د. غازي حسين

رفع الصهاينة ورجال الدين اليهودي «الإرهاب والإبادة إلى مرتبة القداسة الدينية.
وأكد جابوتنسكي المضمون الديني للإرهاب وقال بأن «التوراة والسيف انزلا علينا من السماء» وأن الاستعمار الصهيوني سيتحقق رغم إرادة السكان الأصليين».
وأكد الحاخام إبراهام كوك على الإيمان الديني بسفك الدماء وممارسة الإرهاب وقال: «تتطلب السياسة العمل الدموي والقدرة على فعل الشر».
وأكد السفاح مناحيم بيغن على أهمية الإرهاب في صنع التاريخ وصياغته وقال: «إن قوة التقدم في العالم ليست للسلام بل للسيف». وكتب في مذكراته قائلاً: «أنا أحارب إذن أنا موجود».
وورد في كتابه «الثورة» ما يلي: «من الدم والنار والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال، اليهودي المحارب، أولاً وقبل كل شيء يجب أن نقوم بالهجوم، نهاجم القتلة»(1).
وسار بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني في نفس هذا الاتجاه الإرهابي وقال: «بالدم والنار سقطت يهودا وبالدم والنار ستقوم ثانية»(2).
يقوم الاعتقاد الديني والفكر الصهيوني إن فلسطين هي أرض الميعاد، وبالتالي يصبح الشعب العربي الفلسطيني، الامتداد التاريخي للشعوب الكنعانية التي حاربها وأبادها قادة اليهود ومنهم يشوع. وهذه الشعوب هي بقايا الشعوب السبعة الواردة في التوراة والعماليق وأهل مدين. لذلك يقوم الكيان الصهيوني بإبادة الشعب العربي الفلسطيني وترحيله من وطنه ومصادرة وتهويد أرضه ومقدساته، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ تماماً كما كان يفعل يشوع بالكنعانيين.
ويؤمن الصهاينة أن العربي لا يفهم إلاّ لغة القوة، وأن الطريقة الوحيدة للتعامل معه هي قتله.
مرّ الإرهاب الصهيوني بمراحل مهمة أدت إلى غرسه وترسيخه في نفسية اليهود في كل مكان وزمان، حيث رسخه كتبة التوراة في الدين اليهودي، وصاغه الصهاينة في الإيديولوجية الصهيونية وغرسوه في صميم ممارسات الكيان الصهيوني.
لقد بدأ عزرا بترسيخ الإرهاب والإبادة والعنصرية في العقيدة اليهودية، وعززه هرتسل في الإيديولوجية والحركة الصهيونية وتأسست منظمات إرهابية يهودية مسلحة تؤمن بالإرهاب كعقيدة وإيديولوجية وممارسة ثم تبنته دولة «إسرائيل». وهكذا انطلق الإرهاب من العقيدة الدينية إلى الإيديولوجية الصهيونية إلى الكيان الصهيوني ثم إلى الجيش والشرطة والمخابرات الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي.
فاليهود أساتذة كبار في الإرهاب وفي فن الكذب للتغطية على الإرهاب. وكان اليهود أو من مارس الإرهاب في المنطقة العربية. وتعود ينابيع الفكر الإرهابي اليهودي إلى التوراة والتلمود وبشكل خاص إلى سفر يشوع وإلى الفكر السياسي والأدب الصهيوني وإلى المناهج التربوية والتعليمية التي يطبقها اليهود في بيوتهم ومدارسهم وتجمعاتهم ومعابدهم.
ويفتي رجال الدين اليهودي بممارسة الإرهاب وقتل العرب وإبادتهم لإقامة «إسرائيل التوراتية» ويصفون العرب بالأفاعي والصراصير والأشرار، وأن الله ندم لأنه خلق العرب. ويصرحون علناً بإبادة العرب، إذ أعلن الحاخام عوفيديا يوسيف قائلاً:
«يجب قصف العرب بالصواريخ من أجل إبادتهم ومحوهم عن وجه الأرض»(3).
وتعتبر التوراة أن غير اليهودي حيوان على هيئة إنسان، وقال السفاح بيغن عن الفدائيين أنهم حيوانات كاسرة تسير على ساقين. وتنادي التعاليم التوراتية والصهيونية بتصفية الحيوانات المتوحشة، أي بتصفية العرب. وأكد الحاخام إسحق غينـزبورغ ذلك عن العربي قائلاً:
«إن العربي حيوان بطبعه، وقد وصفته التوراة بأنه إنسان متوحش، وهناك فرق بين الدم اليهودي والدم العربي، وإن هذا التمييز موجود في التوراة»(4).
وأفتى الحاخام دافيد كفيتس بقتل العربي قائلاً: «إن قتل العرب لا يشكل مشكلة أخلاقية»(5).
وهكذا يهدر رجال الدين اليهودي الدم العربي مما يسهل على الجيش والشرطة والمخابرات الإسرائيلية تنفيذ ذلك على أرض الواقع في فلسطين وسورية ولبنان ومصر والأردن.
وانتقلت عدوى سفك الدم العربي وإبادة العرب من رجال الدين اليهودي إلى زعماء العصابات الإرهابية المسلحة، حيث دوّن السفاح بيغن في كتابه التمرد ذلك وقال:
«ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبداً، وعندما تقتلون أعداءكم ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى بالثقافة العربية التي سنبني على أنقاضها حضارتنا».
ولعب الأدب العبري والصحافة اليهودية دوراً في تحريض اليهود على قتل العرب فكتبت صحيفة على همشمار عام 1947 تقول: «علينا أن ننسى أية مشاعر إنسانية، يجب أن نذبح ونبيد دونما رحمة أو أحاسيس إنسانية، ويجب أن لا نتفلسف مقابل رأس كل عبري مائة من الرؤوس العربية»(6).
وتفشى تقديس الإرهاب في الأوساط اليهودية وبشكل خاص المستعمرين اليهود في فلسطين حداً وصفه د. حاييم وايزمان، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية وقال عنه في مذكراته «التجربة والخطأ» بأنه «أخذت تصعد إلى السطح الروح العسكرية والارتماء في أحضانها، وأكثر من ذلك اللجوء إلى العنف والإرهاب، واستعداد للتعاون مع الشر، كقوة لها فوائدها في تحقق الوطن القومي لليهود»(7).
وامتد الإرهاب الصهيوني ليشمل اليهود غير الصهاينة، الذين رفضوا الانخراط في المخططات الصهيونية لحملهم على الهجرة إلى فلسطين. وكان الهدف الصهيوني من هذا النوع من الإرهاب الموجه ضد اليهود هو لإنزال الخوف والرعب والقلق في نفوسهم ولتذكيرهم بالاضطهاد الكنسى والحكومي في أوروبا ولعزلهم عن مجتمعاتهم وتهجيرهم إلى فلسطين.
ووصل الفكر الإرهابي الصهيوني ضد اليهود خارج فلسطين حداً قال فيه بن غوريون في مجلة المناضل اليهودية الصادرة في نيويورك ما يلي:
«إنني لا أخجل من الاعتراف بأنني لو كنت أملك ليس فقط الإرادة، بل القوة أيضاً، لانتقيت مجموعة من الشبان الأقوياء والأذكياء والمخلصين لأفكارنا ومن ذوي الشعر الأشقر، ولأرسلتهم إلى البلدان التي بالغ اليهود في الاندماج فيها، وستكون مهمة هؤلاء الشبان، أن يتنكروا بصفة أناس غير يهود ويرفعوا شعارات معادية للسامية. إنني أستطيع أن أضمن أن يكون تدفق المهاجرين إلى «إسرائيل» أكبر بعشرات المرات من النتائج التي يحققها آلاف المبعوثين».
وانطلاقاً من هذا الفكر الإرهابي الصهيوني المتوحش نسف الصهاينة سفينة باتريا في ميناء حيفا التي كانت تحمل خمسة آلاف من اليهود معظمهم من الأطفال والنساء الذين هربوا من الجحيم النازي وقتل منهم حوالي (275) يهودياً.
وألقى الصهاينة في الثامن من نيسان عام 1950 عدة قنابل على مقهى البيضاء اليهودي في شارع أبو نواس في بغداد وأصيب أربعة من اليهود. وفي اليوم التالي التاسع من نيسان وزع الصهاينة منشورات في الكنس اليهودية في العراق تدعوهم إلى الهجرة إلى «إسرائيل» لإنقاذ حياتهم من انفجارات جديدة.
وفجّر الصهاينة في 14 كانون الثاني عام 1951 قنبلة في الكنيس اليهودي في بغداد، وقتلت طفلة وأصيب (15) من اليهود بجراح، كما ألقيت عدة قنابل في اليوم نفسه على مؤسسات يهودية في بغداد لتهجير يهود العراق إلى إسرائيل.
وهكذا ينبع الفكر الإرهابي الصهيوني من التعاليم التوراتية والتلمودية، ومن الإيديولوجية الصهيونية لإقامة دولة اليهود في فلسطين العربية ككيان استعمار استيطاني عنصري وإرهابي، وكأكبر غيتو يهودي في قلب البلدان العربية والإسلامية.
وطبقت العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة كعصابة الهاغاناه وشتيرن والأرغون الإرهاب على الفلسطينيين. ويطبقه حالياً الجيش الإسرائيلي والشرطة والمخابرات الإسرائيلية وقطعان المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويتجسد بالتدمير الشامل للقرى والمدن والممتلكات العربية ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وبالتمييز العنصري، والترحيل الجماعي للشعب الفلسطيني وممارسة الكولوكوست عليه لإبادته وتشتيته وتذويبه وتوطينه خارج وطنه فلسطين لإحلال مستعمرين يهود جدد محل العرب، سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين.



المصادر:


  1. مناحيم بيغن، الثورة، نيويورك 1951.
  2. بن غورين، إسرائيل سنوات التحدي نقلاً من دير ياسين إلى مخيم جنين الزرو، عمان 2002 ص8.
  3. صحيفة معاريف الإسرائيلية في 9/4/2000
  4. صحيفة كول هزمان الإسرائيلية في 20/10/2000
  5. صحيفة معاريف في 22/10/2001
  6. صحيفة القدس المقدسية في 27/3/2001
  7. انظر: مذكرات حاييم وايزمان التجربة والخطأ نقلاً من مجزرة دير ياسين إلى مخيم جنين، نواف الزرو ص7.