الحاكورة والحواكيــر في لغة الجذور
يرد مسمى الحاكورة ، وجمعها (حواكير) في الاستعمال الريفي عامة، والحوراني والفلسطيني خاصة ، يُطلق على قطعة الأرض المتصلة بالسكن ، وتمتاز الحاكورة بصغـر المساحة ، وأنها مخصّصــة لزراعــة الخضــار اللازمـة للاستهلاك المنزلي اليومي ، مثل الكزبرة والبقدونس والخيار والبندورة والنعنع ونحو ذلك مما يُحتاج إليه ويستهلك يوميا باستمرار . وقد يُزرع في الحواكير بعض الأشجار المثمرة على نطاق ضيّق جدا ، وقدشكّلت الحاكورة للعائلة الفلسطينية والحورانية منذ القديم مصدراً للأمن الغذائي ، ووفرت للفلاح الفلسطيني والحوراني حاجاته اليومية من الغذاء . وترمز الحاكورة في التراث الفلسطيني للاستقلالية في الاكتفاء الغذائي الذاتي . وقد يكون من هنا مجيء تسمية الحواكير إذ ترمز لضرورة اعتماد الريفي على موارده الذاتية لتلبية احتياجاته .

والسؤال المتبادر للذهن : هل للحاكورة محمل على الفصاحة، وما وجه التسمية ؟
يقول ابن فارس في المقاييس :
الحاء والكاف والراء أصلٌ واحد، وهو الحَبْس.
وهو ما عناه غيره من فقهاء اللغة بقولهم الحكر أصل يدل على الجمع والإمساك.
والحُكْرة حَبْسُ الطعام مَنتظراً غَلاءه ، وهو الحُكْر، وأصله في كلام العرب الحَكَر، وهو الماء المجتمع، كأنّه احْتُكِر لقلَّته.
وقال ابن منظور في اللسان :
الحَـكَـر، بالتحريك : الماء القليل المجتمع ، وكذلك القليل من الطعام واللبن، وهــو فَعَلٌ بمعنى مفعول أَي مجموع .
وأرى أنَّ الحاكورة جاءت من هذا الباب ، باب القليل من الخضار والمنتجات الزراعية غير المُعَـدّة للتجارة والتصديــر ، وإنما أعِدَّت للاستهلاك المنزلي فقط .
فضلا عن أنها من انتاج قطعة أرضٍ صغيرة ، قليلة المساحة ، حُبست لتكون من مرافق المنزل الخاصة ، وبالنظر لاجتماع عنصري القلّــة والحبس ( التخصيص) فيها سُمّيت (حــاكــــورة) . فكانت الحاكورة بالتعريفأرض تُحْبَس لزرع الأشجار قُربَ الدُّور ومنازل السَّكَن .
وإن كانوا قد أخذوا من (ح ك ر) مصطلح الإحتكــار في إشارة إلى حبس الطعـــام والحاجات الإستهلاكية الضرورية والسلع الرئيسة في الاستعمال المنزلي اليومي وتربّص غلاء سعرها ، فلقد جعلوا الحاكورة مصدرا للإنتاج المنزلي المتواضع ، ليس بقصد حبسه وتربص غلاء سعره ، وإنَّمـــــــا لتلبية حاجــة البيت من بعض الخضــار الضرورية . فانتاج الحاكـــورة إذن حَـكْــــرٌ على المنزل الذي أُلحقت به الحاكورة ، لا يتعدّاه .
ومن هنا أستطيع القول بأن الحاكورة لفظ عربي فصيح جذوريّــاً ، غير غريب ولا وافد على لغتنا من أي لغة مجاورة .
-------------------------- حاشية :
(1)- الحَكْرُ : ادِّخارُ الطعام للتَّرَبُّضِ ، وصاحبُه مُحْتَكِرٌ .
وقال ابن سيده : الاحْتِكارُ جمع الطعام ونحوه مما يؤكل واحتباسُه انْتِظارِ وقت الغَلاء بِه ؛ وحدد بعض فقهاء اللغة الاحتكار بالضروريات .وأَنشد :

نَعَّمَتْها أُم صِدْقٍ بَرَّةٌ ، *** وأَبٌ يُكْرِمُها غَيْرُ حَكرْ
والحَكَرُ والحُكَرُ جميعاً : ما احْتُكِرَ .
قال ابن شميل : إِنهم ليَتَحَكَّرونَ في بيعهم ينظرون ويتربصون ، وإِنه لحَكِرٌ لا يزال يَحْبِسُ سِلْعَتَهُ والسُّوقُ مادَّةٌ حتى يبيع بالكثير من شِدَّة حَكْرِه أَي من شدة احتباسه وتَرَبُّصِه ؛ قال : والسوق مادَّة أَي مَلأُى رجالاً وبُيوعـاً ، وقد مَدَّتِ السوقُ تَمُدُّ مدّاً .
وفي الحديث : من احْتَكَرَ طعاماً فهو كذا ؛ أَي اشتراه وحبسه ليَقِلَّ فَيَغْلُوَ ، والحُكْـــرُ والحُكْرَةُ الاسم منه ؛ ومنه الحديث : أَنه نهى عن الحُكْرَةِ ؛ ومنه حديث عثمان : أَنه كان يشتري حُكْرَةً أَي جملة ؛ وقيل : جِزافاً .
وأَصل الحُكْرَةِ : الجمعُ والإِمساك .