المسجد الأقصى في خطر حقيقي لتدميره وبناء الهيكل المزعوم على انقاضه

د. غازي حسين

في عشية مرور الذكرى السنوية لنكبة فلسطين في أيار ا2012 انتهكت دولة الاحتلال الصهيوني المحرمات وأباحت لليهود الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وجاء قرار حكومة نتنياهو فالينشتاين الذي أصدره في تموز 2012 مقدمة لتهويده بتدميره وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه.
ويأتي هذا الاعتداء الإسرائيلي على أهم المقدسات الإسلامية لتهويده تماماً كما فعلت بالمسجد الإبراهيمي في الخليل، لتحقيق الأطماع التي غرسها تيودور هرتسل في نفوس اليهود، حيث كتب في مذكراته يقول: «إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرونا».
اختار تساحي هنيغبي، وزير الأمن الداخلي الصهيوني مرور الذكرى السنوية على اغتصاب فلسطين ليعلن السماح لليهود باستباحة وتدنيس حرمة المسجد الأقصى تحت ذريعة صهيونية كاذبة ومضللة وهي إباحة الصلاة لليهود في باحة المسجد الأقصى، تماماً كالخطوات التي بدأوا بها لتهويد المسجد الإبراهيمي في الجليل، إن المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين ليس بالمكان العادي فهو من أهم الخطوط الحمراء التي لا يستطيع أحد تجاوزها من القيادات الفلسطينية والعربية مما دفع بالشيخ عكرمة صبري، مفتي القدس إلى الرد على الجريمة الإسرائيلية الجديدة بحق المسجد الأقصى قائلاً:
«إن تصريحات وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي تؤكد النيّة الإسرائيلية المبينة للتدخل في شؤون المسجد الأقصى المبارك (كبداية لتهويده) وتهدف إلى الاستخفاف بمشاعر المسلمين وانتهاك حرمة المسجد إن المسجد الأقصى شأن إسلامي ولا يحق لأحد فرض إرادته عليه».
وأكد الشيخ محمد حسين مدير المسجد الأقصى «أن أية محاولة من الإسرائيليين لدخول ساحات المسجد الأقصى المبارك لأداء أية طقوس دينية خاصة بهم يعتبر عدواناً صارخاً ومباشراً على المسجد لا يمكن لأي مسلم في العالم أن يسكت عنه».
وفي ظل تهويد مدينة القدس المحتلة بشطريها الغربي والشرقي وجعلها عاصمة الكيان الصهيوني الأبدية يتساءل المرء ما هي الأهداف الحقيقية للكيان الصهيوني من السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى؟
القدس مدينة عربية أسسها العرب قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام. وقال عنها النبي العربي عليه الصلاة والسلام: «لا تُشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى».
وقال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله».
والمسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين في جميع أنحاء العالم هو أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. والقدس هي مدينة الإسراء والمعراج، ويعتبر المسجد الأقصى وقبة الصخرة أهم وأقدم المعالم العربية الإسلامية في المدينة ومن أكثر التراث الإسلامي قدسية.
ودافع العرب والمسلمون على مرّ التاريخ عن القدس والمسجد الأقصى، وقدموا التضحيات الجسام للمحافظة على عروبته إلى أن وصل الدم العربي المتدفق إلى ركبة الحصان في باحة المسجد عندما تم تحريره من الصليبيين.
تخطط الصهيونية لإقامة «إسرائيل العظمى» من النيل إلى الفرات ولإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وتسخِّر الماسونية وشهود يهوه والأصولية المسيحية والكنائس البروتستانيتية والمحافظين الجدد ورؤساء الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هذا الهدف الشيطاني الخطير.
ويخطط اليهود منذ مدة طويلة لبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاض أقدس وأقدم مقدسات المسلمين، وهو المسجد الأقصى، لذلك دوّنوا في دائرة المعارف اليهودية تحت كلمة الصهيونية: «إن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم وأن يذهبوا إلى القدس ويتغلبوا على قوة الأعداء وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا ملكهم هناك»، وأعلن الزعماء الصهاينة ومنهم كلاوزنر في آب 1929 أن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في الهيكل إنما هو لليهود.
وحاول اليهود في آب 1929 الاستيلاء على حائط البراق بحجة أنه حائط المبكى فاشتعلت ثورة البراق، وعرضت حكومة الانتداب البريطاني على أثر ذلك القضية على عصبة الأمم، وقررت عصبة الأمم أن للمسلمين وحدهم حق ملكية حائط البراق "أي ما يسميه اليهود كذباً وبهتاناً بحائط المبكى" وحق ملكية الساحة أمامه وكذلك حي المغاربة الذي يعتبر وقفاً ثابتاً وفق الشريعة الإسلامية.
انتزع الكيان الصهيوني بعد احتلال القدس الشرقية حائط البراق وحي المغاربة وسمّى المنطقة بحائط المبكى، وأخذ يعمل على تهويد المدينة العربية وتغيير معالمها الديمغرافية والجغرافية خلافاً لمبادئ القانون الدولي وانتهاكاً فظاً وهمجياً لقرارات الشرعية الدولية، وحقوق العرب والمسلمين الدينية.
وسخّر الحفريات والتنقيب عن الآثار وبناء الأنفاق التي وصلت إلى عمق 30م تحت أساسات المسجد الأقصى لتدميره، وظهرت في «إسرائيل» عدة منظمات تنادي بتدمير المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه. ووصلت الوحشية الصهيونية حداً فاق التصور في صباح 21 آب 1969 عندما شب حريق هائل بالمسجد الأقصى ليحوّل التراث العربي الإسلامي المقدس والنادر في تاريخ الحضارة الإنسانية إلى كومة من رماد لتحقيق المخطط الصهيوني وبناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه.
ولكن عرب القدس من مسيحيين ومسلمين هرعوا لإطفاء الحريق، كما هرع المواطنون من قرى ومدن الضفة الغربية للمشاركة في إطفائه وإنقاذ المسجد الأقصى.
أغلق جيش الاحتلال الإسرائيلي أبواب الحرم الشريف والمسجد الأقصى لمنع العرب من الدخول لإطفاء الحريق، ولكن العرب أجبروا الجنود اليهود على فتح الأبواب بعد صدام عنيف دام (45) دقيقة ظناً منهم بأن النيران اليهودية ستحوّل المسجد الأقصى إلى رماد خلال تلك الفترة.
ونجح الفلسطينيون بإخماد الحريق بعد أن احترق الجزء الهام من المسجد الأقصى المبارك. وأضربت مدينة القدس العربية المحتلة فور الانتهاء من إخماد الحريق واندلعت فيها المظاهرات الصاخبة والتي قمعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالقوة وفرضت منع التجول على المدينة، وعمّ الإضراب في اليوم التالي جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة والمناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948م.
وساد الحزن والغضب قلوب ونفوس جميع المواطنين العرب لفظاعة الجريمة ووحشيتها.
وأعلنت الحكومة الإسرائيلية كعادتها في الكذب (اليهود أساتذة كبار في فن الكذب) أن الحريق كان بسبب خلل في أسلاك الكهرباء داخل المسجد.
أثبت المهندسون الفلسطينيون وشركة كهرباء القدس العربية أن الحريق لم يكن بسبب تماس، كما أكد أبو علي بدرية الذي عمل في الحرم الشريف أنه شاهد يهودياً دخل ساحة المسجد الأقصى عدة مرات من باب المغاربة الذي يحرسه الجيش الإسرائيلي وأنه اشتبه بأمره، وشاهد نفس الشخص يوم الحريق مع جماعة من اليهود يخرجون من المسجد الأقصى، ولحق بهم وأمسك بقميص الشخص الذي تردد مراراً ومزّق جزءاً من قميصه، وأبرز قطعة القميص.
ثبت أن الحريق مدبر ومخطط له بدقة، مما أحرج الحكومة الإسرائيلية ودفعها إلى التراجع عن كذبها وأعلنت عن إلقاء القبض على الشخص الذي اعترف أنه قام بإحراق المسجد الأقصى، ويدعى ديفيس مايكل موهان وهو يهودي من استراليا وزعمت بأنه معتوه وقدمته للمحاكمة وحكمت عليه بالسجن خمس سنوات، وأصدرت أمراً فيما بعد بإطلاق سراحه وإخراجه من البلاد.
بحث مجلس الأمن الدولي القضية في 15 أيلول 1969 واتخذ قراراً عبّر فيه عن الحزن للأضرار الجسيمة الناتجة عن الإحراق المفتعل، وأكد أن امتلاك الأراضي بالفتح العسكري غير مسموح به، وقرر أن العمل الكريه الخاص بتدنيس المسجد الأقصى يؤكد الضرورة الفورية لكي تكف "إسرائيل" عن انتهاك قرارات المجلس وتلغي فوراً جميع الإجراءات والأعمال التي اتخذتها في القدس وشجب امتناعها عن تنفيذ قراراته ودعاها إلى تنفيذها.
وبعد فشل محاولة إحراق المسجد الأقصى وفشل الحفريات وبناء الأنفاق تحت أساساته لهدمه، لجأ العدو الصهيوني إلى أسلوب خبيث ومضلل لتهويده كالأسلوب الذي طبقته «إسرائيل» في المسجد الإبراهيمي في الخليل تحت ستار السماح للمصلين اليهود بالصلاة فيه، وإعلان سيادة دولة الاحتلال على جميع ساحات المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، واليوم يطبقون الأسلوب نفسه بالسماح للمصلين اليهود بالصلاة في المسجد الأقصى مقدمة لتقسيمه كما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل.
وكانت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلةقد حذرت من أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تخطط في إطار من السرية والكتمان لتحويل غرف داخل المسجد الأقصى المبارك إلى كنيس يهودي.
وقالت «المؤسسة في تقرير لها» أن الشرطة الإسرائيلية أقدمت بقرار من حكومة العدو على إغلاق مكاتب لجنة التراث الإسلامي في باب الرحمة، الواقع داخل المسجد الأقصى، وهي تطمح بأن تستولي على غرف تقع داخل الحرم القدسي الشريف، وتحكم سيطرتها بالفعل على جزء من المسجد الأقصى المبارك.

حدد مجلس الأمن الدولي الوضع القانوني للقدس الشرقية بأنها منطقة محتلة وضمها غير قانوني ومخالف للقوانين الدولية، ويجب الانسحاب منها وإزالة جميع الإجراءات الجغرافية والديمغرافية التي اتخذتها دولة الاحتلال بما فيها إزالة المستعمرات والأحياء اليهودية لأنها غير شرعية وباطلة.
إن استمرار احتلال «إسرائيل» للقدس بشطريها الغربي والشرقي، المدينة العربية التي أسسها العرب منذ فجر التاريخ لا يستند على الإطلاق إلى أساس تاريخي أو قانوني، وإنما ينتهك مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية انتهاكاً فاضحاً ويجسد الأطماع والأكاذيب التوراتية والتلمودية والصهيونية والاستعمار الاستيطاني اليهودي بأجلى مظاهره.
ويجسد أيضاً ذروة العداء الصهيوني وعداء اليهودية العالمية للعروبة والإسلام.
فالمسجد الأقصى المبارك والقدس برمتها في خطر حقيقي فأين لجنة إنقاذ القدس، وأين الملوك والرؤساء والأمراء العرب وأين العالم العربي والإسلامي واين الحراك الجماهيري العربي والاسلامي لإنقاذ المسجد الأقصى المبارك من التهويد والتدمير؟