تأسيس المملكة السعودية مقابل النفط وتهويد فلسطين
د. غازي حسين
قامت استراتيجية ابن سعود مؤسس المملكة في عام 1902 بالعمل على خدمة المصالح البريطانية في الشرق الأوسط ومواجهة أي تهديد من توسع آل هاشم أشراف مكة المكرمة .
وكان من أهم أركان سياسته التعاون مع بريطانيا لحماية حدود مملكته تماماً كسياسة المتأمرك محمد بن سلمان الذي يعمل على تصفية قضية فلسطين بالتعاون والتحالف الوثيق مع المتهوّد ترامب و مقابل أموال النفط، وكانت بريطانيا هي الدولة المنتدبة على فلسطين والمسؤولة عن الأمن فيها، وتضمن صك الانتداب تنفيذ وعد بلفور غير القانوني والاستعماري بإقامة إسرائيل فيها لحل المسألة اليهودية في أوروبا على حساب الشعب العربي الفلسطيني .
وعقدت معه بريطانيا الاستعمارية قبل اكتشاف النفط عدة اتفاقات ودعمته مادياً ، وسيطرت على المحميات العربية في الخليج وشرق الأردن، وأخذ بن سعود يتعاون مع بريطانيا ويعمل على إرضائها ، وأبدى استعداده لمساعدتها في مواجهة مشاكلها في فلسطين مع الشعب الفلسطيني، ومساعدته للصهيونية العالمية مقابل مساعدة بريطانيا له في حل مشاكله مع بقية الإمارات في الخليج حول مسائل الحدود، حيث كانت لمشاكل المملكة السعودية الحدودية في الخليج أهمية أكثر من فلسطين، وزادت أهمية السعودية لبريطانيا وأمريكا بعد اكتشاف النفط فيها.
وكتب الملك عبد العزيز آل سعود عام 1935 وبخط يده وثيقة لبريطانيا قال فيها : " أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الفيصل آل سعود أقر واعترف ألف مرة للسير بريسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم كما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة" .
بدأت أمريكا تحتل مكانة أساسية في المملكة العربية السعودية في الأربعينيات من القرن العشرين ، حيث أصبحت عاملاً مهماً في الاقتصاد السعودي الذي لا يزال متخلفاً حتى اليوم على الرغم من ثرواتها النفطية الهائلة.
ووقع ملك السعودية في عام 1945 مع الرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر البارجة كوينسي اتفاقية لبيع النفط السعودي بالدولار الأمريكي .
واتخذ الرئيس الأمريكي هاري ترومان سياسة معادية للعرب ومؤيدة للصهيونية لإقامة اسرائيل وتهويد فلسطين ، مما دفع بالشعوب والدول العربية بالضغط على السعودية لإلغاء امتيازات النفط الأمريكية ، وبطبيعة الحال لم يستجب الملك السعودي للمطالب العربية ، وحافظ على علاقات مملكته مع بريطانيا وأمريكا ، وطلب منهما تغيير سياستهما لحماية المملكة من شعبها والظهور بمظهر الداعم لعروبة فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني .
وكان الهاشميون المنافسين الأساسيين للملك السعودي في المنطقة ، حيث دمّر مملكتهم في الحجاز ونفاهم خارجها ، واستقر الهاشميون في الأردن والعراق بدعم من بريطانيا ، وحاولوا السيطرة على بلدان الهلال الخصيب وبلاد الشام بتوسيع نفوذهم في سورية وفلسطين .
اعتقد بن سعود أن الصهيونية تعمل على نزع الأراضي من الفلسطينيين وتهويدها ولكنه لم يؤمن بأنّ لليهود حقاً في فلسطين وعلى الرغم من ذلك أيّد ودعم اليهود في فلسطين مقابل حماية بريطانيا وبعدها الولايات المتحدة لمملكته، وذلك لأسباب دينية ولمنع الهاشميين من الاستيلاء على فلسطين ، والمساهمة في حل للصراع العربي الصهيوني توافق عليه دولة الانتداب البريطاني تنفيذاً لوعد بلفور المشؤوم وغير القانوني والاستعماري والعنصري .
واعتقد الملك السعودي بعد انتفاضة البراق عام1929 أنّ التعايش بين العرب واليهود يمكن أن يتحقق عن طريق بريطانيا التي تسيطر على فلسطين ، وبطبيعة الحال التزمت بريطانيا في صك الانتداب على تحقيق وعد بلفور الاستعماري وغير الشرعي أي إقامة اسرائيل في فلسطين العربية.
ونجح الملك السعودي بالتعاون مع الحكام العرب وبالتنسيق مع حليفتهم بريطانيا بإنهاء إضراب الستة أشهر عام 1936 الذي أعلنه الشعب الفلسطيني بذريعة الاحتكام إلى عدالة بريطانيا .
واقنع الهيئة العربية العليا في فلسطين عام 1937 بالتعاون مع لجنة التحقيق الملكية البريطانية (لجنة بيل) لتسوية الصراع ، ولكنّه عارض توصية اللجنة البريطانية بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود ، وأيّد الكتاب الأبيض البريطاني الصادر عام 1939 وتضمن وقف الهجرة اليهودية خلال الحرب العالمية وعارضته معظم الدول الغربية .
وقامت سياسة ملك السعودية في الأربعينيات من القرن العشرين من خلال العمل في إطار الجامعة العربية التي أنشأتها بريطانيا على رفض الاقتراحات التي تلحق الأضرار بالمصالح البريطانية والأمريكية ، وفي الوقت نفسه لم يقدّم مساعدات تذكر للفلسطينيين لمواجهة الخطر الصهيوني والغربي الداهم ، وعارض قرار تقسيم رقم 181 لعام 1947 وأرسل قوة سعودية صغيرة ضمن قرار الجامعة العربية بالدخول إلى فلسطين في 15 أيار عام 1948 أي بعد انسحاب بريطانيا منها لانقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والنكبة، واتخذ موقفاً هاجم فيه اليهود بصفتهم أعداء الإسلام ويستخدمون المال لخدمة مخططاتهم ومصالحهم ، وهاجم الصهيونية وأطماعها في فلسطين واعتبر أنّ الصهيونية والشيوعية وجهان لعملة واحدة ، واعتبر الملك السعودي أنّ النشاط والمخططات الصهيونية تنتهك حقوق الفلسطينيين وتهدّد استقرار المنطقة، وذلك لإظهار تضامنه مع نضال الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ، وقاطع المنتجات اليهودية المنتجة في فلسطين والشركات اليهودية في العالم ، ومنع دخول اليهود إلى المملكة ، والتقى ممثلون عن الملك السعودي بممثلين عن الوكالة اليهودية في فلسطين، ولخصت الحركة الصهيونية موقف الملك السعودي على أن سياسته تدل على موقفه المعتدل من قضية فلسطين والصراع مع الصهيونية ، انطلاقاً من مساعيه التاريخية لإيجاد حل وتهدئة الأوضاع والتوصّل إلى تسوية للصراع العربي الصهيوني .
وعبّر وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق موشي شارتوك (شاريت) عن رأيه في موقف الملك السعودي وقال : " أنه لا يوجد أي طريقة للتوصل إلى تسوية مع بن سعود لأنه رجل من الصحراء ووهابي متعصّب "
وكان حاييم وايزمان أول رئيس للكيان الصهيوني واثقاً على قدرته إلى تسوية مع بن سعود بإشراك بريطانيا وأمريكا في التسوية وفي اتحاد عربي يرأسه بن سعود ، واعتقد بعض العرب أن المشروع رشوة للملك السعودي لتهويد فلسطين ، واجتمع بن غوريون عدة مرات مع مسؤولين سعوديين ، ولكنّه رأى أنّ الأهم إقامة اسرائيل وتقويتها ثم العمل على تسوية مع العرب للمحافظة على وجود الدولة اليهودية تماماً كما يفعل الفاشي نتنياهو مع المتأمرك والمتصهين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد آل نهيّان .
وأكّد ميخائيل كهانوف الرئيس الأسبق للموساد أنّ تأسيس المملكة والحفاظ عليها حمل بن سعود والمؤسسون السعوديون على اتباع سياسة معتدلة تجاه الصراع في فلسطين .
وطرح الأمير فهد في قمة فاس الأولى عام 1981 مشروعه الذي وافقت عليه قمة فاس الثانية بعد إخراج منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها من بيروت تنفيذاً للاتفاقات التي وقعها ياسر عرفات مع فيليب حبيب مبعوث الرئيس ريغان ، وطرح ولي العهد السعودي الأمير عبد الله في قمة بيروت 2002 المشروع الذي وضع أسسه الصحفي اليهودي توماس فريدمان ، وأصبح يعرف بمشروع السلام العربي لتمرير الحل الصهيوني لقضية فلسطين ، ويعمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حالياً على بيع فلسطين كل فلسطين بما فيها كل القدس لليهود وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وانهاء الصراع العربي الصهيوني وإقامة التحالف الخليجي مع اسرائيل لمواجهة إيران وتصفية حركات المقاومة وقضية فلسطين . فالصراع مع العدو الصهيوني صراع وجود والمقاومة هي خيار الشعب الفلسطيني حتى تحرير القدس وزوال اسرائيل.