العنف الذي يحكمنا/ مصطفى ابراهيم
24/6/2018


أحياناً نعرف أكثر من الذي يجب أن نعرفه، وما هي القواعد التي يجب خرقها والتي يجب الالتزام بها، وهذا ما شغل الفلاسفة قديما وناقشوها في محاولة لرسم حدود فاصلة بين ما يجب أن نلتزم به وما لا يجب، وفي حالتنا الجدل مستمر منذ 12 عاماً من الانقسام وقبل ذلك بسنوات طويلة والانقسامات التي سادت بين الفلسطينيين.
الفلسطينيون يسيرون على الشوك أو على حد السيف، ونحاول تعليم اولادنا ونشر ثقافة ان أفراد الأجهزة الأمنية يسعون للخير عندما يحتاجهم الإنسان، ويوفروا له الحماية والامان، وفي المقابل نقول أنهم لا يسعون للخير عندما لا يطبقون القانون أو يستخدمونه لأمور جائرة وظالمة.
وأخشى ما أخشاه أن يكون القمع والعنف القاسي في يوم الاربعاء الأسود ضد مظاهرة رام الله المطالبة برفع العقوبات عن قطاع غزة، مقدمة لموجة من العنف القادم في الضفة الغربية وصراع الاجندات والأبوات لوراثة الرئيس. وربما هي بروفة ورسالة للأطراف مجتمعة ومحاولة الطرف الأقوى من جميع الأطراف ليس ترويع الناس وكي وعيهم ومنعهم من التظاهر والإحتجاج فقط، إنما تخويف الآخرين داخل النظام. فالصور التي شاهدناها في رام الله ورسمناها لأنفسنا للردع تبشر بمستقبل رهيب من العنف والإقتتال من أجل الهيمنة والسيطرة على السلطة.
نحن الفلسطينيون العاجزون والمنهكون والمنقسمون اصبحنا نواجه قمعنا لأنفسنا بتعميق الهوة بين الإخوة وأبناء الوطن الواحد والهوية والتاريخ والمصير المشترك.
وفي ظل كل ذلك لم يشفع للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية استيقاظ أبوتها الحنونة فجأة وتوزيع الأعلام الفلسطينية على المحتجين في رام الله، وقسوة العنف الذي استخدمته السلطة وبعض الأجهزة الأمنية الذين ارتدى بعضهم الزي المدني لا تمحى من الذاكرة بسهولة، فاللحظات التي تعرض لها الناس للقمع والعنف والمشاعر الحزينة وعدم القدرة عن الدفاع عن النفس، ستترك اثرا لا يمحوه الزمن من ذاكرتهم وقلوبهم وعقولهم وشعور بالحزن واللوعة.
من أشكال الاحتجاج التعبير عن الرأي والتجمع السلمي وتجسيداتهما في إنهاء الإنقسام ورفع العقوبات عن قطاع غزة، وإعادة الحقوق والاعتبار للهوية الفلسطينية ومواجهة المخاطر وتصفية القضية الفلسطينية تحت ما يسمى صفقة القرن، وفي وقت يسود فيه الشعور بالعجز، وما يوجهه الفلسطينيين من أزمة تعصف بمشروعهم الوطني. لم يعد الموضوع فقط في تعاظم التوتر والاحتقان اللذان يسودان الاراضي الفلسطينية. فالأزمة تتجلى في تعاظم العنف والكراهية والتخوين والتكفير والتهديد بالقتل وعدم قبول الآخر، وتهديد للسلم الاهلي وإضعاف مناعة ونجاعة الجبهة الداخلية لشعب يعاني من الاحتلال ويناضل ضده من أجل الحرية، و‫أخطر ما سيعلق في الذاكرة هو حجم العنف وقسوته، وان يمارسه طرف المفروض انه ينفذ القانون ويحميه ويعززه.
لم يعد أمام الفلسطينيين سوى التحلي بالحكمة وانقاذ ما يمكن إنقاذه داخليا، بفتح حوار وطني شامل وفكفكة أزماتهم الداخلية بإنهاء الانقسام وإعادة الوحدة الداخلية أولًا وقبل كل شيء. وإلا كيف سنواجه الاحتلال وصفقة القرن، والاخطر داخليا العنف الذي يحكمنا، وكيف سنميز بين القانون العادل والقانون الجائر، والخوف الذي يصنعه النظام السياسي وأجهزته الأمنية التي تنفذ أجندة النظام ويمتلك السلطة وأدوات العنف؟
المستقبل مخيف وبذور الصراع تنمو وتزدهر والشعور السائد وكأن هناك ثأر بين عموم الفلسطينيين يسعون للانتقام كل من الاخر، وتغذيه السلطات الحاكمة بعدم الحكمة وقصر النظر وغياب القائد الزعيم الذي يتحلى بالشجاعة والمسؤولية الوطنية والأخلاقية، ووقف النزيف وتعميق الإنقسام، وتمزيق الهوية الفلسطينية الجامعة وزعزعة جذور الثقة في الروح الوطنية ضرورة عاجلة وتستدعي تحرك وطني ووقف التدهور والانحطاط. ‬