اليوم الثامن والسبعون : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
***** خالد بن الوليد - سيف الله - لا ينام ولا يترك أحدا ينام -
عرفنا لماذا أطلق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لقب سيف الله على القائد خالد بن الوليد .
نتابع ...
تنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة..
وعلى الجناح الأيمن من الجيش ، يجعل الرسول خالدا أميرا..
ويدخل خالد مكة ، واحدا من قادة الجيش المسلم ، والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها. قائدا من قو اد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا..
وتخطر له ذكريات الطفولة ، حيث مراتعها الحلوة.. وذكريات الشباب ، حيث ملاهيه الصاخبة.. ثم تجيشه ذكريات الأيام الطويلة التي ضاع فيها عمره قربانا خاسرا لأصنام عاجزة كاسدة..
وقبل أن يعض الندم فؤاده ينتفض تحت روعة المشهد وجلاله..
مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل آثار التعذيب والهول ، يعودون إلى البلد الذي أخرجوا منه بغيا وعدوا ، يعودون إليه على صهوات جسادهم الصاهلة ، وتحت رايات الاسلام الخافقة.. وقد تحول همسهم الذي كانوا يتناجون به في دار الأرقم بالأمس ، إلى تكبيرات صادعة رائعة ترج مكة رجا ، وتهليلات باهرة ظافرة ، يبدو الكون معها ، وكأنه كله في عيد.!!
كيف تمت المعجزة..؟
أي تفسير لهذا الذي حدث؟
لا شيء إلا هذه الآية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط تهليلاتهم وتكبيراتهم حتى ينظر بعضهم إلى بعض فرحين قائلين : (وعد الله.. لا يخلف الله وعده)..!!
ويرفع خالد رأسه الى أعلى. ويرمق في إجلال وغبطة وحبور رايات الاسلام تملأ الأفق.. فيقول لنفسه : أجل انه وعد الله ولا يخلف الله وعده..!!
ثم يحني رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للاسلام وجعله في يوم الفتح العظيم هذا ، واحدا من الذين يحملون راية الاسلام إلى مكة.. وليس من الذين سيحملهم الفتح على الاسلام .
ويظل خالد إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة الدين الذي آمن به من كل يقينه ، ونذر له كل حياته .
وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى ، ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة ، وتهب أعاصير الردة غادرة ماكرة ، مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصم وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. إلى سيف الله ، خالد بن الوليد..!!
وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين إلا بجيش قاده هو بنفسه ، ولكن ذلك لا يمنع أنه ادخر خالدا ليوم الفصل ، وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا ، كان رجلها الفذ وبطلها الملهم..
عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة ، صمم الخليفة العظيم أبو بكر على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه ، ووقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم . ولكنه ازداد تصميما.. ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهمية وقداسة ، لا يؤكدها في رأيه إلا اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الايمان ، وبين جيوش الضلال والردة ، وإلا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات المسلمة..
ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة ، على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرد عارض..
لقد وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة ، سواء بين قبائل العرب ، أم على الحدود ، حيث يجثم سلطان الروم والفرس ، هذا السلطان الذي بدأ يحس خطر الاسلام الأكبر عليه ، فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار..!!
عبأ أبو بكر المسلمين وقادهم إلى حيث كانت قبائل بني عبس ، وبني مرة ، وذبيان قد خرجوا في جيش لجب..
ودار القتال ، وتطاول ، ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم..
ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة . حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية..
وكانت أنباء المرتدين وتجمعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني ، ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم ، ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة ، ويعترض الامام علي طريق أبا بكر ، ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له :
" الى أين يا خليفة رسول الله..؟؟
اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد:
لم سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك..."
وأمام اجماع مصمم من المسلمين ، رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسم الجيش إلى إحدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها..
وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا..
ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه ، اتجه صوب خالد وقال يخاطبه :
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نعم عبد الله. وأخو العشيرة ، خالد ابن الوليد ، سيف من سيوف الله. سله الله على الكفار والمنافقين"..
وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى