نجل الراحل أحمد خالد توفيق: أبى كتب رواياته وهو يحدثنا خلال الغداء والعشاء


حوار ــ مـاهــــر مـقـلـد






نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
الأديب يحتضن ابنيه محمد ومريم





  • نجل أحمد خالد توفيق يكشف لـ«الأهرام» الساعات الأخيرة فى حياة والده :

  • قبل وفاته استبدل ثيابه ونطق بعبارة واحدة

  • أبى كتب رواياته وهو يحدثنا خلال الغداء والعشاء

  • العلاقة مع الإخوان شائعة مغرضة

  • أمى من هول الصدمة لا تتحدث ونتعامل معها بلغة الإشارة


آخر كلمات قالها الدكتور أحمد خالد توفيق قبل وفاته بيوم إنه فخور بأن شباب مصر أصبح أكثر رغبة فى القراءة، وأن بعض المصطلحات الطبية التى كان يستخدمها فى رواياته وأعماله يستعين بها طلاب كليات الطب فى الإجابة داخل لجان الامتحان، وكثيرا ما كان يكتب طالب الطب الإجابة «كما ذكر الدكتور أحمد خالد توفيق».
وروى محمد نجله لـ«الأهرام» الساعات الأخيرة فى حياة والده وهو فى مستشفى عين شمس الجامعى وحتى لحظة وفاته، وقال محمد إنه لم يكن يتخيل أن تكون مشاعر الناس بعد وفاته بهذه الحالة، وإن والده توفى بشكل مفاجئ بعد أن خضع لعملية كى بالكهرباء على عضلة القلب وتحسنت حالته، ولكنه بعدها فقد الوعى وتوفى فى الحال، وان الخدمة الطبية التى كانت تقدم له على أفضل مستوى طبى.
وأضاف أن سر مشاهد الحب التى ظهرت بعد وفاته، يعود إلى أنه كان مبدعا يمثل لكل فرد فى العائلة حالة خاصة، بمعنى أنه يمثل للابن دور الأب وللأب دور الابن وللأخ دور الأخ، وهذا هو سر حب الناس والالتفاف الكبير حوله، حيث نجح فى مخاطبة العقول واحترامها من خلال كتاباته التى تعاملت بشكل مؤثر مع القارئ.
وأشار إلى أنه كان يعرف أن حالته الصحية غير مستقرة بسبب متاعب القلب، لكننا لم نتخيل أنه فى مرحلة الخطر. وأضاف كان معتدلا فى ساعات العمل. ففى الصباح يذهب إلى الجامعة وفى ساعات المساء فى المنزل لا يفضل الخروج، وكان يتعامل بحب مع الحياة ولا يقسو على نفسه،
وكانت الكتابة بالنسبة له شيئا عاديا لا تشعر بأنه أمر يضغط عليه، وكان لا يتركنا من أجل أن يكتب بل يأخذ الأمور بشكل طبيعى جدا، وهو أب لا يتدخل فى الاختيارات الخاصة بى ولا بشقيقتى مريم، ويؤمن بالحرية الشخصية وفق القواعد المصرية، وكان يحب الفن والسفر.
وقال: ما يطمئننا أن الناس لن تنسى اسمه، واعترف محمد بأنه لم يقرأ كل أعماله، لكنه عاد وقال: يمكن القول إنى قرأت كل أعماله لأن ما كان يتكلم فيه ونحن على الغداء أو العشاء هو الذى يكتبه فى رواياته أو مقالاته، وهنا أقول إن كلامه معنا ومع غيرنا هو إنتاجه الأدبى يكتب ما يقول وكل مقالاته كانت الحديث العادى معنا.
وأضاف: منذ خبر وفاته والاتصالات لم تتوقف من أسماء كبيرة وشخصيات لا حصر لها، والشكر لكل مصرى وكل عربى كتب أو تواصل معنا.، قال إن أمى منذ لحظة الوفاة وحتى الآن لا تتكلم من هول الصدمة، ونتعامل معها بلغة الإشارة، وهى عاشت لحظة الموت معه فى مستشفى عين شمس الجامعى حيث كان يعالج هناك من متاعب القلب.
وكشف عن أن الطبيبة التى كانت تتولى علاجه واحدة من أمهر الأطباء المتخصصين فى كهرباء القلب فى مصر، وهى تتابع حالته منذ سنوات، وبسبب الضعف الشديد فى عضلة القلب، قررت تغيير جهاز كهربة القلب، وتم استيراد جهاز من الخارج وصل بالفعل، ولكنه لم يخرج من الجمارك، وبسبب التعب المفاجيء دخل المستشفي، وتم عمل كى لتنشيط القلب، وبعدها أفاق واستبدل ملابسه وتحدث مع أمى وكل الموجودين، وبحث عن نظارته وبعدها فى ثوان لا تزيد على 50 ثانية بدت عليه علامات الإرهاق الشديد، وقال أشعر بأننى فى حالة «مش مظبوطة» وبعدها مباشرة غاب عن الوعى ولفظ أنفاسه الأخيرة.
ووالدى ورث عن جدى مكتبة ضخمة حيث كان جدى يعمل مديرا لمصنع الغزل والنسيج، وكان يجيد 5 لغات حية ويحتفظ فى مكتبته بكل الأعداد التاريخية للأهرام والأخبار والجمهورية، ولذلك جاء شغفه بالقراءة.
ونفى أن تكون هناك أى اتجاهات سياسية لوالدى أو علاقة بجماعة الإخوان، كما حاول البعض أن يردد، وهو رجل قومى وله بعض الآراء التى تتماشى مع عقلية المثقف، وحصل العام الماضى على جائزة الشارقة فى الرواية، وهو شخصية خجولة شديدة التواضع، وكانت المشاهد بعد وفاته معبرة عن حب غير مسبوق لكاتب عبر عنه جموع القراء فى مختلف دول العالم.
ويقول الدكتور جمال شعبان، رئيس جمعية كهرباء القلب فى مصر، إن ما تم تقديمه من علاج للدكتور أحمد خالد هو أعلى مستوى طبي، وان الجهاز الذى تم زرعه له قبل 8 سنوات على يد الدكتور وجدى جلال، كان بمثابة إنقاذ حياته، وان الدكتورة هيام الدمنهورى تولت علاجه على أفضل ما يكون، وان الاهتمام به كان على أعلى مستوى كزميل ومريض ومبدع معروف ومحبوب، وإن المستشفى الجامعى الذى كان يعالج به هو صرح طبى مهم ومرموق وينتسب لجامعة عريقة هى جامعة عين شمس، لكن الحالة الصحية للمريض وقضاء الله هما فوق كل شيء.
أحمد .. الإنسان
كتب _ هانى الجمل :

لم يدر بخلدى يوما أننى سأكتب كلمات فى وداع أخى وصديقى وعديلى دكتور أحمد خالد توفيق الذى عرفته عن قرب منذ خمسة وعشرين عاما.. ولأن كثيرا من النقاد قد تحدثوا عن ثقافته الواسعة واطلاعه الكبير على أمهات الكتب بفضل المكتبة الضخمة التى ورثها عن والده الذى كان يجيد عدة لغات ونهل منها منذ نعومة اظفاره فإننى سأتوقف هنا مع بعض الملامح الانسانية فى شخصية هذا الرجل الذى رحل عنا بجسده فقط.. ولا يمكن هنا أن أنسى كلماته ووصيته التى خصنى بها حينما كان فى العناية المركزة بالمستشفى الجامعى وطلب منى الدنو منه ليقول لى (خلى بالك من محمد ومريم) فكم كانت تلك الكلمات صعبة ومؤثرة وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنه بي.. ولأنه إنسان بطبعه فلم يستمر طويلا فى مهنة الطب التى كان من أوائل طلابها وفتح من أجلها عيادة فى طنطا، وأخرى فى كفر الزيات، حيث كان يتقاضى مبلغا رمزيا من مرضاه وأحيانا لا ياخذ شيئا بل يعطيهم ثمن الدواء.. ولأنه محب للأدب بطبعه فقد تغلبت الهواية على المهنة وكسب الأدب العربى كاتبا عميقا فى رؤيته موغلا فى إنسانيته حيث يستحى أن يرد سائلا سواء كان مريضا أو طالبا أو باحثا أو حتى قارئا.
ومن الغريب إن تتحلى تلك الشخصية المثقفة بالتواضع الجم الذى يخجل معه فى سماع مديح أو ثناء لشخصه ويسعده فقط أنه استطاع أن يجذب الشباب إلى القراءة.. ولذلك لم أفاجأ ونحن نصلى عليه بآلاف من الكبار والصغار ومن الرجال والسيدات وقد جاءوا من مختلف المدن والقرى لتوديع هذا الرجل الذى لم يمهله القدر ومات فى العقد الخامس ليترك لنا جيلا محبا للقراءة.. ولهذا لم نفاجأ ونحن نرى إحدى الشابات وهى تعلق يافطة على قبره مكتوبا عليها (رحمك الله يا من علمتنا القراءة).. كما لم نفاجأ بجمع محبيه للمال وادخال المياه فى بعض قرى الصعيد كصدقة جارية منهم على روحه الطاهرة وأداء آخرين لعمرة له بالأراضى المقدسة..
وفى النهاية يظل أحمد خالد الإنسان هو الباقى فى عقلى وقلبى بحكم علاقتنا الوثيقة ويظل أحمد خالد المثقف والأديب ملهما للشباب الذين رأوا فيه القدوة والمثل.. رحم الله أحمد خالد.
محاضرا وكاتبا وأديبا وإنسانا وألهمنا جميعا الصبر والسلوان.