من الطريف بل الملفت، ان كل اسم لامع ، يخفي وراءه حقائق، تبقى مهوى المتابعين، وتجذب الانتباه لدى المهتمين، وتستمر في جني السبق الصحفي عند المجتهدين..ولكن ..ماذا يعني هذا؟
إليكم النص:




سعد فنصة
كاتب و مصور سوري


أروي هذه القصة المثيرة للمرة الأولى ، التي احتفظت بها في ذاكرتي طوال أكثر من ربع قرن ، رغم أنني كنت صحفيا شابا في هاتيك الفترة وكان بإمكاني نشرها بيسرٍ وسهولة .. إلا أن مرور الزمن ضروري لنضوج الرؤية وهدوء المخيلة .. ودقة الرواية ..
تبدأ قصتي عندما اتصل بي أحد الاصدقاء مبديا رغبة زوجة الشاعر الكبير “عمر ابوريشة” بالتحدث الي ، وذلك بعيد وفاته بـأشهر قليلة ( للعلم هو توفي عام 1990) .. وحددنا موعدا للقاء في فندق الشام ، وبعد التعارف سألتني عن أبي وعمي .. وشقيقاتي .. نوار وريا و ليلى .. وبعض من أقربائي فتون وموانة و يولا ميسر بنات عمتي من زوجها الفنان السريالي “عدنان ميسر” .. وسألتني كذلك عن شقيقه “اورخان” و زوجته “فكرية طرابيشي” .. وكل من كان يؤم بيتنا في الاربعينات والخمسينات ، من المع نجوم الادب والشعر والفن والسياسة وكأنها كانت تعيش بين ظهرانينا، بمعرفتها الوثيقة بنا ، اذ كان والدي صديقا مقربا من الشاعر الراحل،وكذلك عمي نذير، بكتبه الممهورة بتقديم الشاعر “أبوريشة” خصوصا كتابه الفريد (عالم بلا سياسة ) واذكر سعيها الي بأنها تخطط لاقامة صالون أدبي في البترون بلبنان بعد إنتهاء الحرب ، باسم زوجها الذي رحل قبل عام ( كان اللقاء في عام 1991 ) .. وأنها تعلم بأنني أمتلك الكثير من المذكرات والاوراق بخط الشاعر الراحل وهي تدعوني لصالونها الادبي بأن أكون أحد ضيوف هذا المنتدى ، كانت سيدة تجاوزت حينها منتصف العمر بقليل .. لا تخفي مسحة الجمال النادر والفاتن لمن هُن في سنها .. قدمت إلي بطاقتها باسم “سعاد مكربل ابوريشة ” وضعت عليها صورتها ، وبالفعل حكيت لها بعض ذكرياتي التي بقيت في ذاكرة الطفل وبعضها على جانب كبير من الخطورة السياسية والتاريخية بحكم موقع الشاعر الكبير ليس كدبلوماسي سوري فحسب .. بل لكونه شاعر أصيل ، جالس ونادم معظم قادة العالم العربي، وبعض أشهر قادة العالم من مشرقه الى مغربه .. الهام في قصتي تلك أنني أقترحت عليها زيارة والدي الذي كان في أيامه الأخيرة ، ولكنه كان حاضر الذاكرة ، إذا أرادت المزيد من الذكريات التي قد غفلت عنها .. و في موعدنا التالي ، اصطحبتها الى دارنا المتواضعة في المزة بدمشق والتقت بوالدي الذي أجاب باقتضاب شديد على أسئلتها، وعندما عدت الى أبي .. بعد أن قمت بإيصالها إلى مقر إقامتها في فندق “الشيراتون” القريب من داري .. كانت المفاجأة .. إذ قال لي والدي : “ليست هذه زوجة الشاعر عمر أبو ريشة فزوجته هي من أسرة مراد العريقة ، وكانت ملازمة لزوجها في المملكة العربية السعودية …وكأنها صاعقة نزلت علي .. ما كل هذه الصور التي عرضتها علي .. والأشعار والاحاديث والذكريات .. اذن ..
اتصلت فورا بالأديب الراحل “مدحت عكاش” ، صاحب ورئيس تحرير ( الثقافة ) الدمشقية أنذاك متحرِّيا عما ينشره عن هذه السيدة الغامضة .. من أشعار باسم زوجها الشاعر ابوريشة .. فأجاب : انها زوجته الثانية التي لم يعلن زواجه منها .. وبقيت قصتها طي الكتمان لحين قيامها باشهار زواجها منه أمام المحاكم اللبنانية، وفازت بدعواها ..
ولم أكن وقتها من هواة نشر ( خبطات ) صحفية ، ولذلك عمدت الى التروي ..واستمرت اتصالاتنا فترة من الوقت حتى اختفت قصتها تماما بعد أن لمست أنها لم تكن لتهتم كثيرا او قليلا بجمع تراث الشاعر وذكرياته ، بقدر ما كانت تبحث عن إرث مادي .. يمكن أن تصدفه في أي مكان قد مر به ابو ريشة ، وهذا حقها الشرعي بالطبع ، ولكنني لم أكن الشخص المؤهل بالبحث عن أملاك الشاعر الموهومة .. كما كانت تأمل ، من أراض وعقارات واموال منقولة ، أو كما تتخيل .. وأنا باحث بين دفوف الكتب ، لا أصلح للابحاث العقارية والحسابات البنكية …. !!
سعد