عذرا سقط أن هذه الحلقة الأولى

ومضات من مذكرات"مرتدة : ضحية الجهل والعشق! (1)

أكره عبارة"ويأبى الله"في مثلنا الشعبي،لذلك سأضع مكانها"قدر الله" ..
كنت أنوي،على غير تخطيط مسبق،العودة إلى أيام"السياحة في الكتب"عبر السياحة في كتاب"مذكرات أميرة عربية".
أول لقاء لي مع هذا الكتاب،كان عندما قرأت عنه،أو سطرتُ عنه في "ببليوغرافيا "عن كتب المرأة أعددتها تحت عنوان"أين تجد المرأة؟ 1492 كتابا عن المرأة"،وجاء فيه :
"مذكرات أميرة عربية /سالمة بنت سعيد / ترجمة : عبد المجيد القيسي / عُمان / وزارة الثقافة والتراث 1985م.
و كتبتُ في الهامش :
( هي الأميرة سالمة بنت سعيد أو "الأميرة إميلي روث"وهي ابنة سلطان زنجبار،السلطان سعيد "1804 – 1856"،وقد رحلت إلى عدن ثم ألمانيا لتتزوج من شاب ألماني.نقلا عن حميدة نعنع "من دفاتر امرأة ص 52
بحثت عن الكتاب ولكنني لم أعثر عليه،ثم نشرت سلسلة"كتاب في جريدة"مقتطفات منه،ثم نسيت الكتاب تماما. وقبل أسابيع شاهدت – مجبرا لا بطلا - جزء من برنامج"على خطى العرب"وقد تحدث معده عن القصر الذي كانت تعيش فيه الأميرة "سالمة"والتي وصفها بأنها "غيرت ثقافتها"!!! بحثت عن الكتاب،فوجدته .. ولكن بترجمة أخرى،نشرتها "منشورات الجمل"،ظانا أنني سأقوم بسياحة في الكتاب .. فتحت "مسودة"في "البريد" حتى إذا كتبتُ "حمل بعير" .. حذفتها .. دون قصد !!
فتحقق فيكم مثلنا الشعبي "أردناها مطبقا .. و"قدر"الله فشة جمل"!!
النسخة التي بين يديّ،وهي نسخة إلكترونية، كُتب على غلافها ( سالمة بنت سعيد "اميلي رويته" : مذكرات أميرة عربية / ترجمة : د.سالمة صالح / منشورات الجمل/ الطبعة الثانية 2006 ).
هكذا دار اسم أسرتها بين" روث " و"رويته" .. في مقدمة المترجمة معلومات غير متوفرة في "الكتاب"مثل سنة مغادرة "سالمة" لزنجبار – سنة 1867م. وأنها حاولت كسب بعض المال من تدريس اللغة العربية،بعد موت زوجها. تجدر الإشارة هنا إلى أن"الأميرة"ذكرت أنها تعلمت القراءة فقط،فقد كان من المحظور تعلم النساء الكتابة،ثم علمت هي نفسها الكتابة بتقليد أحرف القرآن الكريم .. وتحدثت عن مشاكل كثيرة تحصل للنساء حين يرغبن في كتابة رسالة إلى الأهل .. وخصوصا في الأعياد،حين تختلط الرسائل بسبب الزحام على "الكتاب"فتذهب رسالة تهنئة إلى من لديهم "ميت" والعكس .. وفي آخر الكتاب صورة لرسالة وجهتها"الأميرة" لأخيها السلطان "برغش"حاكم زنجبار،لم تذكر في السرد أنها كتبت له رسالة – فيما أتذكر – كما أن الرسالة مليئة بالأخطاء الإملائية .. ومما جاء في الرسالة :
( إلى جناب العالي السيد الكريم الأخ العزيز برغش بن سعيد ابن سلطان سلمكم الله تعالى وابقاكم لنا دخرا {بالمهملة - محمود} مدة الحيات { بالتاء المفتوحة - محمود} إنشاء الله {هكذا - محمود} وهو العزيز الكريم وبعباده غفور رحيم وأما بعد السلام عليكم يا ايها الأخ بان المراد من الله ثم منك أن لا تصد وجهك على بقبل ما قريت كتابي وفهمت بما فيه وعليه لئجل اعلم يا أخي ما يصلح منكم أن تردوا وجهكم على وعلى أولادي (..) واعلم يا أخي انك لا تظن باني أنا ما محشومة ولا معزوزة في الولاية وجميع الناس في الولاية حاشميني (..) والسلطان بنفسه شيل ولدي سعيد ودخله في مدرسة عالية حتا {هكذا - محمود} هوحيكون في مدة قصيرة قايد العساكر (..) وأيضا يا أيها الأخ المراد أن تعلم بان كافته {هكذا - محمود} الإنجريز {هكذا - محمود} ما قصدهم غير ثقليل {هكذا بالثاء - محمود} قوتك وناموسك في ملكك وما يصبروا إلى حتا{ هكذا – محمود } توصل الساعة وياخضو { هكذا - محمود} عندك زنجبار). والرسالة طويلة جدا،ختامها :
(تحية المحبة لكم حقا وصدقا الناصحة لكم والمشتاقه {هكذا بالهاء - محمود} للقاكم الحقيره {هكذا بالهاء - محمود} إلى ربها تعالى الاخوه {هكذا - محمود} سالمه {هكذا بالهاء - محمود} بنت سعيد بن سلطان وأيضا يسلم عليكم الولد سعيد واخوته سلام كثير كثير).
نعود إلى مقدمة المترجمة،والتي ذكرت أن "المذكرات"لم تنقل حتى الآن إلى اللغة العربية عن اللغة الألمانية مباشرة،وهي اللغة التي كُتبت بها المذكرات،وأنها تُرجمت إلى الإنجليزية مرتين الأولى سنة 1888،والثانية سنة 1905،وقد حاول الدكتور "القيسي"..( كما يذكر في مقدمته التوفيق بينهما. من الواضح أن الترجمة الإنكليزية التي اعتمدها القيسي كانت قد دمجت بعض الفصول ونقلت مقاطع كثيرة من موضعها ووضعتها في سياق آخر دون أن تخل بالمعنى العام.كما لم تخل تلك الترجمة من الأخطاء التي تخل بالمعنى فقد ورد في فصل"الأمراض والعلاج الطبي" أن العرب كانوا يمسحون جلد المصاب بالجدري بالدم،وهو في النص الكركم){ ص 6}.
ثم ذكرت المترجمة أخطاء أخرى .. وختمت مقدمتها بالقول :
( وإذا كان الفضل في تعريف القارئ العربي بالكتاب لأول مرة يعود إلى الدكتور القيسي الذي قدم لنا نصا جميلا سائغا ،إلا أن هذا النص فقد قيمته الوثائقية مرة بسبب الحذف ومرة بسبب الإضافة والإسهاب في الوصف الذي يعتمد على المعرفة الشخصية بالموضوع أكثر مما يعتمد على النص) {ص 7 - 8}.
كما قلتُ،ذهب "حمل البعير"الذي انتقيته من هذه"المذكرات"لذلك لم يبق إلا الحديث عن بعض ما علق بالذاكرة .. وبعض ما كتبته بعد "حذف المختارات".
الكتاب مليئ بالنقاش والدفاع عن الشرق .. وقد دافعت الكتابة عن"الرق"بكل ما أوتيت من قوة حجة،معترفة أنها لن تكسب الكثير من الأصدقاء في دفاعها هذا .. ومع ذلك فقد كانت منصفة حين ذكرت أن "الرق"كقضية تاريخية لابد أن يزال بالتدريج،وذكرت كيف تضرر أصحاب المزارع حين تم تحرير العبيد "قسرا"و"فجأة"وكيف تمتع "العبد"السابق بالحرية،دون أن يتنبه إلى أنه كان يعيش على نفقة سيده .. فتضرر الطرفان،ثم وجهت سياط النقد للغرب،أولا من جهة "النفاق"فالغربي حين يأتي للشرق يشتري العبيد،وقد يكلفهم بأقسى مما يكلفهم به العربي – حسب تعبيرها – إضافة إلى أن العربي غالبا "يعتق"عبيده في النهاية،بينما "يبيع"الغربي عبيده،عندما يغادر الشرق،نقدها الثاني وجهته للجماعات التي تناصر"تحرير الرقيق"فحين تمت عملية"الحرير"اختفوا .. بعد أن صنعوا"لأزمة"وتسخر بأن "نساء"بعض تلك الجمعيات صنعن"جوارب من الصوف"لأناس يعيشون في الحر اللاهب!!
ونبهت،محقة،إلى أنه من الخطأ "القياس"على معاناة الرقيق في البرازيل وأمريكا الشمالية،فالمسلم أكثر احتراما ورحمة برقيقه.
بل دافعت أيضا عن "ضرب العبيد"بصفتها العقوبة الوحيدة الناجعة،فالسجن مكان للراحة،سيقضي فيها"المذنب"وقتا .. ثم يعود ليكرر جريمته!!
الغريب أن "الإسلام"الذي كان دين المؤلفة،قد لا يرى رأيها .. في مسالة الضرب هذه .. جاء في كتاب "الرق في موريتانيا":
( واخبر الرسول صلى الله عليه وسلم من استفتاه عن رقيق له يخونونه ويكذبونه ويعصونه،ويضربهم ويشتمهم،أن الأمر بينه وبينهم قصاص،يحسب ما خانوه وكذبوه وعصوه،وما يضربهم ويشتمهم،فإن كان ما يفعل بهم أكثر مما يفعلون به،أخذ لهم منه،وإن كان ما يفعلون به أكثر مما يفعل بهم أخذ له منهم،وإن كان مستويا كان الأمر كفافا،فهتف المستفتي وصرخ ،وقال : لا أجد خيرا من الراحة منهم ،فأشهدك أنهم أحرار ،فقال الرسول عليه الصلاة والسلام له ما معناه : أنه الآن نجا من أمرهم (..) وكذلك استفتاه أعرابي عن جارية له كانت ترعى غنما،فعدا الذئب على شاة منها،فأسف فصكها فأمره بعتقها والأخبار بمثل ذلك كثيرة صحيحة ){ ص 206 ( الرق في موريتانيا : وأبعاده الشرعية والسياسية ) / محمد سالم ولد محمدو / المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية / الطبعة الأولى 2012}.
تحدثت المؤلفة أيضا عن"تعدد الزوجات"وقد رأته أمرا بغيضا .. ولكنها،كانت منصفة،فاشارت إلى أن "التعدد"محظور في النصرانية .. ولكن الواقع العملي،يجعل الفرق بين المرأة في الشرق،والمرأة في الغرب،أن الأولى تعرف "منافساتها،ونفسياتهن"عكس الثانية!
في فصل"الأدوية"تحدثت المؤلفة عن"الحجامة"بصفتها أمرا مزعجا .. لا ينجو منه أحد تقريبا،ويفعله الإنسان من باب الوقاية أيضا. كنت أجهز علامات التعجب ..لو أن المؤلفة عاشت حتى ترى "قومها : الألمان"يزكون "الحجامة"ولكنها في ختام حديثها .. قالت أن "الحجامة"قد تكون مفيدة للبلاد الحارة .. لو فعلت باعتدال.
توجد مشكلة صغيرة في الحديث عن بعض ما جاء في "المذكرات"أعني به جهلي بالفقه "الإباضي"وقد أشارت المؤلفة مرتين إلى "الإباضية" .. وعند الحديث عن "عيد الأضحى"ذكرت عدم جواز أن يأكل "المضحي" من أضحيته وأن عليه أن يتصدق بها كلها!! بينما في "فقهنا"يأكل الإنسان ويهدي ويتصدق .. كما ذكرت،ضمن الحديث عن رحلة قامت بها في صغرها .. أن الصلاة يلزمها "الاغتسال"ظننت أن الأمر يتعلق بـ"الترجمة"ولكنني وجدت بعد ذلك المترجمة استعملت عبارة"الوضوء"!!
نختم هذه الحلقة،بإشارة "الأميرة"إلى أن إرسال "طبيبة أنثى"إلى الشرق أكثر فائدة من إرسال عشرات الرجال .. ويبدو أن ذلك تحقق بعد ذلك،حين ذهبت الطبيبة الفرنسية كلودي فايان إلى اليمن سنة 1951م. ومكثت هناك ثمانية عشر شهرا .. ونشرت كتابها "كنت طبيبة في اليمن". الغريب أن هذه الكتاب موجود على "حاسوبي"من فترة ولم أقرأه حتى الآن!!
فإلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إن شاء الله.

س/ محمود المختار الشنقيطي المدني
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب