"لا يوجد اي عيد للمعلم في اليابان"


سألت زميلي الياباني ذات مرة : متى تحتفل ببلدكم بعيد المعلم وكيف تحتفلون به ؟
أجاب مندهشا من سؤالي : ليس لدينا أي عيد للمعلم .
عند سماعي لجوابه , بقيت في حيرة وهل سأصدق ما يقوله أم لا !!
فداهمتني فكرة : "لماذا هذه العلاقة السلبية تجاه المعلم ومنجزاته في بلد متطور اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا" ؟
وفي يوم من الأيام وبعد نهاية الدوام , قدم لي زميلي الياباني دعوة ضيافة إلى بيته . وبحكم أنه كان يعيش بعيدا عن موقع العمل ، فقد ذهبنا إليه بالمترو في ساعات ذروة الزحمة المسائية وكانت عربات مترو الانفاق ممتلئة حتى التخمة وبالكاد تمكنا من الدخول إلى العربة . فوقفت بجانب الباب ممسكا بالقائم المخصص , وفجأة رأيت أن الرجل العجوز الذي كان جالسا على المقعد أمامي قد أخلى مكانه ويدعوني للجلوس . ولكني لم أفهم معنى هذا الأحترام نحوي من قبل رجل عجوز وأنا أصغره بكثير من السنوات , فحاولت الرفض ولكنه أصر على موقفه , فأضطريت للجلوس .
بعد الخروج من المترو , طلبت من زميلي الياباني أن يوضح لي معنى موقف هذا الرجل العجوز . أبتسم صديقي مؤشرا إلى الميدالية التي أحملها على صدري ، قائلا :
هذا الرجل العجوز رأى ميدالية "المعلم" المعلقة على صدرك . وتعبيرا عن إحترامه لك كمعلم , تنازل لك عن مقعده بالمترو .
وبما أنني ذاهب للمرة الأولى في ضيافة صديقي الياباني إلى بيته , فقد فكرت بأنه من المخجل أن أدخل بيته خالي اليدين . فقررت شراء هدية وأشركت صديقي في مناقشة ما أفكر به ، فوجدته مؤيدا للفكرة وقال بأن أمامنا محل تجاري خاص بالمعلمين حيث يمكن أن نشتري ما نريد بتخفيض يتميز به المعلمون . ولكني هنا من جديد لم أتمالك نفسي من سؤاله : هل هذه امتيازات يتمتع بها المعلمون فقط ؟
هز رأسه بالموافقة وتأكيدا لكلامي وقال :
مهنة المعلم في اليابان هي أكثر المهن احتراما وأكثر إنسان يحترم في اليابان هو المعلم الياباني . ويفخر أي تاجر ياباني حين يرى معلما يدخل محله ويعتبر هذا تشريفا له ولمحله .
خلال فترة تواجدي في اليابان , لاحظت بتكرار كيف يحترم اليابانيون المعلم بلا حدود . فهناك مقاعد خاصة للمعلمين في المترو وكل وسائل المواصلات والمعلمون لا يقفون بالدور لشراء تذاكر المسرح أو السينما ولهم محلات تجارية خاصة . وعندها سألت نفسي : ما حاجة المعلم الياباني ليوم في السنة للاحتفاء به ما دام كل يوم عنده عيد ؟؟
وأنا أحدثكم عن هذه الحكاية , أتمنى من أعماق قلبي بأن تنضج مجتمعاتنا إلى نصف هذا المستوى أو أقل أو إلى جزء مثيلة هذه العلاقة نحو المعلم والتي لم أراها في أي دولة عربية غير المغرب .
فقد لاحظت هذه العلاقة في حادثتين .
الحادثة الأولى ~ عندما أوقفني رجل المرور وأنا أقود السيارة وقال لي : أنت عامل مخالفة يا سيدي , موضحا لي مخالفة السير تلك وكانت مخالفة حقيقية وواضحة . طلب وثائقي , فقدمت له جوازي اليمني ورخصة قيادتي الروسية . فسألني : ماذا تعمل هنا في المغرب ؟
أجبته : لدينا علاقة تعاون مع "جامعة عبد المالك السعدي وتواجدي هنا للعمل خلال الصيف .
سألني : هل أنت أستاذ ؟
قلت له : نعم وهذا مكتوب في جواز سفري .
قال لي : عندما أرضعتني أمي , قالت لي لا تخالف أي معلم مهما حصل إلا إذا ارتكب جريمة وليس مخالفة . ولذلك , عندي مبدأ بعدم مخالفة أو تغريم أي معلم . تفضل وثائقك يا سيدي وأتمنى أن تعتني بنفسك .
الحادثة الثانية ~ عندما كنت في مطار "محمد الخامس" , أراد رجال الجمارك تفتيش حقيبتي , فنظر إلى جواز سفري وقال لي : أنت أستاذ !! أتمنى لك رحلة سعيدة .


فكلمة شكر ومحبة وعرفان لكل معلم علمني حرفاً أو كلمة أو جملة أو معلومة . فأنتم أيها المعلمون صفوة المجتمع .
منقول
🙏💐 💐🙏