في إطارالتحولات الفكرية الكبرى في السعودية.... نشرت صحيفة المدينة السعودية حوارات مطولة للمفكر الإسلامي وائل مرزا حول مشروع إخاء الأديان وإسلام بلا حروب ...........
كتب الدكتور وائل مرزا ....
يضع الصديق الدكتور محمد حبش لكتابه، الذي استعرنا عنوان المقال منه حرفياً، تقديماً مُعبراً يتمثل بالآية الكريمة: {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لايحب المفسدين}.
ثمة دلالات كبرى في هذه الآية، بصياغتها العجيبة. لن نعود هنا إلى التفسيرات التقليدية لها، وإنما ننظر إليها كآيةٍ مُحكَمة جاءت، وسط آيات متشابهة أخرى كثيرة ذات صلة بالموضوع، لتضع قاعدةً أساسية من قواعد التعامل مع جانب العنف، الموجود في الإنسان حتماً، دون قدرة أحدٍ على إنكاره بسذاجة.
فالقرآن نفسُه نقلَ عن الملائكة، في قصة بداية الخلق، تساؤلهم عن ضرورة وجود إنسانٍ على هذه الأرض {يُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل}. لكن إجابة الخالق كانت تتضمن إشارةً إلى معرفته بامتزاج الخير بالشر في هذا المخلوق الفريد، وبأن التحدي الأكبر أمامه يكمن في جهده الذاتي، نفسياً وفكرياً وعملياً، لتغليب الخير، إرادةً وممارسة، وصولاً لخيرٍ أكبر له هو، وللبشرية جمعاء. هذا ماحصل في تاريخ البشرية ويحصل، رغم كل ماجرى ويجري فيه من عنفٍ وحروب. نكتب هذه الكلمات ونحن نعيش أجواء مجزرةٍ من أكبر مجازر العصر، تتمثل فيما يحصل لأهلنا السوريين في غوطة دمشق.
مايجري عارٌ على جبين صانعي القرار في العالم شرقاً وغرباً، وهو يدخل فيما تحدَّثت عنه الملائكة بالتحديد. رغم هذا، نوقن بأن الحدث، ومن ورائه المأساة السورية بأسرها، جزءٌ من مخاض ولادةٍ جديدة سيشهدها العالم، ولو أنها ستحصل بعد عنفٍ كثيرٍ قادم.. سيأخذ في طريقه كل من أفسد ويُفسد في الأرض، وكل من يُشارك في إهلاك الحرث والنسل، وكل من يوقد نار الحروب، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. ونوقن أن هذا لن يجري بمعجزةٍ من السماء، وإنما بقوةٍ هائلة كامنة في سنن الاجتماع البشري وقوانينه، ستفرض نفسها وجبروتها، وتسري على الجميع نهاية المطاف.
والمقصود هنا، وهو مايحاول الكتاب الإلماح إليه وتأكيده، أن تصديق أي إنسان بهذه الرسالة يحمل في طيّاته التزاماً حاسماً من قِبَلِه بكون هذه الرسالة {رحمةً للعالمين}، قبل أي شيء آخر، بدلالة النص القرآني المُحكم المعروف. من هنا، فإن تقديم هذه الرحمة {للعالمين}، أي لكل إنسان بغض النظر عن جنسه وانتمائه، يجب أن يكون محور حركة الإنسان الذي يُصدّق بالرسالة.
لكن التحدي يزداد، بطبيعة الحال، فيما يتعلق بهذا الالتزام، عندما يصدر عن بعض أولئك {العالمين} مايؤذي حامل الرسالة، أو غيره من البشر، بأشكال مختلفة. فهنا، يصبح سهلاً الارتكاسُ إلى غرائز وحشية بحتة، موجودة في فطرة الإنسان، التي تعبّرُ عن أقل ما في تلك الفطرة من مقومات السموّ والتعالي، ويمكن، بالتالي، إلغاءُ كل ما له علاقة بوظيفة الرحمة للعالمين من حسابات المسلم في علاقاته مع الآخر، وبتعميمٍ قاطع يشمل جميع شرائح البشر فيه..
إن جوهر وجودنا كمسلمين، وإن جوهر وجود هذه الرسالة، يتمثل في التأكيد المستمر على وظيفة (الرحمة للعالمين) مهما اشتدّ طغيان الإنسان وجبروته وفساده. بل إن قيمة تلك الوظيفة تتأكد أكثر بسبب وجود مثل ذلك الطغيان والفساد والجبروت، إذ لا معنى أصلاً لوجود مَن يجاهد في الحياة لينشر الرحمة للعالمين، عبر عملية المدافعة، لو لم يكن فيها ذلك الطغيان والفساد والجبروت.
وإن دلالات آية {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} لا يجب أن تتوقف أبداً عند حدود النصر والتمكين العسكريين. وإنما هي أوسع من ذلك بكثير، أخلاقياً وثقافياً ونفسياً، لأنها تتضمن دائماً تلك القدرة الهائلة على استيعاب الضعف البشري والخطأ البشري، وعلى التعامل معه بجميع الطرق، لإعادة توجيهه في مسار تأكيد قيم الحق والخير والعدل والحرية والجمال.
رغم كل هذا، ثمة مسألة حساسة، نلفت انتباه القارئ الكريم إليها، تتمثل في ألا يستعجل في حكمه، ويستنتج من هذا الكلام دعوةً إلى السذاجة السياسية والثقافية فيما يتعلق بدور القوة والمصالح في رسم السياسات العالمية، أو دعوةً إلى السلبية تجاه ما يجري في هذا العالم من تخطيط سياسي واقتصادي وعسكري وثقافي. وهو تخطيطٌ فيه الكثير من الفساد والإفساد، وينتج عنه هلاكٌ للحرث والنسل. لأن تلك الدعوة هي أبعدُ ما تكون عن المراد من وراء هذا العرض والتحليل.
على العكس من ذلك تماماً، قد يمكن لهذه النظرة الشمولية أن تكون أدعى لرؤية ذلك التخطيط في أبعاده الكبرى، وفي معرفة جذوره وأهدافه، ورؤية أساليبه ووسائله. كونها تنظر إلى الأحداث من منظارٍ أكبر، يمكن أن ترى من خلاله أبعاد الصورة بشكلٍ أوضح بكثير.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي