ويبقى الأمل ..
شهادة إبداعية للقاص مؤيد أبو قديري قدمت في حفل اشهار مجموعته القصصية (ويبقى الأمل) في قاعة دليوان المجالي مدينة الربة يوم الثلاثاء 20/2/2018
بقلم الروائي - محمد فتحي المقداد

ويبقى الأمل .. حادينا لمتابعة الطريق لاهثين خلف لائحة الأحلام المعلنة وغيرها، لعنة الأحلام إنّما خلقت لتبقينا متشبثين بأهدابها، رغم أن أكثرها أضغاثٌ يستحيل تحققها.
فلا حياة بلا أمل قائم تهفو إليه عقولنا، على متن قطار يمضي بوتيرة سريعة للحاق بركب الأمل المنشود. وعلى رأي شاعر الرجز:
«يا من بدنياه اشتغل .... قد غرّه طول الأمل
الموت يأتي بغتة .... والقبر صندوق العمل»
فطول الأمل غفلة، وندعو الله جميعّا أن لا نكون في عداد الغافلين.
ويبقى الأمل.. هاتان الكلمتان اتّخذ منهما الشاب الواعد مؤيد أبو قديري، عنوانًا لمجموعته القصصية التي صدرت حديثًا، فكان هذا العنوان مدخلًا موفّقًا إلى عتبة نصوصه، المرتكزة على القيم الاجتماعية والدينية في مجتمع محافظ متكافل، يسعى للحالة المُثلى العليا في نشر السلام الاجتماعيّ.
جاءت المجموعة بسبعة نصوص قصصية قصيرة، نسجها مؤيد بحسّه الأدبي المرهف، وبنفس مُصلح اجتماعي، أخذ على عاتقه التأكيد على قيم الصدق والأمانة والاستقامة، بما يخدم أمان وسلم المجتمع.
جاءت نصوص هذه المجموعة واضحة لا لبس فيها، جليّة كالشمس في رابعة النهار، بأسلوب قصصيّ شيّق بعيد عن الملل، تُشجّع القارئ بمتابعتها بنهم بمواصلة القراءة إلى نهاية كل نص.
انتقاء مؤيد لعناوين نصوصه بدلالة دقيقة لمجاراة سرد الحدث داخل كل نص، ففي قصّته الأولى في الكتاب (هكذا يفكّرون) كانت أول عبارة: «سالم شاب في مقتبل عمره. عُرف بين أبناء قريته بالصدق والأمانة، وكان بارًّا بوالديه». ومن شدّة إعجابي بوعي مؤيد العالي لما يدور حوله، وفطنته لخطر الإرهاب والتطرّف الأعمى بفكره الأسود القاتل لكل مباهج الحياة، وهو لا يفرّق بين الصالح والطالح.
«وإذا كان الكذب يُنجي فإن الصدق أنجى وأنجى»، هذه أهم عبارة حفظتُها في حياتي كانت مكتوبة على لوحة معلقة في الصف الرابع الإبتدائي 1974، والمعلم آنذاك لا يملّ أبدًا من إجبارنا على التطلع إليها كلّما شعر بكذبة أحد الطلّاب، مؤيد أيضًا عنون نصّا آخر (الصدق منجاة)، وفي نص (الجار الجديد) ركّز على قيمة عزيزة بمكانتها في أذهاننا «أن الاعتراف بالذنب فضيلة» وهي من مكارم الأخلاق، وتحققت رسالة النص عندما بادر جميع سكان الحارة للصفح والعفو عن ابن الجار المسيء، وكان التطبيق على أرض الواقع تحقيقًا لمقولة: «الجار قبل الدّار».
وجاء النص الأخير (غلطة العمر) في المجموعة ليكون درسًا للشباب في التعقّل في مسيرة حياتهم، والاستماع والتذكّر الدّائم لنصائح الوالديْن. مختتمًا مؤيد النص، بقوله: «ليس المهمّ أن تكون سائقًا محترفًا، ولكن من المهمّ ألّا يؤثّر عليك أصدقاؤك يآرائهم الخاطئة»، درسٌ مُكلف للشاب الطائش المتهوّر في قيادة السيّارة بجنون، مبتعدًا عن مقولة: «في التأني السلامة»، ومقولة: «القيادة فن وذوق وأخلاق».
عوْدٌ على بدء، فقد ألزمي الموضوع القِيَمي بتجاوز ترتيب بعض العناوين المهمة، لاستكمال وحدة الطرح وتكامله، ومن أهم النصوص في المجموعة نص بعنوان (القدس)، وفيه تركيز هائل على مقاومة العدو وجداره العنصريّ الفاصل، ولم يثنهم الموت عن متابعة المقاومة دون هوادة، وفي آخر النص يقول أبو قديري: «سيبقى الدم يسيل حتى تتحرّر فلسطين». و لابدّ هنا للتنويه إلى موقف الأردن المناصر للقضية الفلسطينية، المناهض والرافض لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلّة، والمواقف لها ثمنها، وربما تكون باهضة كما حصل للأردن.
ويبقى الأمل تحديًّا من خلال استحضار الأديب الناشئ مؤيّد لقضية المقاومة، بقوله: «اتجه عبدالله نحو القدس من طرق التفافيّة إلى حيث المسجد الأقصى، وصلى صلاة الظهر، وتوجّه نحو مصطبة الكرك التي تطلّ على الأهل في شرق الأردن، والتي انطلق منها صلاح الدين لتحرير الأقصى».
هذه الكرك التي أنجبت الأحرار على مدار التاريخ، وما مؤيد بمجموعته القصصية، وجود مبيضين بروايتها، إلا نتاج الكرك الثقافي الذي سينمو ويشع بفكره الصافي لإنارة ربوع الوطن العربي.
في القسم الثاني مجموعة نصوص قصصية قصيرة جدّا، متقنة السّبك رصينة الأفكار منفتحة على فضاء واسع من القراءات والتحليلات، وهو لون أدبي ما زال ناشئًا لم يتقعّد ويقولب. وسيبقى الأمل هو رهاننا على مستقبل مشرق بالعزة والكرامة لأمتنا. دمتم بخير.
الربة / الكرك
20 – 2 - 2018