بين الكركة والقرقــــة جذوريّــاً
الكرك : في الأصــل الجذوري هو الكُرَّجُ الذي يلعب به. وقال أَبو عمر الزاهد : الكاروكَةُ القَوَّادَةُ ؛ قال: لاحَظَّ في الدينارِ للكارُوكَه قال: وقال يونس (هو يونس بن حبيب النحوي (94 - 182 هـ / 713 - 798 م) : كَرَّكت الدجاجة وهي كُرُكَّـــة، وقال ابن منظور في اللسان :
رأَيت في بعض حواشي أَمالي ابن بري : أَكْرَكَت الدجاجة وهي كُرُكَّة ، ونَسَـب هذا القول إلى الصاغاني (1) .
قلت ووجه تسمية القوادة بالكاروكة لأنها تصدر أصواتـاً تشبه صوت الدجاجـة (أم الصيصان) خلال مزاولتهـــا عملهـــــا الخبيث في استدراج السفيهات والنداء على السفهاء ، وهو الباب نفسه الذي بموجبه أطلقوا على القحبة اسمها ، لأنها تقحب أي تسعل أو تتصنع السعال علامةً تنادي بها زبائنها .
والكُرْكُمُ : نَبْت . قيل هو الزعفران ، من التوابل ومن منشطات الباه المعروفة . وثَوب مُكَرْكَمٌ : مَصبوغ بالكُرْكُم ، وهو شبيه بالوَرْس(العُصْفـر // فارسي معرب) ، وأَنشد يصف عروساً ضعُف عن السقي فاستعان بعِرْسِه :
قامَ على المَركُوِّ ساقٍ يُفْعِمُهْ، *** يَرُدُّ فيه سُؤْرَه ويَثْلِمُـــــــــهْ
مُخْتَلِطــــــاً عِشْرِقُه وكُرْكمُهْ، *** فَرِيحُه يَدْعُو على مَنْ يَظْلِمُهْ
وفي الحديث : فعادَ لَوْنُه كأَنه كُرْكُمة، قال الليث: هو الزعفران، قال: والكُرْكُمانيُّ دواء منسوب إلى الكُرْكُم وهو نَبْت شبيه بالكَمُّون يُخْلَط بالأَدْوِية؛ قلت والأصح أن نقول (كركميّ) بدل كركماني على القياس .

والكرك بالفارسية والأوردو تدل على اللون الأحمر ، ومنه قالوا للشاي الأحمـــــر (شاي كَرَك) ، بمقابل الشاي المخلوط مع الحليب (شاي دود) .
أما قول يونس بن حبيب (كَرَّكت الدجاجة وهي كُرُكَّـــة) فالعامة في الشرق العربي تستعمل اللفظ بقلب الكاف قافاً(ما عدا فلسطين تلفظ العامة فيها القاف كافا أصلاً).
ويقولون للدجاجة بعد أن تفقس بيضها عن صيصانها (القُرْقَـــــة) وفي فلسطين ، تُسمى بالكُرْكَــة . قلنا :
ولعله من هذا المنحى أسموا الكركي بهذا الاسم وهو من الطيور المائية المعروفـة التي تعيش قرب البحيرات كالبط والأوز ، وتمتـــاز بالمنقــار الطويــل والساقيـــــن الرشيقتين .
وتعاور القاف والكاف في لغة الجذور أمرٌ وارد ويعرفه أهل اللغة والباحثون ، وقد أشرنا إليه غير مرّة . ويُضاف إليهما حرف القاف الحوراني أو اليماني g (الجيــم المصرية) والأصل كما أرى هو حرف القاف ، وهناك دراسات تحليليّـــــة متعمّقــة كثيرة في هذا الشأن .
وفي تناول د. عيد محمّـــد الطيب للقــاف في كتابه : "لهجات العرب وامتدادهــــــا إلى العصر الحاضر" ، يختصر كثيراً مما قيل عنها إذ يقول تعليقــاً على حديث أبي علي الفارسي عن قاف رأى أنها مذمومة غير مستحسنة :
"
فأما بنو تميم فإنهم يلحقون القاف باللهـاة حتى تغلظ جداً فيقولون : الكَوم (كذا // يقصد القوم ) بين الكاف والقاف، وهذه لغة فيهم ، قال الشاعر:
ولا أكَول لكَدر الكَوم كَد نضجت *** ولا أكَول لباب الدار مكَفــول
أي :
ولا أقول لقِدْر القوم قد نضجتْ *** ولا أقــول لباب الدار مقفــــول .
وأضيف أنا العبد الفقير لله تعالى : هناك في بعض البيئات العربية يجب أن نُدخـــل في بحثنا هذا حرف الغين كما في السودان الشقيق وبعض المناطق السورية :
ولا أغول لغِدْر الغَوْم غد نضجت *** ولا أغــول لباب الدار مغـفـول ُ
وبعد هذا ، نسأل هل الجذر (ك ر ك) عربي وله تصريفات واشتقاقات تداولها اللغويون والنحاة والباحثون ؟؟؟
للإجابة يفترض أن نأخذ بالاعتبار لفظين :
الكرك : وهو اسم لمدينة في الأردن ، وبلدة في سورية شرق درعا ( أذرعات) تسمى الكرك الشرقي ، وحي في مدينة (درعا البلد) .
الكركون : وهي لفظ تركي كما أرجّح بمعى الحبس (السجن) ، ومنه كركون الشيخ حسن بدمشق وكركون درعا في حي الكرك .
أقول من نفسي اجتهادا أنّ هذه المسميات لا علاقة لها بالجذر العربي (ك ر ك) من قريب ولا بعيد، وهو جذر عربي كما نصَّ الصاغاني وغيره من اللغويين، ومن المصادفات أن يلتقي الجذر مع بعض الجذور الفارسية أو العثمانية التركية أو مع لغات أخرى قريبة جغرافيّا من العرب .

_____________________ حاشية :
(1)- الصاغاني (1181—1252م) = ( 577 - 650 هـ ):الحسن بن محمد الصغاني هو أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي ، العدوي العمري الصغاني الأصـــــل، المحدث الفقيه الحنفي اللغوي، صاحب التصانيف ، وأجلُّها وأشهرها العباب الزاخر .

وكالة اخبار المراة