هل استخدم العثمانيون الخازوق ضد أهل الشام ومصر حقا ؟
*****************
الراصد
بقلم : معاذ خطيب


منذ أن كنت صغيرا سمعت اقوالا أن العثمانيين أيام الامبراطورية الاسلامية العثمانية التي كانت بلاد الشام وفلسطين جزءا منها، كانوا يستخدمون طريقة القتل البطيء بالخازوق ضد اهل الشام ومصر.


لكني لم أمر أبدا ولا حتى بوثيقة علمية واحدة تؤكد صحة ذلك. فهل ذلك صحيح؟


اولا علينا التأكيد أن العثمانيين انفسهم في معاركهم لفتح بلاد البلقان (صربيا، كوسوفو، الخ) هم أول من اكتوى بهذه الطريقة الوحشية في القتل. فحاكم مقاطعة والاشيا المعروف المسمى “فلاد المُخوزِق” انما سمي كذلك لانه كان يستلذ باستعمال الخازوق ضد اعدائه، ليس العثمانيين فقط، بل أيضا المسيحيين في الممالك الأخرى التي كانت في حرب معه. لدرجة أن احد جيوش العثمانيين ارتد وعاد لتركيا في احدى الفتوحات بعد أن رأى عشرات آلاف الجثث التي دقت بالخوازيق في منظر مرعب. Vlad Tepes 002.jpg


معلومات كاملة عن فلاد الثالث، الذي عرف ب “دراكولا” لحبه للدماء، وهو الذي أوحى للكاتب بكتابة الاسطورة المعروفة “دراكولا”، تجدها هنا .


في هذه المقالة الوافية باللغة الانجليزية التي تتحدث عن الخازوق في ويكيبيديا ، هناك ذكر للعثمانيين، لكن ما يقال هناك هو أن العثمانيين استعملوه ضد جنود فلاد أنفسهم وضد قادة التمرد في القرن الخامس عشر ليكونوا عبرة للناس، وقد نجح هذا فعلا في تخويف الناس ودفعهم للامتناع عن دعم المتمردين. لكن لا يوجد أي ذكر مطلقا الى أن العثمانيين استعملوه ضد العرب، لا في بلاد الشام، ولا مصر، ولا غيرها.


ورغم هذا التأكيد ان العثمانيين لم يستعملوا الخازوق ضد المسلمين العرب كما يُزعم، فأحيانا لا تعتبر ويكيبيديا مرجعا علميا دقيقا لأن اي شخص يمكنه تحرير ما يقال هناك (مع ان الامر ليس بسيط وهناك مراقبة ممتازة للمقالات ويتم توثيق ما ينشر فيها). ولذلك بحثت جاداً عن اي مصدر يشير من قريب أو بعيد الى ان العثمانيين استعملوا الخازوق ضد اهل الشام او مصر، ولم أجد من ذلك شيئا. كل ما وجدته كتابات في منتديات او مواقع شخصية، تزعم نفس الزعم، لكن دون تقديم أي دليل على ذلك أبدا.


هذه المقالة مثلا (هنا)، تفصّل في أن الخازوق استعمل من قبل المستعمر الفرنسي في مصر وسوريا ضد أهل البلاد المسلمين العرب، وتذكر اسماء كثيرة وأحداث بل وتواريخ لعمليات قتل تمت بالخازوق من قبل الفرنسيين ضد أهل البلاد.


من جهة أخرى، يذكر كاتب المقالة ان العثمانيين ايضا استخدموا الخازوق في بلادنا، لكن دون ذكر أي حادث، ولا حتى اسم واحد!! مما يضع علامات استفهام كثيرة حول هذه الادعاءات، ويوحي بأن كل ما يقال هو مجرد تكرار لكلام اطلقه بعض من ابناء التيار القومي العربي (الثورة العربية الكبرى) الذي لم تعجبه السيادة العثمانية الاسلامية على فلسطين، فأطلف تلك الاشاعات لتشويه صورة العثمانيين وتبرير الثورة عليهم، مع ان الحقيقة غير ذلك تماما.


وقد طلبت من صديقي الاستاذ محمود خطيب أن يتحرّى الامر وفعلا زار الاخ محمود جده الحاج أحمد حسن خطيب (أبو قاسم) من قرية كفركنا الجليلية، وعمره 90 عام (في 2011.. نسأل الله ان يطيل في عمره). وقد أكد الحاج ابو قاسم أن والده (الحاج حسن خطيب) خدم في الجيش التركي 7 سنوات ولم يحدثه بأي شيء من هذا القبيل، بل ولم يسمع عنه من الأجيال السابقة أيضا.
وهذا خير دليل أن كل الامر مجرد افتراء وكذبة أخرى روجها القوميون الذين اعتادوا تزوير التاريخ وتشويهه لتمرير مصالحهم المريضة.


ولا بد هنا من ذكر الثورة القومية العربية الكبرى التي دعمتها بل وزرعت فكرتها وسقتها بريطانيا، بوعود كاذبة للقوميين العرب باقامة دولة موحدة لهم بعد الانتصار على تركيا، مع ان هدفها كان تقليص نفوذ الدولة العثمانية (تركيا) التي كانت تهدد مصالح بريطانيا في المنطقة، والهدف الثاني الخطير هو التحضير لقيام دولة اسرائيل في فلسطين، وقد كانت الدولة العثمانية جدارا منيعا أمام تنفيذ هذا المخطط، وكانت مؤتمنة أمينة على ارض فلسطين، رفض حكامها المتعاقبون اعطاء فلسطين لليهود. لكن حين سقطت تركيا، لم تقم دولة عربية، بل قسمت بلاد العرب والمسلمين التي كانت موحدة، الى دويلات جديدة منها الاردن وسوريا والعراق ولبنان، تم تقاسمها بين فرنسا وبريطانيا، وعين عليها رؤساء هم مجرد عملاء للمستعمرين، كما هو معلوم.


ومباشرة عقدت اتفاقية سايكس بيكو، ووعد اليهود بدولة، قامت فعلا بعد ان انهارت الامبراطورية التركية بدعم من القوميين العرب !!


وهذا يقول بصورة صريحة ومباشرة، أن الحركة القومية العربية ساهمت بشكل مباشر في اقامة دولة اسرائيل الصهيونية وتشريد وقتل عشرات آلاف الفلسطينيين !!


قد يكون العثمانيون حاولوا منع التمرّد كأي نظام حاكم آخر، وحتى لو وافقنا على ان الخازوق استعمل ضد أهل البلاد (مع انه لا يوجد اي دليل على ذلك)، فالأرجح أنه استخدم في حالات ضيقة جدا جدا ومحدودة جدا جدا، لا ترقى لأن تعتبر ظاهرة، ووسيلة قمع واسعة النطاق كما يروج المروجون والمزيّفون للتاريخ.


وحتى لو ثبت ذلك، فالدولة العثمانية وقتها كانت تحت سيطرة الطورانيين (القوميين الأتراك) الذين رسم ايديولوجيتهم مصطفى كمال أتاتورك القومي العلماني المعروف الذي حارب الإسلام أصلا، ولم تكن هي ذاتها تركيا الاسلامية الحريصة على أواصر طيبة مع المسلمين في كل مكان. وهذا يعني أن الامبراطورية العثمانية الاسلامية كانت قد انتهت أصلا في ذاك الوقت، وكانت تحل محلها قوى قومية علمانية لا تمثل الدولة العثمانية التليدة في شيء أبدا. والخلاصة أن الممارسات السيئة –ان وجدت فعلا- لا يمكن اعتبارها سياسة الدولة العثمانية الاسلامية، وبالتالي لا يمكن أن نتهم الدولة العثمانية الاسلامية بتهم الاسائة لأهل بلاد الشام ومصر، ولا سيما أن للدولة العثمانية الاسلامية فضلا كبيرا على المسلمين العرب الغالبية العظمي من أهل هذه البلاد، اهمها وقوفها حاجزا أمام الاستعمار الاجنبي (بعد سقوطها، بدأ الاستعمال الاجنبي لبلاد العرب)، وحفاظها على الهوية الاسلامية العربية، والحد من هجرة اليهود الى فلسطين (الهجرات الكبرى وقيام الدولة الصهيونية تم بعد سقوطها أيضا) .. وهذه مقالة ممتازة تفصّل في كل ذلك.