منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: طائر البؤس

  1. #1

    طائر البؤس

    مع صوت الرياح الهادرة التي أخذت تزداد و تزداد و تأخذ معها أطراف معطفي فتلفظه يمنة و يسرة جددت السير مسرعة لاستئجار سيارة أجرة ، انتظرت و انتظرت فلم أحظ بها ، كانت سيارات الأجرة قليلة العدد في ذلك الوقت ، و كانت معظمها تمر محملة بالركاب ما أثار غضبي فرحت أتمشى على مهل و أنا أراقب الطريق على أمل .. ثم قررت أن أذهب إلى الموقف التالي ، بينما كادت صفعات الريح الشديدة البرودة أن تخدر وجهي، و مع ولوج الليل في النهار ، وجدت شيئا قذف في فناءات قلبي شيئا من الريبة و بعض الخوف ..
    ترى ما هذا أو من يكون و ماذا هو فاعل في مثل هذا الوقت و الحال !؟
    اقتربت بحذر ، فوجدت جسدا لُف بعضه على بعض كالطائر الذي يدس رأسه بين جناحيه عند النوم ، و كان يرقص ارتعاشا ،
    وقفت على جنب مسمرة أراقب..

    ثم أطلق الطير رأسه من بين جناحيه فظهر وجه فتاة في مطلع شبابها، و قد رسم البؤس ألوان الشقاء في تقاسيمه ..
    كنت أحاول أن أكبح فضولي و جرأتي في الاستفسار، و لكنها كانت أسرع مني حيث بادرتني بالسؤال : لم وقفت مكانك ؟
    لقد كان صوت خطواتك يدل على أنك في عجلة من أمرك ..
    ابتسمت و هششت و بششت لمبادرتها بالكلام فأجبت : و من لا يمشي مسرعا في مثل هذا الطقس !
    - إذا أكملي طريقك يا خالة .
    - أنا مضطرة لذلك و لكني لا أستطيع قبل أن أعرف سبب جلوسك هنا ، هل طريقك بعيدة ؟
    إذا أردت أوصلتك معي حيث تقصدين حالما أوفق بسيارة أجرة
    و من سوء حظي أنه مرت سيارة أجرة في تلك اللحظة و لكن هيهات أن أوقفها ...
    - لا شكرا يا خالة فمنزلي ليس ببعيد كثيرا
    رغبت بتحريك دفة الحديث قليلا لأعرف المزيد بوقت أسرع
    - إذا لم لا تسرعين إليه ؟ لابد أنك تحبين هذا الطقس كباقي الشباب و الشابات ، فأنتم مولعون بأحوال الشتاء .
    - لا لا يا خالة و لكني لا أستطيع العودة إلى البيت الآن .
    بعد عدة محاولات جذب و دفع سردت لي قصتها التي أدخلتني في سراديب الدهشة و التعجب ، و ألقت على قلبي ثوب الحزن و الشفقة
    حيث أخبرتني بأنها لا يمكنها العودة قبل أن تحصل على خمسمئة ليرة يوميا، فوالدها سيعنفها و قد تتعرض للضرب إذا ما فعلت .
    و عندما سألتها : لم لا تجدين عملا ؟
    أجابت : عملت في ورشة خياطة مختلطة و بعد أسبوع بدأ بعض الفتية بالتحرش بي ، و رغم أن العمل كان مجهدا و طويلا إلا أنني كنت سعيدة برضى والدي عند مناولته أجرتي .و لكني اضطررت لتركه تخلصا من سوء المعاملة
    - هل أخبرت صاحب تلك الورشة ؟
    - خفت أن أفعل فأتعرض لشيء من الأذى من أولئك الفتية فتركت العمل دون أن أخبره او أخبر والدي بذلك لأنه سيوبخني و يتهمني بأنني أنا من فتحت لهم سبيلا ، لما قاموا به فهو شديد الحرص و الشك أيضا
    و ما بال أبيك و لم لا يعمل هو ؟
    - والدي رجل عجوز بالكاد يستطيع المشي متكئا على عكاز ، و والدتي طريحة الفراش منذ سنوات و نحن أربع فتيات شابات نتقاسم العمل في خدمتها، و الحصول على المال خارج المنزل ، و ليس لوالدي ولد ذكر . لذا يتحتم علينا تأمين مصاريف المعيشة و ثمن علاج أمي المكلف و الذي نتجاوز عن جلب بعضه أحيانا لعدم توفر المال الكافي .
    سبحان الله ! في الوقت الذي كنت أستمع لها كانت سيارات الأجرة تتدفق من هنا و هناك و كانت قدماي تجرانني للمضي في سبيلي إلا أن قلبي كان يأبى ذلك ..
    خيم الظلام سريعا فأردت أن أختم لقائي بها لكي لا تفضحني دموعي أمامها و لكي لا أتأخر ، ففتحت حقيبتي و أخرجت الملبغ المطلوب و ناولتها إياه مربتة على كتفها ، و رجوتها أن تقبله مني ثم طلبت منها رقم هاتفها إن وجد ...
    - قالت و هي تحاول أن تبتلع شهقة البكاء :
    و الله و الله إنني أحب أن أعمل و لكن في مثل هذه الظروف بالكاد توجد فرصة عمل فأنت تعرفين ما يمر به بلدنا الحبيب و عندما أجدها أضطر لتركه ...
    أمسكت هاتفي منتظرة أن احصل على رقم هاتفها ،و لما رأت هاتفي أخرجت بشيء من الخجل هاتفا من الطراز القديم ، و قالت بابتسامة تشي بقهر كبرياء الإنسان : إنه يفي بالغرض فهو يتصل و يرسل الرسائل و هذا يكفي لمثلي ..
    - بابتسامة تواضع مشفقة قلت لها : لا عليك هو بكل حال أفضل من أول هاتف اقتنيته .
    ودعتها و وعدتها بأن أتصل بها في أقرب وقت ممكن و مضى كل منا في سبيله
    استدركت أنه علي الإسراع و كان قلبي يعتصر ألما ..
    ، أوقفت أخيرا سيارة الأجرة و ذهبت ..
    لم أكن أتوقع بأن عملي الصغير هذا ستكون جائزته من الله سريعة إلى هذا الحد ، فلما بلغت منزل أخي و الذي أخبرتني زوجته قبل ساعة بأنهم يطلبون حضوري لأمر خطير، وجدت أحوالهم طبيعية و كأنه لم يحدث شيء و كان أخي مستلق على الأريكة يتحدث إلى رجل غريب عرفت فيما بعد بأنه الطبيب ، و كانت حالة اخي عادية جدا و مستقرة .
    و ردا على علامات الدهشة الممزوجة بالسرور التي اقتحمت معالم وجهي ، حيث أخبرتني زوجة أخي بأن أخي قد أغمي عليه فجأة و أسقط في يدها فلم تعد تعرف ماذا تفعل فاستدعوا طبيبا و لما حضر و فحصه أخبرهم بأنها حالة نزول ضغط و لا شيء يقلق .و لكن عليه أن يجري بعض التحاليل في أقرب وقت ممكن .
    لم تنته جلستنا إلا و قد وجدنا عملا مناسبا لتلك الفتاة و بأجرة مغرية مع جمع بعض المساعدات لأسرتها ،كما تكفل أخي بمشاركتهم القسم الأكبر من علاج الأم .
    حمدت الله أن رزقني ذلك الفضول الذي لطالما أزعجبني و أسعدني في نفس الوقت.

  2. #2

    رد: طائر البؤس

    أنت إنسانة مغعطاءة، وفقك الله في كل أمورك.
    قصة مائزة.
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    واضح كتبتها شادية بكامل مشاعرها وإحساسها.
    http://omferas.com/vb/showthread.php...525#post243525

المواضيع المتشابهه

  1. حضارة البؤس
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-06-2018, 03:36 PM
  2. طائر الكويتزال
    بواسطة عبد الرحيم محمود في المنتدى فرسان العلوم العامة.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-20-2015, 03:32 AM
  3. طائر الشنب
    بواسطة هيثم طلال هاشم في المنتدى فرسان العلوم العامة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-14-2013, 06:21 AM
  4. مرض لاعب التنس!!!
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الطبي العام .
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-10-2012, 10:10 PM
  5. الكندرة - جواب البوش
    بواسطة محمود ابو اسعد في المنتدى فرسان الشعر الشعبي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-26-2008, 07:09 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •