فتح وحماس وتوقيع الحل النهائي
د. غازي حسين


أدى العبث الذي قام به عرفات وقيادته المنحرفة ومجلسه الوطني بالثوابت الفلسطينية والعربية وتوقيع اتفاق الإذعان في أوسلو وإلغاء الميثاق الوطني إلى الوضع المأساوي والكارثي الذي وصلت إليه قضية فلسطين القضية المركزية للعرب والمسلمين. ففلسطين ليست بخير، والقضية في أردأ أحوالها. ويعيش الفلسطينيون بلا وطن وبلا حق عودة أو استعادة لأراضيهم وثرواتهم ومقدساتهم ومياههم التي اغتصبتها إسرائيل أو دمرتها وبلا حقوق مدنية وإنسانية في بعض البلدان العربية.
ووصلت القضية إلى أردأ مراحلها. ووصل العرب إلى أسوأ أحوالهم. وأصبحت واشنطن وتل أبيب تتحكمان بالقرار العربي سواء في مؤتمرات القمة أو في جامعة الدول العربية وفي دول الخليج والسلطة الفلسطينية التي ابتكرها دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي.
قضى اتفاق الإذعان في أوسلو على المشروع الوطني الفلسطيني بالاعتراف في إسرائيل والتخلي عن المقاومة المسلحة ونعتها بالإرهاب وإلغاء الميثاق الوطني وتعاون أجهزة السلطة الأمنية مع العدو الإسرائيلي. ونجحت إسرائيل وأمريكا ومؤتمرات القمم العربية وآل سعود وبقية دول الخليج بالقضاء على المشروع الفلسطيني المقاوم.
وربطوا المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب لكسب ود إسرائيل واليهودية العالمية.
وارتكبت القيادة الفلسطينية في منظمة التحرير خيانة عظمى بالتزامها في وقف المقاومة وإدانتها والتخلي عنها، مما جعل العدو الإسرائيلي ينظر باحتقار وازدراء للفلسطيني ولحقوقه الوطنية والإنسانية والمدنية.
وجاءت وثيقة حماس التفريطية لتصب في مصلحة الموقف السياسي لقيادة فتح لتحقيق حل الدولتين والحل النهائي والتطبيع والتعايش والتنازل عن 82% من مساحة فلسطين والقبول بدويلة منقوصة السيادة والأرض والسكان وتصفية الصراع العربي الصهيوني.
ويساعد الموقف الاستسلامي لبعض القيادات الفلسطينية والعربية وعلى رأسها مملكة آل سعود وبقية دول الخليج انتقال استراتيجية إسرائيل المستقبلية من الاستعمار الاستيطاني اليهودي إلى هيمنة الإمبريالية الإسرائيلية على البلدان العربية والإسلامية وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وستتحوّل إسرائيل جراء تحالفاتها الجديدة مع الإمارات والممالك التي أقامتها بريطانيا وتحميها أمريكا وترضى عنها الصهيونية العالمية إلى إسرائيل العظمى الاقتصادية. وستحاول من خلال تهويد القدس بشطريها المحتلين وتدمير المسجد الأقصى المبارك وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه جعل القدس عاصمة لليهودية العالمية وللعالم.
وستصبح دولة إمبريالية في منطقة الشرق الأوسط لخدمة استراتيجيات ومخططات ومصالح الصهيونية العالمية والدول الغربية في البلدان العربية والإسلامية وبمساعدة وتمويل وتعاون آل سعود وبقية الدول الخليجية.
وستتحكم بدعم وشراكة أمريكية بجميع البلدان العربية وتحجّم حركات المقاومة بمساعدة الدول الطائفية والاثنية التي تعمل الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل على إقامتها من خلال تصعيد الفتن الطائفية والحروب الأهلية والفوضى «الخلاقة» وتفرض الحل الصهيوني لقضية فلسطين. وتنهب المنطقة وثرواتها وفي طليعتها الأرض والمياه والمقدسات والنفط والغاز والمواد الخام الأخرى وأسواقها الاستهلاكية. وستتحوّل إلى القائد والمركز والحكم للدويلات الطائفية والمذهبية والعرقية. وستصل حدودها الجغرافية إلى نهر الأردن بعد أن تبتلع الغور والبحر الميت وقناة البحرين ومن النيل إلى الفرات وستسخّر آلتها العسكرية وتفوقها التكنولوجي وأسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها وطائرات ف35 الأمريكية وغواصات دولفين النووية لكسر إرادات الحكام الذين يرفضون الخضوع للمشروع الصهيوني. وستفرض مخططاتها وقراراتها ومصالحها واستراتيجياتها باستخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها والإطاحة بالأنظمة التي لا تروق لها تماماً كالإمبريالية الأمريكية وبالدعم والتعاون والتنسيق معها، وستستغل سيطرة اليهود على ترامب وإدارته لتعزيز وجودها كدولة إمبريالية تخدم المصالح الغربية وكجزء من العالم الغربي في بلدان الشرق الأوسط الجديد.
وتلعب ازدواجية ولاء يهود الإدارات الأمريكية دوراً أساسياً في خدمة الاستعمار الاستيطاني اليهودي والإمبريالية الإسرائيلية وعلى رأسهم هنري كيسنجر وبول وولفوفيتسورتشارد بيرل ومارتن إندك ودنيس روس واليوت برامز والمجنون بالانحياز لإسرائيل جون بولتون بالإضافة إلى ترامب وإدارته المتهوِّدة.
وتعمل الدول الغربية والصهيونية العالمية وأتباعهم من الملوك والأمراء العرب على إشعال الفتن الطائفية والعرقية للإطاحة بالدول الوطنية ونشر الفوضى والحروب المدمرة فيها وإضعاف حركات المقاومة وتعميم الحروب الطائفية عشرات السنين على غرار الحروب بين البروتستانت والكاثوليك والتي دامت في أوروبا مئة عام.
ويأتي نشاط ترامب وإدارته لتحريك المفاوضات في سياق تحرك ترامب بأنه هو الذي سيدخل التاريخ وعقد صفقة القرن لتصفية قضية فلسطين وتطبيع العلاقات وإقامة الناتو العربي وتوجيهه ضد إيران وإنهاء الصراع.
ويقود صهر ترامب اليهودي المتطرف جاريد كوشنير فريق ترامب المفاوض ويرأسه اليهودي المتزمت جيسون غرينبلات. ويعمل ترامب على زعزعة الاستقرار في بلدان الشرق الأوسط وبقية البلدان في العالم لخدمة مخططات التفتيت والتقسيم والتجزأة وإعادة التركيب لصياغة شرق أوسط جديد من خلال دعم ونشر أمريكا للإرهاب الإسرائيلي وإرهاب القاعدة وطالبان وداعش والنصرة بإشراف المخابرات الأمريكية وبتمويل من السعودية وبقية دول الخليج.
وخدمت زيارة ترامب للمملكة السعودية الأمن القومي الأمريكي والمشاريع والمصالح الأمريكية والإسرائيلية وتشكيل حلف سني لمواجهة إيران ونفوذها في المنطقة. ويعمل ترامب على ربط الحلف الجديد والذي ستكون إسرائيل ركناً أساسياً فيه بحلف الناتو. وسيسخِّر الضغط العربي الإسلامي على حماس للموافقة على صفقة القرن بقبولها للمبادرة العربية وحل الدولتين وتبادل الأراضي وإدارة مدنية فلسطينية وإشراف أمني إسرائيلي وكنفدرالية بين الضفة الغربية وقطاع غزة والوطن البديل والتوطين لصياغة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط أمنياً واقتصادياً بحيث تكون فيه دولة العدو الإسرائيلي بمثابة المركز والقائد والقلب للبلدان العربية والإسلامية، وإجبار القيادة الفلسطينية على الموافقة على الحل الصهيوني لقضية فلسطين وتوقيع الحل النهائي.