زوال الـغـمّ والـهـم .. في قوله تعالى ( فألـقـيـهِ في الـيـمّ )

لا يخفى على شريف علمكم ونور بصيرتكم أنّ أحداث هذا الوجود لا تسير خبط عشواء ، ولا وفق ما يبـيّته جبابر البشر من مكر ودهاء ، إنما هي محكومة بمن بيده تصاريف القضاء ، لذا فالمؤمن راسخ الإيمان يوقن أن الشدائد – لا محالة - إلى تـقـشع وانقضاء ، متى سرنا في ركاب الخيارات الربانية المحروسة بالإرادة الإلهية .
ويطالعك في هذا قوله تعالى ( وكلّ أمر مستقر )( القمر3) فكل حدث جار في هذا الوجود سينتهي وفق الإرادة الرّبانية العزيزة الرّحيمة ، وليس وفق الإرادات البشرية المذءومة ، ولا المخططات العدوانية المشؤومة .
في ضوء ذلك ففقه سنن الله تعالى في تصريف هذا الوجود وتقلّب المؤمنين فيه ما بين حالتي الضراء والسّراء ، والمحنة والمنحة ، والضير والخير ، من شأنه أن يجعل المؤمن يأوي إلى ركن شديد ، يقيه وهاد اليأس ، وينتشله من غياهب الإحباط ، ويزرع فيه الثقة والأمل ، ويجلل النفوس البئيسة بالرضا ، ويزيل همّـاً في الفؤاد مسربلا !
وحسبك أنه في الوقت الذي ناوأ فيه فرعون ذو الحَوْل والطول والبأس والشوكة وآلة الحرب والبطش السنن الربانية والنواميس الإلهية ، فطفق يذبح أبناء بني إسرائيل ويستحي نساءهم ، ظناً منه ووهماً أنه سينازع الإرادة الربانية ، فكان أن خاب فأله وفشل ظنه ( فغشيهم من اليمّ ما غشيهم وأضلّ فرعون قومه وما هدى ) (طه78)
في حين أمّ موسى التي لا تستطيع حيلة ، المجردة من كلّ وسيلة ، قامت بمجاراة الخيارات الربانية ؛ فبدل أن تضمّ ابنها إلى صدرها وتغطيه في حجرها ضناً به عن المهالك ، فإذا بها تلقيه للموج يقيناً منها وثقة بأنّ هذا الصنيع سيسلك به للنجاة المسالك ؛ ما دام يتماشى مع الخيار الربانيّ ، الذي ظاهره تلاطم أمواج ، وباطنه نصر وظفر وانفراج .
وهذا ديدن الشعوب الواعية الناضجة المؤمنة الموقنة ، فحينما تلقي بثقلها وبالنفيس والرخيص في غمار الخيارات الربانية دونما تأفف ولا تذمّر ولا تضجّر ولا تبرّم ولا تسخط ، فستلتقط الإرادة الربانية منها هذا الصنيع الوضيء ليكون لها خبيئة نيّرة وضريبة خيّرة تفضي بها إلى النصر والعز والتمكين ، ولعدوها غماً وهمّـاً وحَزَناً وحسرة وخيبة وهزيمة .
ذلك أنّ وعد الله تعالى – بالنصر والظفر والفرج واليسر بعد العسر - الظاهر للقلوب ، القلوب المؤمنة المصدقة الموقنة غير المرتابة لهو أصدق من الواقع الظاهر العيون ، وما يكتنفه من توجـسات وتخرّصات وتحديات وظنون ، فإذا كان ذلك كذلك : فارتقب واصطبر .