ضمان

ذات صباح متوج بالبهاء و الزهوّ حيث ألقت الطبيعة بجمالها على كل ما بلغهته خيوط الشمس و بينما كانت تحضر له القهوة وجدته يتمتم بكلمات ، لما دنت منه فهمت ما كان يقول ، حيث كان يقلب بعض الأوراق في يده مستخفا بها و يقول بابتسامة عابرة : رخيصة رخيصة لقد طلقتك ثلاثا ثلاثا

زحفت أساطيل الشك و الغيرة إلى قلبها فسألته و هي تسترق النظر إلى الأوراق وجِلة: من تلك ؟
- و ما ظن غاليتي ؟
- لا شيء ، مجرد سؤال .
- لن أخبرك حتى أعرف أين أخدتك الظنون .
- سأخبرك بعد أن تشرب قهوتك .
تناول منها فنجان القهوة و ارتشف منه رشفة ،و قبل أن يضعه على الطاولة لاحظ عليها بوادر الغضب الملفّح بالريبة ، فابتسم مشفقا و ألقى في حضنها الأوراق و قال : اقرأي .
راحت عيناها تلتهم السطور التهاما ، ثم نظرت إليه و قد غطى استغرابها على سرور و اطمئنان قلبها و قالت : أهذا الذي تسميه رخيصا !
مبارك لك يا زوجي العزيز
- أليست في كفي ؟
- ماذا تقصد ؟
- و الشركات الأخرى و العقارات و الأراضي الشاشعة و سائر الأملاك ؟
- أنا لا أفهمُك اليوم .
- نهض باتزان و استقبل النافذة المطلة على حديقة المنزل الغناء حيث نسيم الصباح الصيفي يداعب الأشجار الباسقة لتعزف له أجمل ألحان الحفيف و جمال الفراشات الملونة يطوف مملكة الأزهار و الورود المنوعة و قال : أرأيت إن قمت ببيع كله ألا يصبح كومة من المال أقلبه بين كفي كيف أشاء ؟
- بلى ، و لكن كيف لكل هذا أن يكون رخيصا لديك !
- لقد قرأت بعد صلاة الفجر ما تيسر لي من كتاب الله و لقد وقفت على آية هزت كياني و كأني أقرؤها لأول مرة و هي قوله تعالى :
{{ إن الذين كفروا و ماتوا و هم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا و لو افتدى به }} .
صدق الله العظيم .
- نعوذ بالله من الكفر و شره ، ما الذي يجعلك تقول ذلك و أنت و الحمد لله رجل مسلم تتقي الله في أقوالك و أفعالك ؟
- و ما الضامن بأن أموت على الإيمان أو أن أبيع ديني بعرض من الدنيا ؟
- الدعاء ، و التقوى مكللَين بالإخلاص ،
فالمنافق في الطاعة و العبادة هو الذي يسبق عليه الكتاب فيموت كافرا و العياذ بالله ،
و ما ظني بك إلا خيرا .
استدار نحوها و قال ساخرا و هو يهز رأسه : ألهذا سرحت بك الظنون منذ قليل ؟
قالت و قد كفَّ بصرها عنه وشاح الخجل : كلا كلا لم أفعل .
- بل فعلتِ .
- عزيزي ، نحن بشر .
- و أنت أيضا رخيصة إذ سمحت لك نفسك أن تضيعيني في دائرة الاتهام بعد كل الود الذي بيننا .
استجمعت جوابها و ابتسمت ابتسامة ماكرة ثم سمّرتْ إنسان عينيها في عينيه و قالت :
و ما الضامن بأنك في الود مخلص؟