلاء أن إسرائيل أكبر تهديد للسلام العالمي وأسوأ من النازية في ألمانيا والأبارتايد في جنوب إفريقيا، ويستحيل التعايش معها والقبول بها رغم أنف السعودية ومصيرها إلى الزوال.