منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 8 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 71
  1. #11

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الثالث العاشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    **** أبو ذر الغفاري الفغاري - زعيم المعارضة وعدو الثروات


    تحدثنا عن قوة الزهد لدى أبو ذر رضي الله عنه حتى بلغ معه الأمر لمقاطعة أصحابه ممن أصبح لديهم ثروات وسلطة ، وظل أمينا على نهج ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم يتصدى لفساد السلطة والمال بالكلمة والقول الثابت ويدرىء الفتن حتى تستقيم الأمور ...
    نتابع معكم


    إذن لما ماتت في مهدها تلك الفتن التي تفقم فيما بعد أمرها واستفحل خطرها ، وعرّضت المجتمع والإسلام لأخطار ، ما كان أقساها من أخطار.
    والآن يعالج أبو ذر سكرات الموت في الربذة.. المكان الذي اختار الاقامة فيه اثر خلافه مع عثمان رضي الله عنه ، فتعالوا بنا إليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع ، ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام.
    ان هذه السيدة السمراء الضامرة ، الجالسة الى جواره تبكي، هي زوجته..
    وانه ليسألها: فيم البكاء والموت حق..؟
    فتجيبه بأنها تبكي:"لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا".!"
    يجيبها لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول :
    ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين..
    وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم غيري .. وهأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق "فستطلع علينا عصابة من المؤمنين ، فاني والله ما كذبت ولا كذبت".
    وفاضت روحه الى الله..
    ولقد صدق..
    فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء ، تؤلف جماعة من المؤمنين ، وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله.
    وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه.. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميت ، والى جواره سيدة وغلام يبكيان..
    ويلوي زمام دابته والركب معه صوب المشهد ، ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان ، حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه في الله والاسلام أبي ذر.
    وتفيض عيناه بالدمع ، ويقف على جثمانه الطاهر يقول :
    " صدق رسول الله . تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك".!


    ويجلس ابن مسعود رضي الله عنه لصحبه تفسير تلك العبارة التي نعاه بها:
    " تمشي وحدك.. وتموت حدك.. وتبعث وحدك"...
    كان ذلك في غزوة تبوك.. سنة تسع من الهجرة، وقد أمر الرسول عليه السلام بالتهيؤ لملاقاة الروم، الذين شرعوا يكيدون للاسلام ويأتمرون به.وكانت الأيام التي دعى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ..وكانت الشقة بعيدة.. والعدو مخيفا..ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين، تعللوا بشتى المعاذير..وخرج الرسول وصحبه.. وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهدا ومشقة، فجعل الرجل يتخلف، ويقولون يا رسول الله تخلف فلان
    فيقول: " دعوه.فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم..وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه"..!!
    وتلفت القوم ذات مرة، فلم يجدوا أبا ذر.. وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام :
    لقد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره..وأعاد الرسول مقالته الأولى..
    كان بعير أبي ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الاعياء خطاه..وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد، ولكن الاعياء كان يلقي ثقله على البعير..ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر، فنزل من فوق ظهر البعير، وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه، مهرولا، وسط صحراء ملتهبة، كما يدرك رسوله عليه السلام وصحبه..وفي الغداة، وقد وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا، بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار تخفي وراءها شبح رجل يغذ السير..وقال الذي رأى:
    يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق وحده..وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كن أبا ذر)..
    وعادوا لما كانوا فيه من حديث، ريثما يقطع القادم المسافة التي تفصله عنهم، وعندها يعرفون من هو..وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا.. يقتلع خطاه من الرمل المتلظي اقتلاعا، وحمله فوق ظهره بتؤدة.. ولكنه مغتبط فرحان لأنه أردك القافلة المباركة، ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه المجاهدين..وحين بلغ أول القافلة، صاح صائهحم:
    يارسول الله: انه والله أبا ذر.
    وسار أبو ذر صوب الرسول.ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية، وقال:
    [يرحم الله أبا ذر..يمشي وحده..ويموت وحده..ويبعث وحده..].
    وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد، مات أبو ذر وحيدا، في فلاة الربذة.. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده، وبطولة صموده..ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة، لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه..!!
    رحم الله أبا ذر ورضي عنه وأرضاه ...


    نتابع معكم غدا مع رجل أخر ممن صدقوا ماعاهدوا الله عليه إن شاء الله تعالى
    ***********
    اليوم الرابع عشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** بلال الحبشي رضي الله عنه
    تحدثنا عن اصول بلال بن رباح الحبشي وأنه كان عبدا مملوكا لأناس من بني جمح بمكة ... وكان يلتقط السمع عندما يتحدث أسياده عن محمد صلى الله عليه وسلم والدين الذي يدعو إليه ....
    بلال بن رباح - الساخر من الأهوال

    وذات يوم يبصر بلال بن رباح نور الله ، ويسمع في أعماق روحه الخيرة رنينه ، فيذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسلم..
    ولا يلبث خبر اسلامه أن يذيع.. وتدور الأرض برؤوس أسياده من بني جمح.. تلك الرؤوس التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور..!! وتجثم شياطين الأرض فوق صدر أمية بن خلف الذي رأى في اسلام عبد من عبيدهم لطمة جللتهم جميعا بالخزي والعار..
    عبدهم الحبشي يسلم ويتبع محمد..؟!
    ويقول أمية لنفسه : ومع هذا فلا بأس.. ان شمس هذا اليوم لن تغرب إلا ويغرب معها اسلام هذا العبد الآبق..!!
    ولكن الشمس لم تغرب قط باسلام بلال بل غربت ذات يوم بأصنام قريش كلها ، وحماة الوثنية فيها...!
    أما بلال فقد كان له موقف ليس شرفا للاسلام وحده ، وان كان الاسلام أحق به ، ولكنه شرف للانسانية جميعا..
    لقد صمد لأقسى الوان التعذيب صمود البرار العظام ، ولكأنما جعله الله مثلا على أن سواد البشرة وعبودية الرقبة لا ينالان من عظمة الروح اذا وجدت ايمانها ، واعتصمت بباريها ، وتشبثت بحقها.. لقد أعطى بلال درسا بليغا للذين في زمانه ، وفي كل زمان ، للذين على دينه وعلى كل دين.. درسا فحواه أن حرية الضمير وسيادته لا يباعان بملء الأرض ذهبا ، ولا بملئها عذابا..
    لقد وضع عريانا فوق الجمر ، على أن يزيغ عن دينه ، أو يزيف اقتناعه فأبى..
    لقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، والاسلام ، من هذا العبد الحبشي المستضعف أستاذا للبشرية كلها في فن احترام الضمير ، والدفاع عن حريته وسيادته..
    لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها الى جهنم قاتلة.. فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان ، ثم يأتون بحجر مستعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال ، ويلقون به فوق جسده وصدره..
    ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم ، حتى رقت لبلال من هول عذابه بعض قلوب جلاديه ، فرضوا آخر الأمر أن يخلوا سبيله ، على أن يذكر آلهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبرياءهم ، ولا تتحدث قريش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم واصراره..ولكن حتى هذه الكلمة الواحدة العابرة التي يستطيع أن يلقيها من وراء قلبه ، ويشتري بها حياته ونفسه دون أن يفقد ايمانه ، ويتخلى عن اقتناعه..حتى هذه الكلمة الواحدة رفض بلال أن يقولها..!
    نعم لقد رفض أن يقولها ، وصار يردد مكانها نشيده الخالد : "أحد أحد"
    يقولون له: قل كما نقول..
    فيجيبهم في تهكم عجيب وسخرية كاوية : "ان لساني لا يحسنه"..!!
    ويظل بلال في ذوب الحميم وصخره ، حتى اذا حان الأصيل أقاموه ، وجعلوا في عنقه حبلا ، ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها . وبلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس: " أحد أحد".
    وكأن اذا جن عليهم الليل يساومونه :
    غدا قل كلمات خير في آلهتنا ، قل ربي اللات والعزى ، لنذرك وشأتك ، فقد تعبنا من تعذيبك ، حتى لكأننا نحن المعذبون !
    فيهز رأسه ويقول: " أحد.. أحد..".
    ويلكزه أمية بن خلف وينفجر غما وغيظا ، ويصيح : أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء..؟ واللات والعزى لأجعلنك للعبيد والسادة مثلا.
    ويجيب بلال في يقين المؤمن وعظمة القديس : "أحد.. أحد.."
    ويعود للحديث والمساومة ، من وكل إليه تمثيل دور المشفق عليه ، فيقول :
    خل عنك يا أمية.. واللات لن يعذب بعد اليوم ، إن بلالا منا أمه جاريتنا ، وانه لن يرضى أن يجعلنا باسلامه حديث قريش وسخريتها..
    ويحدق بلال في الوجوه الكاذبة الماكرة ، ويفتر ثغره عن ابتسامة كضوء الفجر ، ويقول في هدوء يزلزلهم زلزالا: "أحد.. أحد.."
    وتجيء الغداة وتقترب الظهيرة ، ويؤخذ بلال الى الرمضاء ، وهو صابر محتسب ، صامد ثابت. ويذهب إليهم أبو بكر الصديق وهم يعذبونه ، ويصيح بهم:
    (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)؟؟
    ثم يصيح في أمية بن خلف : خذ أكثر من ثمنه واتركه حرا..
    وكأنما كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة..
    لقد طابت نفسه وسعدت حين سمع أبا بكر يعرض ثمن تحريره اذ كان اليأس من تطويع بلال قد بلغ في نفوسهم أشده ، ولأنهم كانوا من التجار ، فقد أردكوا أن بيعه أربح لهم من موته..
    باعوه لأبي بكر الذي حرره من فوره ، وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار...
    وحين كان الصديق يتأبط ذراع بلال منطلقا به إلى الحرية قال له أمية : خذه ، فواللات والعزى ، لو أبيت الا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها..
    وفطن أبو بكر لما في هذه الكلمات من مرارة اليأس وخيبة الأمل وكان حريا بألا يجيبه..
    ولكن لأن فيها مساسا بكرامة هذا الذي قد صار أخا له ، وندا ، أجاب أمية قائلا:
    والله لو أبيتم أنتم إلا مائة أوقية لدفعتها..!!
    وانطلق بصاحبه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشره بتحريره.. وكان عيدا عظيما!
    وبعد هجرة الرسول والمسلمين إلى المدينة ، واستقرارهم بها ، يشرع الرسول للصلاة أذانها..
    فمن يكون المؤذن للصلاة خمس مرات كل يوم..؟ وتصدح عبر الأفق تكبيراته وتهليلاته..؟
    انه بلال.. الذي صاح منذ ثلاث عشرة سنة والعذاب يهده ويشويه أن : " الله أحد..أحد".
    لقد وقع اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم عليه اليوم ليكون أول مؤذن للاسلام.
    وبصوته الندي الشجي مضى يملأ الأفئدة ايمانا ، والأسماع روعة وهو ينادى :
    الله أكبر الله أكبر ....الله أكبر الله أكبر
    أشهد أن لااله الا الله ... أشهد أن لا اله الا الله
    أشهد أن محمدا رسول الله ...أشهد أن محمدا رسول الله
    حي على الصلاة ...حي على الصلاة
    حي على الفلاح ...حي على الفلاح
    الله أكبر.. الله أكبر
    لااله الا الله...


    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #12

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الحادي العاشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** أبو ذر الغفاري الفغاري - زعيم المعارضة وعدو الثروات
    بعد وفاة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وامتداد الفتوحات الاسلامية ..
    توسعت الدولة الاسلامية ، وبدأت تظهر التجاوزات والأخطاء من القادة والامراء
    بدأ صراع أبو ذر رضي الله عنه مع أصحاب السلطة والمال ...
    نتابع معكم
    خرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة ، يغزوها بمعارضته معقلا معقلا.. وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير والكادحون.. حتى في الأقطار النائية التي لم يره أهلها بعد.. طاره اليها ذكره. وأصبح لا يمر بأرض، بل ولا يبلغ اسمه قوما إلا أثار تساؤلات هامّة تهدد مصالح ذوي السلطة والثراء.ولو أراد هذا الثائر الجليل أن يتخذ لنفسه ولحركته علما خاصا لما كان الشعار المنقوش على العلم سوى مكواة تتوهج حمرة ولهبا ، فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده في كل مكان وزمان.. ويردده الأنس عنه كأنه نشيد.. هذه الكلمات:
    "بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة"..!!
    لا يصعد جبلا، ولا ينزل سهلا، ولا يدخل مدينة، ولا يواجه أميرا إلا وهذه الكلمات على لسانه.ولم يعد الانس يبصرونه قادما إلا استقبلوه بهذه الكلمات:
    " بشّر الكانزين بمكاو من نار"..
    لقد صارت هذه العبارة علما على رسالته التي نذر حياته لها ، حين رأى الثروات تتركز وتحتكر.. وحين رأى السلطة استعلاء واستغلال.. وحين رأى حب الدنيا يطغى ويوشك أن يطمر كل ما صنعته سنوات الرسالة العظمى من جمال وورع، وتفان واخلاص..
    لقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورهبة..
    هناك في الشام حيث "معاوية بن أبي سفيان" يحكم أرضا من أكثر بلاد الاسلام خصوبة وخيرا وفيضا، وأنه ليعطي الأموال ويوزعها بغير حساب، يتألف بها الناس الذين لهم حظ ومكانة ، ويؤمن بها مستقبله الذي كان يرنو إليه طموحه البعيد. هناك الضياع والقصور والثروات تفتن الباقية من حملة الدعوة، فليدرك أبو ذر الخطر قبل أن يحيق ويدمّر..
    حسر زعيم المعارضة رداءه المتواضع عن ساقيه ، وسابق الريح إلى الشام..ولم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه في حماسة وشوق، والتفوا حوله أينما ذهب وسار..
    حدثنا يا أبا ذر..حدثنا يا صاحب رسول الله..ويلقي أبو ذر على الجموع حوله نظرات فاحصة، فيرى أكثرها ذوي حصاصة وفقر.. ثم يرنو ببصره نحو المشارف القريبة فيرى القصور والضياع..ثم يصرخ في الحافين حوله قائلا:
    " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الانس شاهرا سيفه"..؟؟!!
    ثم يذكر من فوره وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع الأناة مكان الانقلاب، والكلمة الشجاعة مكان السيف.. فيترك لغة الحرب هذه ويعود إلى لغة المنطق والإقناع، فيعلم الناس جميعا أنهم جميعا سواسية كأسنان المشط.. وأنهم جميعا شركاء في الرزق.. وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.. وأن أمير القوم ووليهم، هو أول من يجوع اذا جاعوا، وآخر من شبع إذا شبعوا..
    لقد قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عامّا من كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة والمناعة، والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه، وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم، أو محتكرة للثروة.وفي أيام قلائل، كانت الشام كلها كخلايا نحل وجدت ملكتها المطاعة.. ولو أعطى أبو ذر اشارة عابرة بالثورة لاشتعلت نارا.. ولكنه كما قلنا، حصر اهتمامه في خلق رأي عام يفرض احترامه، وصارت كلماته حديث المجالس والمساجد والطريق.
    ولقد بلغ خطره على الامتيازات الناشئة مداه، يوم ناظر معاوية على ملأ من الناس. ثم أبلغ الشاهد للمناظرة، الغائب عنها. وسارت الرياح بأخبارها..ولقد وقف أبو ذر أصدق العالمين لهجة، كما وصفه نبيه وأستاذه..وقف يسائل معاوية في غير خوف ولا مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما، وعن ثروته اليوم..!!وعن البيت الذي كان يسكنه بمكة، وعن قصوره بالشام اليوم..!!ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية الى الشام وصار لبعضهم قصور وضياع.ثم يصيح فيهم جميعا:
    أفأنت الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم..؟؟
    ويتولى الاجابة عنهم: نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن، وشهدتم مع الرسول المشاهد..
    ثم يعود ويسأل: ألا تجدون في كتاب الله هذه الآية:
    وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) ..؟
    ويختلام معاوية طريق الحديث قائلا: لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب..
    ويصيح أبو ذر: لا بل أنزلت لنا ولهم..
    ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يخرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال.. وألا يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه..
    وتتناقل المحافل والجموع نبأ هذه المناظرة وأنباء أبي ذر..ويتعالى نشيد أبي ذر في البيوت والطرقاتنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيبشّر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة)..
    ويستشعر معاوية الخطر، وتفزعه كلمات الثائر الجليل، ولكنه يعرف له قدره، فلا يقرّ به بسوء،
    ويكتب عن فوره للخليفة عثمان رضي الله عنه يقول له:" أن أبا ذر قد أفسد الانس بالشام"..ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه للمدينة.
    ويحسر أبي ذر طرف ردائه عن ساقيه مرّة أخرى ويسافر الى المدينة تاركا الشام في يوم لم تشهد دمشق مثله يوما من أيام الحفاوة والوداع..


    (لا حاجة لي في دنياكم)..!!


    هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل الى المدينة ، وجرى بينهما حوار طويل.
    لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه ، ومن الأنباء التي توافدت عليه من كل الأقطار عن مشايعة الجماهير لآراء أبي ذر ، بادراك صحيح لخطر دعوته وقوتها ، وقرر أن يحتفظ به إلى جواره في المدينة ، محددا بها اقامته .


    ولقد عرض عثمان قراره على أبي ذر عرضا رفيقا، رقيقا، فقال له:" ابق هنا يجانبي، تغدو عليك القاح وتروح"..


    وأجابه أبو ذر: (لا حاجة لي في دنياكم).!


    أجل لا حاجة له في دنيا الناس.. انه من أولئك الذين يبحثون عن ثراء الروح ، ويحيون الحياة ليعطوا لا ليأخذوا..!!


    ولقد طلب من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يأذن له الخروج الى الرّبذة (( مدينة تقع شرق المدينة المنورة )) فأذن له..

    للموضوع تتمة إن شاء الله
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #13

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الثاني العاشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    **** أبو ذر الغفاري الفغاري - زعيم المعارضة وعدو الثروات


    بعدما نبه الامراء واصحاب السلطة والمال ومناظرته مع معاوية بدمشق ورفع شعاره بشر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة ..استدعاه سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بعدما ارسل معاوية رسالة له يقول فيها أبا ذر أفسد الأنس بالشام
    اعتذر أبا ذر عن طلب سيدنا عثمان البقاء بجواره وأخذ الإذن منه بالرحيل الى مدينة الربذه فأذن له ...
    نتابع معكم...


    ولقد ظل وهو في احتدام معارضته أمينا لله ورسوله، حافظا في اعماق روحه النصيحة التي وجهها اليه الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يحمل السيف.. لكأن الرسول رأى الغيب كله.. غيب أبي ذر ومستقبله ، فأهدى اليه هذه النصيحة الغالية.
    ومن ثم لم يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حين يرى بعض المولعين بايقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا لاشباع ولعهم وكيدهم.
    جاءه يوما وهو في الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة ، فزجرهم بكلمات حاسمة:


    " والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ، أو أطول جبل ، لسمعت، وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي.."
    " ولوسيّرني ما بين الأفق الى الأفق ، لسمعت وأطعت ، وصبرت واحتسبت ، ورأيت ذلك خيرا لي.."
    " ولو ردّني إلى منزلي ، لسمعت وأطعت ، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي".


    ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا ، ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة.. ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها.. كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر، فتحاشاه أيضا، ورفع صوته لا سيفه بكلمة الحق ولهجة الصدق ، لا أطماع تغريه.. ولا عواقب تثنيه..!
    لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة الأمينة وتبتّل.وسيقضي عمره كله يحدّق في أخطاء الحكم وأخطاء المال ، فالحكم والمال يملكان من الاغراء والفتنة ما يخافه أبو ذر على إخوانه الذين حملوا راية الاسلام مع رسولهم صلى الله عليه وسلم ، والذين يجب أن يظلوا لها حاملين.
    والحكم والمال أيضا، هما عصب الحياة للأمة والجماعات ، فاذا اعتورهما الضلال تعرضت مصاير الناس للخطر الأكيد.
    ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول ألا يلي أحد منهم إمارة أو يجمع ثروة ، وأن يظلوا كما كانوا روّاد للهدى ، وعبّادا لله..
    وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة المال ، وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا.. ولطالما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من اغراء الامارة ويقول عنها:


    ".. انها أمانة، وانها يوم القيامة خزي وندامة.. الا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها"...


    ولقد بلغ الأمر بأبي ذر إلى تجنّب إخوانه إن لم يكن مقاطعتهم ، لأنهم ولوا الإمارات، وصار لهم بطبيعة الحال ثراء وفرة..
    لقيه أبو موسى الأشعري يوما ، فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه:" مرحبا أبا ذر.. مرحبا بأخي".
    ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول:
    " لست بأخيك ،إنما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا"..!
    كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا، ولكن أبا ذر نحّاه عنه بيده وقال له:
    ( إليك عني.. ألست الذي وليت الإمارة، فتطاولت في البنيان، واتخذت لك ماشية وزرعا)..؟؟
    ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات..
    وقد يبدو أبو ذر مبالغا في موقفه من الحكم والثروة..
    ولكن لأبي ذر منطقه الذي يشكله صدقه مع نفسه ، ومع ايمانه ، فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله.. بسلوكه ورؤاه، عند المستوى الذي خلفه لهم رسول الله وصاحباه.. أبو بكر وعمر..
    واذا كان البعض يرى في ذلك المستوى مثالية لا يدرك شأوها، فان أبا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل ، ولا سيما لأولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه الصلاة و السلام، وصلوا وراءه، وجاهدوا معه، وبايعوه على السمع والطاعة.
    كما أنه يدرك بوعيه المضيء، ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم في مصاير الناس، ومن ثم فان أي خلل يصيب أمانة الحكم، أو عدالة الثروة، يشكل خطرا يجب دحضه ومعارضته.
    ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه السلام وصاحبيه، أمينا عليها، حارسا لها.. وكان أستاذ في فن التفوق على مغريات الامارة والثروة،...عرضت عليه الامارة بالعراق فقال:" لا والله.. لن تميلوا عليّ بدنياكم أبدا"..
    ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديما فسأله:أليس لك ثوب غير هذا..؟! لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين..؟فأجابه أبو ذر: " يا بن أخي.. لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني"..قال له: والله انك لمحتاج اليهما!!
    فأجاب أب ذر: "اللهم غفر.. انك لمعظّم للدنيا، ألست ترى عليّ هذه البردة..؟؟ ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل ما نحن فيه"..؟
    وجلس يوما يحدّث ويقول:
    [ أوصاني خليلي بسبع..
    أمرني بحب المساكين والدنو منهم..
    وأمرني أن أنظر الى من هو دوني، ولاأنظر إلى من هو فوقي..
    وأمرني ألا أسأل أحد شيئا..
    وأمرني أن أصل الرحم..
    وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا..
    وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم..
    وأمرني أن أكثر من: لا حول ولا قوة الا بالله].
    ولقد عاش هذه الوصية، وصاغ حياته وفقها، حتى صار "ضميرا" بين قومه وأمته..
    ويقول الامام علي رضي الله عنه:"لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر"..!!عاش يناهض استغلال الحكم، واحتكار الثروة..عاش يدحض الخطأ، ويبني الصواب..عاش متبتلا لمسؤولية النصح والتحذير..يمنعونه من الفتوى، فيزداد صوته بها ارتفاعا، ويقول لمانعيه:" والذي نفسي بيده، لو وضعتم السيف فوق عنقي، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها"..!!
    ويا ليت المسلمين استمعوا يومئذ لقوله ونصحه...


    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #14

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الثالث العاشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    **** أبو ذر الغفاري الفغاري - زعيم المعارضة وعدو الثروات


    تحدثنا عن قوة الزهد لدى أبو ذر رضي الله عنه حتى بلغ معه الأمر لمقاطعة أصحابه ممن أصبح لديهم ثروات وسلطة ، وظل أمينا على نهج ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم يتصدى لفساد السلطة والمال بالكلمة والقول الثابت ويدرىء الفتن حتى تستقيم الأمور ...
    نتابع معكم


    إذن لما ماتت في مهدها تلك الفتن التي تفقم فيما بعد أمرها واستفحل خطرها ، وعرّضت المجتمع والإسلام لأخطار ، ما كان أقساها من أخطار.
    والآن يعالج أبو ذر سكرات الموت في الربذة.. المكان الذي اختار الاقامة فيه اثر خلافه مع عثمان رضي الله عنه ، فتعالوا بنا إليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع ، ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام.
    ان هذه السيدة السمراء الضامرة ، الجالسة الى جواره تبكي، هي زوجته..
    وانه ليسألها: فيم البكاء والموت حق..؟
    فتجيبه بأنها تبكي:"لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا".!"
    يجيبها لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول :
    ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين..
    وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم غيري .. وهأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق "فستطلع علينا عصابة من المؤمنين ، فاني والله ما كذبت ولا كذبت".
    وفاضت روحه الى الله..
    ولقد صدق..
    فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء ، تؤلف جماعة من المؤمنين ، وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله.
    وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه.. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميت ، والى جواره سيدة وغلام يبكيان..
    ويلوي زمام دابته والركب معه صوب المشهد ، ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان ، حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه في الله والاسلام أبي ذر.
    وتفيض عيناه بالدمع ، ويقف على جثمانه الطاهر يقول :
    " صدق رسول الله . تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك".!


    ويجلس ابن مسعود رضي الله عنه لصحبه تفسير تلك العبارة التي نعاه بها:
    " تمشي وحدك.. وتموت حدك.. وتبعث وحدك"...
    كان ذلك في غزوة تبوك.. سنة تسع من الهجرة، وقد أمر الرسول عليه السلام بالتهيؤ لملاقاة الروم، الذين شرعوا يكيدون للاسلام ويأتمرون به.وكانت الأيام التي دعى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ..وكانت الشقة بعيدة.. والعدو مخيفا..ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين، تعللوا بشتى المعاذير..وخرج الرسول وصحبه.. وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهدا ومشقة، فجعل الرجل يتخلف، ويقولون يا رسول الله تخلف فلان
    فيقول: " دعوه.فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم..وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه"..!!
    وتلفت القوم ذات مرة، فلم يجدوا أبا ذر.. وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام :
    لقد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره..وأعاد الرسول مقالته الأولى..
    كان بعير أبي ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الاعياء خطاه..وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد، ولكن الاعياء كان يلقي ثقله على البعير..ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر، فنزل من فوق ظهر البعير، وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه، مهرولا، وسط صحراء ملتهبة، كما يدرك رسوله عليه السلام وصحبه..وفي الغداة، وقد وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا، بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار تخفي وراءها شبح رجل يغذ السير..وقال الذي رأى:
    يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق وحده..وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كن أبا ذر)..
    وعادوا لما كانوا فيه من حديث، ريثما يقطع القادم المسافة التي تفصله عنهم، وعندها يعرفون من هو..وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا.. يقتلع خطاه من الرمل المتلظي اقتلاعا، وحمله فوق ظهره بتؤدة.. ولكنه مغتبط فرحان لأنه أردك القافلة المباركة، ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه المجاهدين..وحين بلغ أول القافلة، صاح صائهحم:
    يارسول الله: انه والله أبا ذر.
    وسار أبو ذر صوب الرسول.ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية، وقال:
    [يرحم الله أبا ذر..يمشي وحده..ويموت وحده..ويبعث وحده..].
    وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد، مات أبو ذر وحيدا، في فلاة الربذة.. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده، وبطولة صموده..ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة، لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه..!!
    رحم الله أبا ذر ورضي عنه وأرضاه ...


    نتابع معكم غدا مع رجل أخر ممن صدقوا ماعاهدوا الله عليه إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #15

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الرابع عشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** بلال الحبشي رضي الله عنه
    تحدثنا عن اصول بلال بن رباح الحبشي وأنه كان عبدا مملوكا لأناس من بني جمح بمكة ... وكان يلتقط السمع عندما يتحدث أسياده عن محمد صلى الله عليه وسلم والدين الذي يدعو إليه ....
    بلال بن رباح - الساخر من الأهوال

    وذات يوم يبصر بلال بن رباح نور الله ، ويسمع في أعماق روحه الخيرة رنينه ، فيذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسلم..
    ولا يلبث خبر اسلامه أن يذيع.. وتدور الأرض برؤوس أسياده من بني جمح.. تلك الرؤوس التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور..!! وتجثم شياطين الأرض فوق صدر أمية بن خلف الذي رأى في اسلام عبد من عبيدهم لطمة جللتهم جميعا بالخزي والعار..
    عبدهم الحبشي يسلم ويتبع محمد..؟!
    ويقول أمية لنفسه : ومع هذا فلا بأس.. ان شمس هذا اليوم لن تغرب إلا ويغرب معها اسلام هذا العبد الآبق..!!
    ولكن الشمس لم تغرب قط باسلام بلال بل غربت ذات يوم بأصنام قريش كلها ، وحماة الوثنية فيها...!
    أما بلال فقد كان له موقف ليس شرفا للاسلام وحده ، وان كان الاسلام أحق به ، ولكنه شرف للانسانية جميعا..
    لقد صمد لأقسى الوان التعذيب صمود البرار العظام ، ولكأنما جعله الله مثلا على أن سواد البشرة وعبودية الرقبة لا ينالان من عظمة الروح اذا وجدت ايمانها ، واعتصمت بباريها ، وتشبثت بحقها.. لقد أعطى بلال درسا بليغا للذين في زمانه ، وفي كل زمان ، للذين على دينه وعلى كل دين.. درسا فحواه أن حرية الضمير وسيادته لا يباعان بملء الأرض ذهبا ، ولا بملئها عذابا..
    لقد وضع عريانا فوق الجمر ، على أن يزيغ عن دينه ، أو يزيف اقتناعه فأبى..
    لقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، والاسلام ، من هذا العبد الحبشي المستضعف أستاذا للبشرية كلها في فن احترام الضمير ، والدفاع عن حريته وسيادته..
    لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها الى جهنم قاتلة.. فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان ، ثم يأتون بحجر مستعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال ، ويلقون به فوق جسده وصدره..
    ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم ، حتى رقت لبلال من هول عذابه بعض قلوب جلاديه ، فرضوا آخر الأمر أن يخلوا سبيله ، على أن يذكر آلهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبرياءهم ، ولا تتحدث قريش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم واصراره..ولكن حتى هذه الكلمة الواحدة العابرة التي يستطيع أن يلقيها من وراء قلبه ، ويشتري بها حياته ونفسه دون أن يفقد ايمانه ، ويتخلى عن اقتناعه..حتى هذه الكلمة الواحدة رفض بلال أن يقولها..!
    نعم لقد رفض أن يقولها ، وصار يردد مكانها نشيده الخالد : "أحد أحد"
    يقولون له: قل كما نقول..
    فيجيبهم في تهكم عجيب وسخرية كاوية : "ان لساني لا يحسنه"..!!
    ويظل بلال في ذوب الحميم وصخره ، حتى اذا حان الأصيل أقاموه ، وجعلوا في عنقه حبلا ، ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها . وبلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس: " أحد أحد".
    وكأن اذا جن عليهم الليل يساومونه :
    غدا قل كلمات خير في آلهتنا ، قل ربي اللات والعزى ، لنذرك وشأتك ، فقد تعبنا من تعذيبك ، حتى لكأننا نحن المعذبون !
    فيهز رأسه ويقول: " أحد.. أحد..".
    ويلكزه أمية بن خلف وينفجر غما وغيظا ، ويصيح : أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء..؟ واللات والعزى لأجعلنك للعبيد والسادة مثلا.
    ويجيب بلال في يقين المؤمن وعظمة القديس : "أحد.. أحد.."
    ويعود للحديث والمساومة ، من وكل إليه تمثيل دور المشفق عليه ، فيقول :
    خل عنك يا أمية.. واللات لن يعذب بعد اليوم ، إن بلالا منا أمه جاريتنا ، وانه لن يرضى أن يجعلنا باسلامه حديث قريش وسخريتها..
    ويحدق بلال في الوجوه الكاذبة الماكرة ، ويفتر ثغره عن ابتسامة كضوء الفجر ، ويقول في هدوء يزلزلهم زلزالا: "أحد.. أحد.."
    وتجيء الغداة وتقترب الظهيرة ، ويؤخذ بلال الى الرمضاء ، وهو صابر محتسب ، صامد ثابت. ويذهب إليهم أبو بكر الصديق وهم يعذبونه ، ويصيح بهم:
    (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)؟؟
    ثم يصيح في أمية بن خلف : خذ أكثر من ثمنه واتركه حرا..
    وكأنما كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة..
    لقد طابت نفسه وسعدت حين سمع أبا بكر يعرض ثمن تحريره اذ كان اليأس من تطويع بلال قد بلغ في نفوسهم أشده ، ولأنهم كانوا من التجار ، فقد أردكوا أن بيعه أربح لهم من موته..
    باعوه لأبي بكر الذي حرره من فوره ، وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار...
    وحين كان الصديق يتأبط ذراع بلال منطلقا به إلى الحرية قال له أمية : خذه ، فواللات والعزى ، لو أبيت الا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها..
    وفطن أبو بكر لما في هذه الكلمات من مرارة اليأس وخيبة الأمل وكان حريا بألا يجيبه..
    ولكن لأن فيها مساسا بكرامة هذا الذي قد صار أخا له ، وندا ، أجاب أمية قائلا:
    والله لو أبيتم أنتم إلا مائة أوقية لدفعتها..!!
    وانطلق بصاحبه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشره بتحريره.. وكان عيدا عظيما!
    وبعد هجرة الرسول والمسلمين إلى المدينة ، واستقرارهم بها ، يشرع الرسول للصلاة أذانها..
    فمن يكون المؤذن للصلاة خمس مرات كل يوم..؟ وتصدح عبر الأفق تكبيراته وتهليلاته..؟
    انه بلال.. الذي صاح منذ ثلاث عشرة سنة والعذاب يهده ويشويه أن : " الله أحد..أحد".
    لقد وقع اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم عليه اليوم ليكون أول مؤذن للاسلام.
    وبصوته الندي الشجي مضى يملأ الأفئدة ايمانا ، والأسماع روعة وهو ينادى :
    الله أكبر الله أكبر ....الله أكبر الله أكبر
    أشهد أن لااله الا الله ... أشهد أن لا اله الا الله
    أشهد أن محمدا رسول الله ...أشهد أن محمدا رسول الله
    حي على الصلاة ...حي على الصلاة
    حي على الفلاح ...حي على الفلاح
    الله أكبر.. الله أكبر
    لااله الا الله...


    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #16

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الخامس عشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** بلال الحبشي رضي الله عنه


    بلال بن رباح - الساخر من الأهوال
    كان سيدنا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه إذا ذكر أبو بكر قال:
    " أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا ".. يعني بلالا رضي الله عنه..
    وان رجلا يلقبه عمر بسيدنا هو رجل عظيم ومحظوظ..
    لكن هذا الرجل الشديد السمرة ، النحيف الناحل ، المفرط الطول الكث الشعر،الخفيف العارضين ،
    لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه إليه ، وتغدق عليه ، إلا ويحني رأسه ويغض طرفه ،
    ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل :
    "انما أنا حبشي.. كنت بالأمس عبدا"..!!
    فمن هذا الحبشي الذي كان بالأمس عبدا..!!
    إنه "بلال بن رباح" مؤذن الاسلام ، ومزعج الأصنام ..
    إنه احدى معجزات الإيمان والصدق. إحدى معجزات الإسلام العظيم..
    في كل عشرة مسلمين . منذ بدأ الإسلام الى اليوم ، وإلى ما شاء الله سنلتقي بسبعة على الأقل يعرفون بلالا..
    أي أن هناك مئات الملايين من البشر عبر القرون والأجيال عرفوا بلالا ، وحفظوا اسمه ، وعرفوا دوره. تماما
    كما عرفوا أعظم خليفتين في الاسلام : أبي بكر وعمر...!!
    وانك لتسأل الطفل الذي لا يزال يحبو في سنوات دراسته الأولى في .. في كل بقعة من الأرض يقتنها مسلمون ،
    تستطيع أن تسأل أي طفل مسلم:
    من بلال يا غلام؟
    فيجيبك: انه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم ..
    وانه العبد الذي كان سيده يعذبه بالحجارة المستعرة ليرده عن دينه ، فيقول :
    "أحد.. أحد.."
    وحينما تبصر هذا الخلود الذي منحه الاسلام بلالا.. فاعلم أن بلال هذا ، لم يكن قبل الاسلام أكثر من عبد رقيق ،
    يرعى ابل سيده على حفنات من التمر، حتى يطو به الموت ، ويطوح به الى أعماق النسيان..
    لكن صدق ايمانه ، وعظمة الدين الذي آمن به بوأه في حياته ، وفي تاريخه مكانا عليا في الاسلام
    بين العظماء والشرفاء والكرماء...
    ان كثيرا من علية البشر ، وذوي الجاه والنفوذ والثروة فيهم ، لم يظفروا بمعشار الخلود الذي ظفر به بلال العبد الحبشي..!!
    بل ان كثيرا من أبطال التاريخ لم ينالوا من الشهرة التاريخية بعض الذي ناله بلال..
    ان سواد بشرته ، وتواضع حسبه ونسبه ، وهوانه على الانس كعبد رقيق ، لم يحرمه حين آثر الاسلام دينا ،
    من أن يتبوأ المكان الرفيع الذي يؤهله له صدقه ويقينه ، وطهره ، وتفانيه..
    ان ذلك كله لم يكن له في ميزان تقييمه وتكريمه أي حساب ، الا حساب الدهشة حين توجد العظمة في غير مظانها..
    فلقد كان الناس يظنون أن عبدا مثل بلال ، ينتمي الى أصول غريبة.. ليس له أهل ، ولا حول ، ولا يملك من حياته شيئا
    فهو ملك لسيده الذي اشتراه بماله.. يروح ويغدو وسط شويهات سيده وابله وماشيته..
    كانوا يظنون أن مثل هذا الكائن ، لا يمكن أن يقدر على شيء ولا أن يكون شيئا.
    ثم اذا هو يخلف الظنون جميعا ،
    فيقدر على ايمان ، هيهات أن يقدر على مثله سواه.. ثم يكون أول مؤذن للرسول والاسلام العمل الذي كان يتمناه
    لنفسه كل سادة قريش وعظمائها من الذين أسلموا واتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ..!!
    أجل.. بلال بن رباح !
    أية بطولة.. وأية عظمة تعبر عنها هذه الكلمات الثلاث بلال ابن رباح..؟!
    انه حبشي من أمة السود... جعلته مقاديره عبدا لأناس من بني جمح بمكة ٬ حيث كانت أمه احدى إمائهم وجواريهم..
    كان يعيش عيشة الرقيق ، تمضي أيامه متشابهة قاحلة ، لا حق له في يومه ، ولا أمل له في غده..!!
    ولقد بدأت أنباء محمد تنادي سمعه ، حين أخذ الانس في مكة يتناقلونها ، وحين كان يصغي الى أحاديث ساداته وأضيافهم
    سيما "أمية بن خلف" أحد شيوخ بني جمح القبيلة التي كان بلال أحد عبيدها..
    لطالما سمع أمية وهو يتحد ث مع أصدقائه حينا ، وأفراد قبيلته أحيانا عن الرسول حديثا يطفح غيظا ، وغما وشرا..
    وكانت أذن بلال تلتقط من بين كلمات الغيظ المجنون ، الصفات التي تصور له هذا الدين الجديد..
    وكان يحس أنها صفات جديدة على هذه البيئة التي يعيش فيها.. كما كانت أذنه تلتقط من خلال أحاديثهم الراعدة
    المتوعدة اعترافهم بشرف محمد وصدقه وأمانته..!!
    أجل انه ليسمعهم يعجبون ، ويحارون ، في هذا الذي جاء به محمد..!!
    ويقول بعضهم لبعض : ما كان محمد يوما كاذبا .. ولا ساحرا..ولا مجنونا..
    وان لم يكن لنا بد من وصمه اليوم بذلك كله ، حتى نصد عنه الذين سيسارعون إلى دينه..!!
    سمعهم يتحدثون عن أمانته..
    عن وفائه.. عن رجولته وخلقه.. عن نزاهته ورجاحة عقله..
    وسمعهم يتهامسون بالأسباب التي تحملهم على تحديه وعداوته ، تلك هي :
    ولاؤهم لدين آبائهم أولا.
    والخوف على مجد قريش ثانيا ،
    ذلك المجد الذي يفيئه عليها مركزها الديني ،
    كعاصمة للعبادة والنسك في جزيرة العرب كلها ،
    ثم الحقد على بني هاشم ، أن يخرج منهم دون غيرهم نبي ورسول...!


    للموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  7. #17

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم السادس عشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** بلال الحبشي رضي الله عنه الساخر من الأهوال


    تحمل بلال بن رباح العذاب الشديد من أسياده لاعتناقه دين الاسلام ... اشتراه سيدنا ابو بكر رضي الله عنه واعتقه واصبح حرا ... وهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وفي المدينة المنورة رفع أول أذان بالاسلام ....


    نشب القتال بين المسلمين وجيش قريش الذي قدم الى المدينة غازيا..
    وتدور الحرب عنيفة قاسية ضارية..وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها الاسلام ، غزوة بدر..
    تلك الغزوة التي أمر الرسول عليه السلام أن يكون شعارها: "أحد..أحد".
    في هذه الغزوة ألقت قريش بأفلاذ أكبادها ، وخرج أشرافها جميعا لمصارعتهم..!!
    ولقد هم بالنكوص عن الخروج "أمية بن خلف" .. هذا الذي كان سيدا لبلال ، والذي كان يعذبه في وحشية قاتلة..
    هم بالنكوص لولا أن ذهب اليه صديقه "عقبة بن أبي معيط" حين علم عن نبأ تخاذله وتقاعسه ، حاملا في يمينه مجمرة حتى اذا واجهه وهو جالس وسط قومه ، ألقى الجمرة بين يديه وقال له:
    يا أبا علي ، استجمر بهذه فانما أنت من النساء..!!!
    وصاح به أمية قائلا : قبحك الله ، وقبح ما جئت به..
    ثم لم يجد بدا من الخروج مع الغزاة فخرج..
    أية أسرار للقدر ، يطويها وينشرها..؟
    لقد كان عقبة بن أبي معيط أكبر مشجع لأمية على تعذيب بلال ، وغير بلال من المسلمين المستضعفين..
    واليوم هو نفسه الذي يغريه بالخروج الى غزوة بدر التي سيكون فيها مصرعه..!!
    كما سيكون فيها مصرع عقبة أيضا!
    لقد كان أمية من القاعدين عن الحرب.. ولولا تشهير عقبة به على هذا النحو الذي رأيناه لما خرج..!!
    ولكن الله بالغ أمره ، فليخرج أمية فان بينه وبين عبد من عباد الله حسابا قديما ، جاء أوان تصفيته ، فالديّان لا يموت ، وكما تدينون تدانون..!!
    وان القدر ليحلو له أن يسخر بالجبارين.. فعقبة الذي كان أمية يصغي لتحريضه ، ويسارع الى هواه في تعذيب المؤمنين الأبرياء ، هو نفسه الذي سيقود أمية إلى مصرعه..
    وبيد من..؟
    بيد بلال نفسه.. وبلال وحده!!
    نفس اليد التي طو قها أمية بالسلاسل ، وأوجع صاحبها ضربا ، وعذابا..
    مع هذه اليد ذاتها ، هي اليوم ، وفي غزوة بدر ، على موعد أجاد القدر توقيته ، مع جلاد قريش الذي أذل المؤمنين بغيا وعدوا.. ولقد حدث هذا تماما..
    وحين بدأ القتال بين الفريقين ، وارتج جانب المعركة من قبل المسلمين بشعارهم:" أحد.. أحد" انخلع قلب أمية ، وجاءه النذير..
    ان الكلمة التي كان يرددها بالأمس عبد تحت وقع العذاب والهول قد صارت اليوم شعار دين بأسره وشعار الأمة الجديدة كلها..!! "أحد..أحد"؟؟!!
    أهكذا..؟ وبهذه السرعة.. وهذا النمو العظيم..؟؟
    وتلاحمت السيوف وحمي القتال..
    وبينما المعركة تقترب من نهايتها ، لمح أمية بن خلف" عبد الرحمن بن عوف" صاحب رسول الله ، فاحتمى به ، وطلب إليه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته..
    وقبل عبد الرحمن عرضه وأجاره ، ثم سار به وسط المعمعة إلى مكان الأسرى.
    وفي الطريق لمح بلال فصاح قائلا:
    "رأس الكفر أمية بن خلف.. لا نجوت ان نجا".
    ورفع سيفه ليقطف الرأس الذي لطالما أثقله الغرور والكبر، فصاح به عبد الرحمن بن عوف:
    "أي بلال.. انه أسيري".
    أسير والحرب مشبوبة دائرة..؟
    أسير وسيفه يقطر دما مما كان يصنع قبل لحظة في أجساد المسلمين..؟
    لا.. ذلك في رأي بلال ضحك بالعقول وسخرية.. ولقد ضحك أمية وسخر بما فيه الكفاية.. سخر حتى لم يترك من السخرية بقية يدخرها ليوم مثل هذا اليوم ، وهذا المأزق ، وهذا المصير..!!
    ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين عبد الرحمن بن عوف ، فصاح بأعلى صوته في المسلمين:
    "يا أنصار الله.. رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت ان نجا"...!
    وأقبلت كوكبة من المسلمين تقطر سيوفهم المنايا ، وأحاطت بأمية وابنه ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا.. بل لم يستطع أن يحمي أدراعه التي بددها الزحام.
    وألقى بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف القاصفة نظرة طويلة ، ثم هرول عنه مسرعا
    وصوته الندي يصيح: "أحد.. أحد.."
    لا أظن أن من حقنا أن نبحث عن فضيلة التسامح لدى بلال في مثل هذا المقام..
    فلو أن اللقاء بين بلال وأمية تم في ظروف أخرى ، لجازنا أن نسال بلالا حق التسامح ، وما كان لرجل في مثل ايمانه وتقاه أن يبخل به.
    لكن اللقاء الذي تم بينهما ، كان في حرب ، جاءها كل فريق ليفني غريمه..
    السيوف تتوهج.. والقتلى يسقطون.. والمنايا تتواثب ، ثم يبصر بلال أمية الذي لم يترك في جسده موضع أنملة الا ويحمل آثار تعذيب.
    وأين يبصره وكيف..؟
    يبصره في ساحة الحرب والقتال يحصد بسيفه كل ما يناله من رؤوس المسلمين ، ولو أدرك رأس بلال ساعتئذ لطوح به..
    في ظروف كهذه يلتقي الرجلان فيها ، لا يكون من المنطق العادل في شيء أن نسأل بلالا: لماذا لم يصفح الصفح الجميل..؟؟


    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  8. #18

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم السابع عشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** بلال الحبشي رضي الله عنه الساخر من الأهوال


    بعد غزوة بدر الذي كان شعارها أحد ... أحد ومقتل أئمة الكفر علي يد سيدنا بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ....
    وتمضي الأيام وتفتح مكة..
    ويدخلها الرسول شاكرا مكبرا على رأس عشرة آلاف من المسلمين..
    ويتوجه الى الكعبة رأسا.. هذا المكان المقدس الذي زحمته قريش بعدد أيام السنة من الأصنام..!!
    لقد جاء الحق وزهق الباطل..
    ومن اليوم لا عزى.. ولا لات.. ولا هبل.. لن يجني الانسان بعد اليوم هامته لحجر ، ولا وثن.. ولن يعبد الناس ملء ضمائرهم إلا الله الذي ليس كمثله شيء ،الواحد الأحد ، الكبير المتعال..
    ويدخل الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة ، مصطحبا معه بلال..!
    ولا يكاد يدخلها حتى يواجه تمثالا منحوتا ، يمثل ابراهيم عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام ، فيغضب الرسول ويقول:
    "قاتلهم الله..
    ما كان شيخنا يستقسم بالأزلام.. ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين".
    ويأمر بلال أن يعلو ظهر المسجد ، ويؤذن .
    ويؤذن بلال.. فيالروعة الزمان ، والمكان ، والمناسبة..!!
    كفت الحياة في مكة عن الحركة ووقفت الألوف المسلمة كالنسمة الساكنة ، تردد في خشوع وهمس كلمات الآذان وراء بلال.
    والمشركون في بيوتهم لا يكادون يصدقون :
    أهذا هو محمد وفقراؤه الذين أخرجوا بالأمس من هذا الديار..؟؟
    أهذا هو حقا ، ومعه عشرة آلاف من المؤمنين..؟؟
    أهذا هو حقا الذي قاتلناه ، وطاردناه وقتلنا أحب الناس إليه..؟
    أهذا هو حقا الذي كان يخاطبنا من لحظات ورقابنا بين يديه ، ويقول لنا :
    "اذهبوا فأنتم الطلقاء"..!!
    ولكن ثلاثة من أشراف قريش ، كانوا جلوسا بفناء الكعبة ، وكأنما يلفحهم مشهد بلال وهو يدوس أصنامهم بقدميه ، ويرسل من فوق ركامها المهيل صوته بالأذان المنتشر في آفاق مكة كلها كعبير الربيع..
    أما هؤلاء الثلاثة فهم ، أبوسفيان بن حرب ، وكان قد أسلم منذ ساعات ، وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، وكانا لم يسلما بعد.
    قال عتاب وعينه على بلال وهو يصدح بأذانه:
    لقد أكرم الله اسيدا ، ألا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه. وقال الحارث :
    أما والله لو أعلم أن محمدا محق لاتبعته..!!
    وعقب أبو سفيان الداهية على حديثهما قائلا :
    اني لا أقول شيئا ، فلو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى !! وحين غادر النبي الكعبة رآهم ، وقرأ وجوههم في لحظة ، قال وعيناه تتألقان بنور الله ، وفرحة النصر :
    قد علمت الذي قلتم..!!!
    ومضى يحدثهم بما قالوا..
    فصاح الحارث وعتاب :
    نشهد أنك رسول الله ، والله ما سمعنا أحد فنقول أخبرك..!!
    واستقبلا بلال بقلوب جديدة..في أفئدتهم صدى الكلمات التي سمعوها في خطاب الرسول أول دخول مكة:
    " يامعشر قريش..
    ان الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء..
    الناس من آدم وآدم من تراب"..
    وعاش بلال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يشهد معه المشاهد كلها ، يؤذن للصلاة ، ويحيي ويحمي شعائر هذا الدين العظيم الذي أخرجه من الظلمات إلى النور ، ومن الرق إلى الحرية..
    وعلا شأن الاسلام ، وعلا معه شأن المسلمين ، وكان بلال يزداد كل يوم قربا من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يصفه بأنه :" رجل من أهل الجنة"..
    لكن بلالا بقي كما هو كريما متواضعا ، لا يرى نفسه الا أنه :" الحبشي الذي كان بالأمس عبدا"..!!
    ذهب يوما يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما :
    "أنا بلال ، هذا أخي عبدان من الحبشة.. كنا ضالين فهدانا الله.. وكنا عبدين فأعتقنا الله.. ان تزوجونا فالحمد الله.. وان تمنعونا فالله أكبر.."!!
    وذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى راضيا مرضيا ، ونهض بأمر المسلمين من بعده خليفته أبو بكر الصديق..
    وذهب بلال الى خليفة رسول الله يقول له:
    " يا خليفة رسول الله ..
    اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أفضل عمل لمؤمن الجهاد في سبيل الله"..
    فقال له أبو بكر : فما تشاء يا بلال..؟
    قال: أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت..
    قال أبو بكر ومن يؤذن لنا؟
    قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع ، اني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله .
    قال أبو بكر : بل ابق وأذن لنا يا بلال..
    قال بلال: ان كنت أعتقتني لأكون لك فليكن لك ما تريد . وان كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له..
    قال أبو بكر : بل أعتقتك لله يا بلال..
    ويختلف الرواة٬ فيروي بعضهم أنه سافر إلى الشام حيث بقي فيها مجاهدا مرابطا.
    ويروي بعضهم الآخر ، أنه قبل رجاء أبي بكر في أن يبقى معه بالمدينة ، فلما قبض وولي عمر الخلافة استأذنه وخرج الى الشام.
    على أية حال ، فقد نذر بلال بقية حياته وعمره للمرابطة في ثغور الاسلام ، مصمما أن يلقى الله ورسوله وهو على خير عمل يحبانه
    ولم يعد يصدح بالأذان بصوته الشجي الحفي المهيب ، ذلك أنه لم ينطق في أذانه "أشهد أن محمدا رسول الله" حتى تجيش به الذكريات فيختفي صوته تحت وقع أساه ، وتصيح بالكلمات دموعه وعبراته.
    وكان آخر أذان له أيام زار أمير المؤمنين عمر وتوسل المسلمون إليه أن يحمل بلالا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة.
    ودعا أمير المؤمنين بلال ، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها.
    وصعد بلال وأذن.. فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله وبلال يؤذن له.. بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا.. وكان عمر أشدهم بكاء..!!
    ومات بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد.
    وتحت ثرى دمشق يثوي اليوم رفات رجل من أعظم رجال البشر صلابة في الوقوف الى جانب العقيدة والاقتناع...


    وهذه صورة من الواقع لقبر سيدنا بلال رضي الله عنه المدفون بدمشق تربة باب الصغير ... تتكلم عن نفسها .. شاهدوا من صمم الرداء الموضوع على القبر ...
    إنه شيخ المنشدين توفيق المنجد رحمه الله
    زورا هذا المكان ... تتجلى لكم عظمة هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه


    ومع رجل أخر ممن صدقوا ماعاهدوا الله عليه إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  9. #19

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    اليوم الثامن عشر : رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
    ***** عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - المثابر الأواب -
    تحد ث وهو على قمة عمره الطويل فقال:
    "لقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    فما نكثت ولا بدلت إلى يومي هذا.. وما بايعت صاحب فتنة.. ولا أيقظت مؤمنا من مرقده"..
    وفي هذه الكلمات تلخيص لحياة الرجل الصالح الذي عاش فوق الثمانين ، والذي بدأت علاقته بالإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو في الثالثة عشر من العمر ، حين صحب أباه في غزوة بدر ، راجيا أن يكون له بين المجاهدين مكان ، لولا أن رده الرسول عليه السلام لصغر سنه..
    من ذلك اليوم.. بل وقبل ذلك اليوم حين صحب أباه في هجرته إلى المدينة.. بدأت صلة الغلام ذي الرجولة المبكرة بالرسول عليه الصلاة السلام والاسلام..
    ومن ذلك اليوم إلى اليوم الذي يلقى فيه ربه ، بالغا من العمر خمسة وثمانين عاما، سنجد فيه حيثما نلقاه ، المثابر الأواب الذي لا ينحرف عن نهجه قيد أشعرة ، ولا يند عن بيعة بايعها، ولا يخيس بعهد أعطاه.. وان المزايا التي تأخذ الأبصار إلى عبدالله بن عمر لكثيرة.
    فعلمه وتواضعه ، واستقامة ضميره ونهجه ، وجوده ، وورعه ، ومثابرته ، على العبادة وصدق استمساكه بالقدوة.. كل هذه الفضائل والخصال ، صاغ ابن عمر عمره منها ، وشخصيته الفذة ، وحياته الطاهرة الصادقة..
    لقد تعلم من أبيه عمر بن الخطاب خيرا كثيرا.. وتعلم مع أبيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير كله والعظمة كلها..
    لقد أحسن كأبيه الايمان باالله ورسوله.. ومن ثم ، كانت متابعته خطى الرسول أمرا يبهر الألباب..
    فهو ينظر ، ماذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل في كل أمر ، فيحاكيه في دقة واخبات..
    هنا مثلا ، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي.. فيصلي ابن عمر في ذات المكان..
    وهنا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو قائما ، فيدعو ابن عمر قائما...
    وهنا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو جالسا ، فيدعو عبد الله جالسا..
    وهنا وعلى هذا الطريق نزل الرسول صلى الله عليه وسلم يوما من فوق ظهر ناقته ، وصلى ركعتين،فصنع ابن عمر ذلك اذا جمعه السفر بنفس البقعة والمكان..
    بل انه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتين في هذا المكان بمكة ، قبل أن ينزل الرسول من فوق ظهرها ، ويصلي ركعتين ، وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها. لكن عبدالله بن عمر لا يكاد يبلغ هذا المكان يوما حتى يدور بناقته ، ثم ينيخها ، ثم يصلي ركعتين لله.. تماما كما رأى المشهد من قبل مع رسول الله..
    ولقد أثار فرط اتباعه هذا ، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت:
    "ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله ، كما كان يتبعه ابن عمر".
    ولقد قضى عمره الطويل المبارك على هذا الولاء الوثيق ، حتى لقد جاء على المسلمين زمان كان صالحهم يدعو ويقول:
    "اللهم أبق عبد الله بن عمر ما أبقيتني ، كي أقتدي به ، فاني لا أعلم أحد على الأمر الأول غيره".
    وبقوة هذا التحري لشديد الوثيق لخطى الرسول وسنته ، كان ابن عمر يتهيب الحديث عن رسول الله ، ولا يروي عنه عليه السلام حديثا إلا إذا كان ذاكرا كل حروفه ، حرفا.. حرفا.
    وقد قال معاصروه..
    "لم يكن من أصحاب رسول الله أحد أشد حذرا من ألا يزيد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينقص منه ، من عبد الله بن عمر"..!!
    وكذلك كان شديد الحذر والتحوط في الفتيا..
    جاءه يوما رجل يستفتيه ، فلما ألقى على ابن عمر سؤاله أجابه قائلا:
    " لا علم لي بما تسأل عنه"
    وذهب الرجل في سبيله ، ولا يكاد يبتعد عن ابن عمر خطوات حتى يفرك ابن عمر كفه جذلان فرحا ويقول لنفسه:
    "سئل ابن عمر عما لا يعلم ، فقال لا أعلم"..!
    كان يخاف أن يجتهد في فتياه ، فيخطئ في اجتهاده ، وعلى الرغم من أنه يحيا وفق تعاليم الدين العظيم ، للمخطئ أجر وللمصيب أجرين ، فان ورعه أن يسلبه ورعه كان يسلبه الجسارة على الفتيا.
    وكذلك كان ينأى به عن مناصب القضاة..
    لقد كانت وظيفة القضاء من أرفع مناصب الدولة والمجتمع ، وكانت تضمن لشاغرها ثراء ، وجاها ، ومجدا.. ولكن ما حاجة ابن عمر الورع للثراء ، وللجاه ، وللمجد..؟!
    دعاه يوما الخليفة عثمان رضي الله عنهما ، وطلب إليه أن يشغل منصب القضاة ، فاعتذر.. وألح عليه عثمان ، فثابر على اعتذاره..
    وسأله عثمان: أتعصيني؟؟
    فأجاب ابن عمر :
    " كلا.. ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة..
    قاض يقضي بجهل ، فهو في النار..
    وقاض يقضي بهوى ، فهو في النار..
    وقاض يجتهد ويصيب ، فهو كفاف ، لا وزر ، ولا أجر..
    واني لسائلك بالله أن تعفيني"..
    وأعفاه عثمان ، بعد أن أخذ عليه العهد ألا يخبر أحدا بهذا.
    ذلك أن عثمان يعلم مكانة ابن عمر في أفئدة الناس ، وانه ليخشى إذا عرف الأتقياء الصالحون عزوفه عن القضاء أن يتابعوا وينهجوا نهجه ، وعندئذ لا يجد الخليفة تقيا يعمل قاضيا.. وقد يبدو هذا الموقف لعبد الله بن عمر سمة من سمات السلبية.
    بيد أنه ليس كذلك ، فعبد الله بن عمر لم يمتنع عن القضاء وليس هناك من يصلح له سواه.. بل هناك كثيرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الورعين الصالحين ، وكان بعضهم يشتغل بالقضاء والفتية بالفعل.. ولم يكن في تخلي ابن عمر عنه تعطيل لوظيفة القضاء ، ولا القاء بها بين أيدي الذين لا يصلحون لها..
    ومن ثم قد آثر البقاء مع نفسه ، ينميها ويزكيها بالمزيد من الطاعة ، والمزيد من العبادة..
    كما أنه في ذلك الحين من حياة الاسلام ، كانت الدنيا قد فتحت على المسلمين وفاضت الأموال ، وكثرت المناصب والامارات . وشرع اغراء المال والمناصب يقترب من بعض القلوب المؤمنة ، مما جعل بعض أصحاب الرسول ومنهم ابن عمر ، يرفعون راية المقاومة لهذا الاغراء باتخذهم من أنفسهم قدوة ومثلا في الزهد والورع والعزوف
    عن المناصب الكبيرة ، وقهر فتنتها واغرائها...


    وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  10. #20

    رد: يا غير مسجل قبسات من حياة بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .....

    لك الأجر والثواب أستاذة ريمه الخاني على هذا المجهود الضخم والمفيد , بارك الله بك , تحياتي .

صفحة 2 من 8 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تفرق الصحابة بعد رسول الله في الأمصار و البلدان
    بواسطة ميساء حلواني في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-06-2017, 07:52 AM
  2. وداعًا يا أديب عمان عبد الله رضوان
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-17-2015, 06:19 PM
  3. نجوم باب الحارة الراحلين ، رحمة الله عليهم
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-14-2014, 12:45 PM
  4. عددالانبياء والرسل صلوات الله عليهم اجمعين
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-29-2013, 07:03 PM
  5. معــاهد رعـايـة المـعّـوقين .. الجزء الأول .... بقلم : رضوان عبد الله
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الاحتياجات الخاصة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-28-2009, 11:51 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •