الفرق بين القاموس والمعجم



المعجم العربي الماهية والوظيفة
تتوافر في الخزانة العربية طائفة من الكنوز. وتعد المعاجم العربية أول هذه الكنوز التي حافظت على الثروة اللفظية العربية لمدة ستة عشر قرنا من الزمن. ودور هذه المعاجم جلي في حراسة هذه الثروة اللفظية وصيانة التراث الحضاري بشتى أنواعه. ولولا هذه المعاجم لضاعت هذه الثروة، على اعتبار أن علماء اللغة ومستعمليها لا يستغنون عن الرجوع إلى هذه المعاجم. فالمعاجم وسيلة لغوية وهي حرفة وصناعة قبل كل شيء. هدفها هو جمع اللغة ووضعها. وبذلك نقف أولا عند معنى الجذر المعجمي (ع،ج،م) الذي يعطينا كلمة معجم في اللغة والاصطلاح.
أ- لغةً: في البداية لابد أن نتتبع خطوات اشتقاق مادة "معجم" في اللغة، كما وردت في كتب ومعاجم اللغة العربية. ولذلك يقول ابن جني: "اعلم أن (ع،ج،م) إنما وقعت في كلام العرب للإبهام والإخفاء وضد البيان والإفصاح"(1) وجاء في المعجم الوسيط مايلي: "عجم فلان عجمة، كان في لسانه لكنة، ويقال كذلك: عجم الكلام إذا لم يكن فصيحا، فهو أعجم وهي عجماء، فالإعجام غير الإعراب"(2) وجاء فيه أيضا "عجم الحرف والكتاب عجما، أزال إبهامه بالنقط والشكل، وعجم الشيء عجما وعجوما، عضه ليعلم صلابته من رخاوته". ويقول الجوهري في الصحاح: "الأعجم الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان كلامه من العرب"(3).
إذن، من خلال ما تقدم نستنتج أن الجذر (عجم) له دلالتان اثنتان هما:
- عجم وعجم بكسر العين أو ضمها، عدم البيان وضد الإفصاح.
- عجم بفتح العين معناها الإيضاح والبيان.
وتأتي مادة "عجم" في اللغة للدلالة على الإبهام والإخفاء وعدم الافصاح فمنها الأعجم الذي لا يفصح، حيث تنصرف صيغة (فعل) من هذه المادة إلى معاني الإبهام وعدم الايضاح. وقد أطلقت لفظة المعجم على الكتاب الذي يراعى في بنائه وترتيبه ترتيب الحروف. وهذا الكتاب يزيل إبهام تلك المادة المرتبة على حروف المعجم أو يزيل اللبس ويوضح المبهم بما يحتوي عليه من مواد لغوية وغير لغوية المرتبة على حروف المعجم. وهذا كله يقودنا إلى تعريف المعجم في اصطلاح اللغويين.
ب- اصطلاحاً: من الناحية الاصطلاحية يقصد بالمعجم في التراث العربي مجموع الثروة اللفظية اللغوية التي خلفها العلماء في المعاجم على مدى العصور. وكثيرا ما تطلق كلمة "معجم" على الكتب اللغوية التي تعالج وتحدد المجال المعنوي للفظة ما. والشيء نفسه يتبادر إلى الذهن عند سماع هذه الكلمة اليوم. وبذلك فكل ما يتناول أسماء الأعلام والقبائل والأماكن، والفهارس، وحتى الموسوعات الفكرية، يندرج ضمن كلمة معجم أو قاموس. إذن فالمعجم هو: "مرجع يشتمل على كلمات لغة ما، أو مصطلحات علم ما، مرتبة ترتيبا خاصا، مع تعريف كل كلمة أو ذكر مرادفها أو نظيرها في لغة أخرى، أو بيان اشتقاقها أو استعمالها أو معانيها المتعددة أو تاريخها أو لفظها... وقد يكون المعجم عاما أو متخصصا، وقد يكون وصفيا أو تاريخيا، وقد يكون المعجم مفردات أو مصطلحات، كما قد يكون مترادفا أو ترجمات أو تعاريف"(4).
من خلال هذا الكلام، فالمعجم يعنى بالدرجة الأولى بمصطلحات موضوع أو علم معين، مع إبراز معانيها وتطبيقاتها المختلفة، ويكون المعجم مرتبطا بتطور العلوم والفنون ومطالب الحياة المستجدة، لذلك يبقى البحث فيه مستمراً ويبقى أمر وضع المعاجم عملا لا ينقطع في أية لغة من اللغات. وذلك لتصبح هذه اللغات قادرة على تأدية مطالب الفكر والحضارة ومسايرة الزمن.
بعد هذا العرض الموجز لمصطلح "معجم" يمكن القول إن المعاجم العربية منذ القرن الثاني الهجري قد استكملت كل أشكالها ومقوماتها، وذلك بتنويع مناهجها وموضوعاتها. فالمعجم ما هو إلا قائمة من المفردات اللغوية التي تصف بشكل أو بآخر تجارب المجتمع. والمعجم أيضا يمكن اعتباره موضوعاً متسلسل الأفكار يربط بينها المنهج الذي اتخذه المعجمي في ترتيبه أو توضيحه أو تفسيره.


الفرق بين المعجم والقاموس


هناك نوع من العلاقة بين مصطلح "معجم" ومصطلح "قاموس" على اعتبار أنه يوجد نوع من التداخل بين المصطلحين. وكثيرا ما يتم الخلط بينهما. فقد جاء في لسان العرب مايلي: "قمس الرجل في الماء إذا غاب فيه. وقمست الدلو في الماء إذا غابت فيه... القاموس: البحر العظيم، وكل معجم لغوي على التوسع يقال له قاموس". ويورد الفيروز أبادي صاحب "القاموس المحيط" في مادة "قمس" أنها تعني الغوص وأن "القموس" هي "بئر تغيب فيها الدلاء من كثرة مائها، أما القاموس فهو معظم ماء البحر(5). وبذلك تعني كلمة "قاموس" البحر أو وسطه أو معظمه، فكثير من علماء اللغة العربية الذين حاولوا جمع اللغة، يطلقون على أعمالهم أسماء من أسماء البحر، نحو: ابن سيده الذي أطلق على معجمه "مجمع البحرين" وابن عباد الذي سمى معجمه باسم "المحيط"... إلخ. فأول من سمى معجمه بالقاموس هو الفيروزأبادي (توفي 817ه) صاحب "القاموس المحيط" نظرا لما يمتاز به من دقة وضبط. حيث اشتهر هذا القاموس "لكثرة تداوله في أيدي المتأخرين واعتمادهم عليه. وأصبح يرادف المعجم اللغوي، فصار كل معجم لغوي قاموسا على سبيل التوسع مع أن الأصل هو قاموس الفيروزأبادي"(6).
أما الدكتور إبراهيم السامرائي فهو يرفض كلمة "قاموس". ويرى أن الصواب هو استعمال كلمة "معجم" وذلك من أجل التمييز بين كتاب الفيروز أبادي المشهور وباقي المؤلفات المعجمية الأخرى. ويسير في هذا الاتجاه أيضا الدكتور عبدالعلي الودغيري الذي يرى أن كلمة "قاموس" تعني وسط البحر أو معظمه. لتعني أخيرا كل كتاب لغوي يحتوي على طائفة من الكلمات المرتبة والمشروحة. ولهذا فمن الضروري الفصل بين المصطلحين: "معجم وقاموس" لأن "القاموس" يستعمل للدلالة على كل كتاب أو تأليف له هدف تربوي وثقافي، يجمع بين دفتيه قائمة من الوحدات المعجمية (المداخل) التي تحقق وجودها بالفعل في لسان من الألسنة، ويخضعها لترتيب وشرح معين. ويقابله في الفرنسية "Dictionnaire". أما مصطلح "معجم" فيرى (الودغيري) أنه أنسب للدلالة على المجموع المفترض واللامحدود من الوحدات المعجمية التي تمتلكها جماعة لغوية معينة بكامل أفرادها، بفعل القدرة التوليدية الهائلة للغة، ويقابله في الفرنسية "Lexique" (7).
كما نجد عبدالقادر الفاسي الفهري بدوره يدعو إلى التمييز بين المصطلحين. وبذلك يقول عن مصطلح "القاموس" "إنه الصناعة التي تتوق إلى حصر المفردات ومعانيها"(8) ويقول عن مصطلح "معجم" "فهو المخزون المفرداتي الذي يمثل جزءا من قدرة المتكلم- المستمع اللغوي"(9).


المصطلح المولد:


يقصد بالاصطلاح أو المصطلح في اللغة: الاتفاق والتوافق، وبذلك يعتبر من صيغ المطاوعة التي تفيد المشاركة والتفاعل. ويعني الاصطلاح عند الجرجاني اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما. فمجال علم المصطلح هو دراسة ميدانية لتسمية المفاهيم التي تندرج تحت ميادين مختصة من النشاط الإنساني. وذلك باعتبار وظيفتها الاجتماعية، ولذلك: "فالمصطلح لغة خاصة أو معجم قطاعي يسهم في تشييده ورواجه أهل الاختصاص في قطاع معرفي معين"(10) إلا أن هذه اللغة القطاعية تبقى متصلة أشد الاتصال باللغة العامة المشتركة. كما ينطبق على هذا المعجم القطاعي ما ينطبق على المعجم العام من ضوابط صرفية ودلالية وتركيبية وصوتية.
والمصطلحية أو "علم المصطلح"، علم لساني حديث العهد، حيث أدت إليه النظرة المعمقة في المصطلحات المولدة من أجل الحديث عن كل ما هو جديد من المفاهيم والأشياء في شتى العلوم والميادين المختلفة. وقد حظي هذا المبحث باهتمام بالغ من قبل اللسانيين والمختصين وخاصة في النصف الثاني من هذا القرن، حيث عالجوا أسسه النظرية والتطبيقية والعلاقات التي تربطه بالعلوم والمباحث الأخرى وخاصة منها مباحث التوليد. إلا أن ما يمكن أن يؤخذ عن هؤلاء هو اختلافهم في الصلة التي تربط المصطلح بالمعجمية. حيث منهم من يعتبر المصطلحية علما منفصلا عن المعجمية. ومنهم من يعتبرها امتدادا واستمرارا لعلم المعجم وفرعا من فروعه. ومن هؤلاء نذكر إبراهيم بن مراد (من جمعية المعجمية التونسية)، الذي يعتبر المصطلحية فرعا من علم المعجم والذي سماه "بالمعجمية المختصة"، على اعتبار أن علم المعجمية يضم قسمين رئيسيين هما: "المعجمية العامة" وينصب اهتمامها بالأساس على ألفاظ اللغة العامة. ثم "المعجمية المختصة" وقوامها المصطلحات المختصة بكل مجال معرفي معين. فالمعجمية العامة تبحث عن الوحدات المعجمية من حيث هي مداخل معجمية تجمع مصادر ومستويات مختلفة. أما المعجمية المختصة فتبحث في المصطلحات من حيث مكوناتها ومفاهيمها ومناهج توليدها(11).
فالوحدة المعجمية على هذا الأساس، إما أن تكون عامة فتكون بذلك لفظا لغويا عاما، لتؤدي خصائص معينة من دلالة واشتراك في المعنى والوظيفة. وإما أن تكون مختصة فتكون مصطلحا له خصائص تميزه عن اللفظ اللغوي العام. ومن هذه الخصائص وحدة الدلالة والإنتماء إلى حقل مفهومي قابل للضبط والتحديد.
ويحصر الفاسي الفهري المشكلات التي يمكن أن تواجه أي برنامج اصطلاحي في إشكالين هما:
أ- "توفير عدد هائل من المصطلحات لمواكبة الحاجة الملحة إلى التعبير عن مفاهيم وتصورات جديدة بعبارات اصطلاحية، يوازي عددها عدد العبارات الذي توفر في لغات الحضارات المتقدمة".
ب- "إشكال التقريب والشفافية بين اللغة العامة المتداولة أو المعجم العام، وبين اللغة المختصة أو المعجم المختص أو الاصطلاحي، حتى لا يبتعد التواضع في الاصطلاح ويستغلق، وحتى يظل الذهاب والإياب بين المعجم العام والمختص قائما وفاعلا"(12).
وعلى هذا الأساس، فإن الوحدة المعجمية هي شيء من المواضعات، التي تتحصل بالنسبة للمتكلم من خلال تجربته في الكون. ولعل هذه الخاصية الاجتماعية في تحصيل واكتساب الوحدات المعجمية، هي التي تضمن للمعجمية خاصية التطور، باعتبار الوحدات أقل نظم اللغة إخضاعا للقيود التي تتحكم في نظام اللغة. فلا يمكن إنجاز دراسة للمفردات "دون بحث المعطيات الاجتماعية والسياسية والفنية والدينية، التي تسمح وحدها بتصنيف طبيعة هذه المفردات وتفسيرها"(13).
وبذلك فإن من خصائص المعجم أنه متأسس على شيئين لهما امتداد في الواقع: الدال-المدلول، على اعتبار أن الدال رمز لغوي محض لا يمكن الحديث عنه إلا بصلته بالمدلول، لكون هذا الأخير المرجع في الواقع الخارجي. وأهم ما يميز هذه الثنائية هو عدم الاستقرار لأنها قد تتحول عن مدلولها الأصلي. وهذا التحول هو أساس تولد وحدات معجمية جديدة، أو مصطلحات جديدة. ويمكن لهذا التوليد أن يأخذ شكلين: الأول: توليد عفوي غير مقصود لذاته، يحدثه أفراد الجماعة اللغوية في المستوى الشفوي. أما الثاني: فهو توليد اصطناعي وهو توليد مقصود ويحدث في المستوي المكتوب (14).
فالمصطلح المولد على هذا الاعتبار، يمكن أن يصدر من لغتين على الأقل: الأولى هي لغة المصدر والثانية هي لغة الهدف. وأثناء هذه العملية يتم نقل المصطلح أو توليده عن طريق علائق دلالية وصرفية وتركيبية، حيث يقتضي الأمر في هذا المجال نوعاً من التكامل والتداخل. أي لابد من اعتبار المعجم المصدر أو اللغة المصدر، ثم المعجم المتوفر في اللغة الهدف، ثم في الأخير المعجم المراد إنشاؤه في اللغة الهدف(15).
وهكذا، فالتوليد في اللغات الطبيعية يتعلق بربط علاقات جديدة بين المكونات داخل السياق. والتوليد بهذا المعنى يتعلق بالقيمة الدلالية الجديدة لبعض الوحدات المعجمية التي تسمح بظهورها في سياقات جديدة لم توضع فيها سابقا. وبذلك، هناك عدة وسائل توليدية توظف في التسمية ومنها على الخصوص: الاشتقاق. فهو موجود في العربية بشكل ضروري. ومثال ذلك الانطلاق من جذر معين حيث يمكن من خلاله اشتقاق مجموعة من الكلمات أو المفردات. ومن وسائل التوليد أيضا المجاز (الاستعارة والكناية). ومثال ذلك في التراث العربي كلمة "السيارة" فهي مولدة من كلمة "الإبل". بالاضافة إلى وسائل أخرى كالتأليف والنحت والاقتراض...إلخ. وفي هذا الإطار لابد من اعتبار الأسباب الخارجية لهذا التغيير أو التوليد وما ينتج عنه من تغير وتطور في اللفظ والدلالة على مر العصور. ولعل أهم هذه العوامل هي التي تتمثل في العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية. وكذا التقدم الذي يحصل في الحضارات والتقنيات.


المعجمية والمعجم الذهني:


إلى جانب المعجم المكتوب أو الصناعي الذي يجمع بين دفتيه مفردات لغة من اللغات أو بالأحرى لغتين أو أكثر، وتكون هذه المفردات مرتبة ترتيبا معينا يختاره المعجمي بنفسه، ومصحوبة بتعاريف وشروحات عامة أو ترجمات...إلخ. والهدف الأساس من هذا المعجم هو مساعدة القارئ على فهم ونطق الألفاظ وما يتعلق بها من معلومات صوتية وصرفية وتركيبية ونحوية ودلالية.
هناك أيضا، المعجم الذهني والاجتماعي الطبيعي. ويقصد به "الوحدات اللغوية العرفية المتغيرة في كل زمان ومكان، التي تكمن في أذهان الأفراد المنتمين جميعا إلى مجموعة لغوية واحدة. وتخضع هذه الوحدات اللغوية في نظامها للعرف الاجتماعي وكذا للوضع الحضاري الخاص بكل عشيرة لغوية. كما تخضع أيضا لما يسود المجتمع من معارف تتعلق بالموجودات والأشياء التي يدركها الأفراد في المجتمع. كما تخضع أيضا للتغيير وذلك بتغيير الأوضاع الاجتماعية والتطور المعرفي والفكري لدى الأفراد، وما يستوجبه هذا التغيير والتطور من تغيير في العرف الدال عليها دلالة التسمية على المسمى"(16).
وعلى هذا الأساس، فمن الصعب جدا أن تجتمع هذه الوحدات في ذهن متكلم واحد أو فرد واحد، على اعتبار أن لكل فرد مجموعة من الوحدات التي يشاركه فيها أفراد من مجتمعه دون غيره. كما أنه قد يفهم هذا الفرد وحدات لا يستعملها إذا نطق بها غيره. ويتكلم أيضا بوحدات يفهمها غيره ولا يستعملها في معجمه الذهني. وبذلك فإن هذه الوحدات موضوعة في المعجم الذهني للأفراد على صورة معقدة شيئا ما. لكن مع ذلك هناك شعور لدى الأفراد بالانتماء إلى مجموعة لغوية واحدة.
وهكذا، فإن المعجم الذهني "ليس كالقاموس الذي يرتب ترتيبا ألفبائيا أو خطيا. فلو كان معجمنا الذهني مرتبا بطريقة ألفبائية لصعب استرجاع المعلومات... وكذلك القاموس الصناعي له عدد محدود من الكلمات يمكن عدها وحصرها... في حين القاموس الذهني ليس له محتوى محدود، بل نضيف كلمات جديدة ونغير نطقها ومعانيها... فنجدد في الصوت والتركيب والدلالة والمقام اللغوي وغير ذلك"(17).
وللعناية بهذا النوع من الدراسة وخاصة من الوجهة اللسانية نجد الكاتب الفرنسي جورج ماطوري في كتابه "منهج المعجمية"، يدعو إلى تأسيس مادة علمية جديدة أو ما سماه: بمنهج جديد في دراسة المعجم. وهذه المادة العلمية الجديدة أو المعجمية الجديدة هي التي يسميها بالمعجمية الاجتماعية. ذلك أن هذا العلم يهدف إلى دراسة المعجم من زاوية اجتماعية وإلى دراسة المجتمع بأدوات لغوية معجمية، استنادا إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية وأن اللسانيات في حد ذاتها علم اجتماعي محض. وبذلك يمكن القول إن الأفعال والظواهر اللغوية في الأساس ما هي إلا تفسير وانعكاس لأفعال المجتمع وظواهره، نظرا لوجود نوع من التقاطع بين دراسة المفردات ودراسة المجتمع، الشيء الذي جعل "ماطوري" يقول: إن هذه الدراسة ما هي إلا "أداة فعالة من أدوات البحث الاجتماعي... وأن بالانطلاق من دراسة المفردات نحاول تفسير مجتمع معين". ليصل في نهاية الأمر إلى تحديد الدراسة المعجمية بأنها "علم مجتمعي يستخدم الأدوات اللسانية التي هي الكلمات"(18).
إذن حسب ما سبق ذكره، فإن اللغة والمعجم خاصة يُدرسان لتفسير ظواهر المجتمع بأسره، على اعتبار أن المناسبة بين الدال والمدلول مناسبة اجتماعية محضة. بمعنى آخر، إن العلاقة بين الاسم والمسمى هي علاقة اجتماعية مرتبطة بما يجول في أذهان الأفراد من الأسباب التي تدفعهم إلى وضع اسم ما. والغرض الأساس من هذه الدراسة، هو أن تستفيد المعجمية من عطاء ونتائج أذهان الأفراد. كما تستفيد من كل العلوم المجاورة من تاريخ واقتصاد ودلالة، وغير ذلك من العلوم التي لها علاقة وطيدة بالمعجمية.
والمعجم الذهني لابد أن يكون قائما على نظام معين، لأن الكلمة أو الوحدة اللغوية، "تتم معانيها في بضع لحظة (خمس الثانية أو أقل)... فهناك إذن قدرة خاصة على البحث عن الكلمات وإصدار قرار معجمي في نصف ثانية، إن المعجم الذهني المنظم تنظيما محكما هو الذي يترجم القدرة علي التخزين الكثيف، وعلى الاسترجاع السريع"(19). ذلك أن الإنسان كيفما كان نوعه يتوفر على قدرة هائلة لتذكر آلاف الكلمات التي هي مخزونة في معجمه الذهني. فكلما وجد نفسه في حاجة إلى هذه الكلمات فإنه يسترجعها من خزانه الذهني. فالمتكلم المؤول من الضروري أن يتوفر على آلة معجمية ذهنية تساعده على التخزين الكثيف والمنظم للمواد المعجمية.
وبذلك يؤكد الفاسي الفهري أنه بواسطة هذه الآلة الذهنية يستطيع هذا المؤول أن يُصدر قرارات وأحكاماً معجمية تمكنه من الحكم على كلمة بأنها تنتمي إلى معجمه الذهني وإلى لغته أو لا تنتمي. أي أنه يستقبل من حين لآخر كلمات ليست كالكلمات التي سمعها من قبل، سواء من الناحية الصوتية أو التركيبية أو الدلالية أو في المقام الذي توضع فيه. ومع ذلك يدرك أنها كلمات. وبالطريقة نفسها يسمع متواليات صوتية ويعرف أنها ليست كلمات وذلك بواسطة ذهنه. فهذه الأحكام وهذا النظام الذي يمكن من عملية التخزين لدى الأفراد وكذلك عملية الاسترجاع، هو ما يسميه الفاسي الفهري بالمعجم الذهني: "Mental Lexicon".
وهكذا، فإن المعجمية الذهنية أساسها الكلمات أو الوحدات اللغوية باعتبارها الوحدات الدلالية الصغرى التي تؤسس عليها الدراسة المعجمية، لأن هذه الوحدات مرتبطة أشد الارتباط بالفكر والتصور المجتمعي، حيث يتم تحليل وتحويل الكلمة أو المفردة إلى شيء جماعي يرمز بها لتدل على شيء معين ومتفق عليه من قبل العشيره اللغوية الواحدة.
وعلى هذا الأساس، فإن ما وصلت إليه الدراسات اللسانية الحديثة هو تحول اهتمام اللسانيين من دراسة السلوك اللغوي العقلي إلى دراسة نسق المعرفة الذهنية المسؤول عن هذا السلوك. أي انتقال اللسانيين من دراسة اللغة باعتبارها ظاهرة اجتماعية إلى دراسة النسق اللغوي المعرفي المتمثل في ذهن وعقل المتكلمين. وبذلك فإن هذا التحول في حد ذاته هو: "انتصار للواقعية الذهنية التي تستهدف اكتشاف واقع ذهني يكمن خلف سلوك فعلي. يعرف الواقع الذهني في اللسانيات بأنه القدرة أو الملكة اللغوية"(20).
لقد أصبح اهتمام المعجمية الجديثة منصبا على المعجم الذهني أو الاجتماعي الذي يكتسبه المتكلم بشكل فطري، أيا كان نوع اللغة الطبيعية التي تبنى وتؤسس عليها مادة هذا المعجم. ولذلك فإن المعجمي يلزم عليه معرفة أهم النتائج التي توجه تصور الباحث للمعجم الذهني. "تبين أن المتكلم بأية لغة طبيعية كانت، يتوفر على معجم منظم تنظيما دقيقا، ومن مظاهر هذا النظام قدرته الفائقة على تذكر الكلمات التي يريد استعمالها لتحقيق أغراضه التواصلية المتعددة. ومن مظاهر هذا النظام قدرة المتكلم الفائقة على استذكار ما تم تخزينه من مفردات في معجمه الذهني"(21).
إذن، ما يمكن أن نخلص إليه، هو أن المعجم الذهني في علاقته بالمعجمية، يطرح بالأساس إشكال معنى الوحدات اللغوية على مستوى الحياة الاجتماعية. وبالتالي العلاقة بين المعنى اللغوي والاجتماعي. فاللسانيات في هذا الجانب تعطي الأهمية للسياق الذي يجري فيه التواصل اللغوي. أي اعتبار الموقف أو المقام بين المرسل والمرسل إليه. وكذلك اعتبار العوامل الاجتماعية العامة التي يأتي الخطاب اللساني لإحداث التواصل داخلها.
المراجع:
(1) العطار (بوشتى)، المعاجم العربية: رؤية تاريخية وتقويمية، منشورات جامعة شعيب الدكالي، الجديدة - المغرب 1990، ص:22.
(2) المرجع نفسه، ص:22.
(3) الجواهري، الصحاح، ص:23.
(4) رياض زكي قاسم، معجم علم اللغة النظري، دار المعرفة، ط1، بيروت، (بات)، ص: 74.
(5) الصوري (عباس)، الممارسة المعجمية، مجلة: اللسان العربي، ع 45، 1998، ص: 9-10.
(6) المعاجم العربية (مرجع سابق)، ص:26.
(7) الودغيري (عبدالعالي)، قضية الفاصحة في القاموس العربي التاريخي، مجلة: اللسان العربي، ع33، 1989، ص: 130.
(8) الفاسي الفهري، تعريب اللغة وتعريب الثقافة، المجلة العربية للدراسات اللغوية، غشت 1985، ص:73.
(9) المرجع نفسه، ص:73.
(10) الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ج2، دارتبقال الدار البيضاء، 1998، ط:2،ص: 226.
(11) ابراهيم بن مراد، المعجمية وعلم المعجم، مجلة: المعجمية، ع8 (تونس)، 1992، ص:6.
(12) الفاسي الفهري، المقارنة والتخطيط في البحث اللساني العربي، 1998، ط1، ص: 137، 138.
(13) ماطوري (جورج)، منهج المعجمية، ترجمة: عبدالعالي الودغيري، منشورات كلية الآداب، الرباط، 1992، ص: 23، 24.
(14) المعجمية وعلم المعجم (مرجع سابق)، ص:13.
(15) اللسانيات واللغة العربية (مرجع سابق)، ص: 228.
(16) محمد صلاح الدين الشريف، بين النظرية اللغوية والتطبيق الصناعي، مجلة - المعجمية - ع2 ، 1986، ص: 17.
(17) المقارنة والتخطيط في البحث اللساني العربي (مرجع سابق) ص: 164، 165.
(18) منهج المعجمية (مرجع سابق)، ص: 110.
(19) المقارنة والتخطيط (مرجع سابق)، ص: 163.
(20) البوشيخي (عزالدين)، خصائص الصناعة المعجمية الحديثة، مجلة: اللسان العربي، ع 46، ص: 22.
(21) المرجع نفسه، ص: 23.
المصدر:
http://haras.naseej.com/Detail.asp?I...wsItemID=57076


الفرق بين المعجم والقاموس عند العلماء:
هناك نوع من العلاقة بين مصطلح "معجم" ومصطلح "قاموس" على اعتبار أن يوجد نوع من التداخل بين المصطلحين. وكثيرا ما يتم الخلط بينهما. فقد جاء في لسان العرب مايلي: "قمس الرجل في الماء إذا غاب فيه. وقمست الدلو في الماء إذا غابت فيه. ويورد الفيروز أبادي صاحب "القاموس المحيط" في مادة "قمس" أنها تعني الغوص وأن "القموس" هي "بئر تغيب فيها الدلاء من كثرة مائها، أما القاموس فهو معظم ماء البحر.وبذلك تعني كلمة "قاموس" البحر أو وسطه أو معظمه، فكثير من علماء اللغة العربية الذين حاولوا جمع اللغة، يطلقون على أعمالهم أسماء من أسماء البحر، نحو: ابن سيده الذي أطلق على معجمه : المحكم والمحيط العظم ، والصاغاني ؛ الذي أطلق على معجمه :
"مجمع البحرين" وابن عباد الذي سمى معجمه باسم "المحيط"... إلخ.
وأول من سمى معجمه بالقاموس هو الفيروزأبادي (توفي 817ه) صاحب "القاموس المحيط" نظرا لما يمتاز به من دقة وضبط. حيث اشتهر هذا القاموس "لكثرة تداوله في أيدي المتأخرين واعتمادهم عليه. وأصبح يرادف المعجم اللغوي، فصار كل معجم لغوي قاموسا على سبيل التوسع مع أن الأصل هو قاموس الفيروزأبادي).
أما الدكتور إبراهيم السامرائي فهو يرفض كلمة "قاموس". ويرى أن الصواب هو استعمال كلمة "معجم" وذلك من أجل التمييز بين كتاب الفيروز أبادي المشهور وباقي المؤلفات المعجمية الأخرى. ويسير في هذا الاتجاه أيضا الدكتور عبدالعلي الودغيري الذي يرى أن كلمة "قاموس" تعني وسط البحر أو معظمه. لتعني أخيرا كل كتاب لغوي يحتوي على طائفة من الكلمات المرتبة والمشروحة. ولهذا فمن الضروري الفصل بين المصطلحين: "معجم وقاموس" لأن "القاموس" يستعمل للدلالة على كل كتاب أو تأليف له هدف تربوي وثقافي، يجمع بين دفتيه قائمة من الوحدات المعجمية (المداخل) التي تحقق وجودها بالفعل في لسان من الألسنة، ويخضعها لترتيب وشرح معين. ويقابله في الفرنسية " Dictionnaire". أما مصطلح "معجم" فيرى (الودغيري) أنه أنسب للدلالة على المجموع المفترض واللامحدود من الوحدات المعجمية التي تمتلكها جماعة لغوية معينة بكامل أفرادها، بفعل القدرة التوليدية الهائلة للغة، ويقابله في الفرنسية "Lexique"
كما نجد عبدالقادر الفاسي الفهري بدوره يدعو إلى التمييز بين المصطلحين. وبذلك يقول عن مصطلح "القاموس" "إنه الصناعة التي تتوق إلى حصر المفردات ومعانيها" ويقول عن مصطلح "معجم" "فهو المخزون المفرداتي الذي يمثل جزءا من قدرة المتكلم- المستمع اللغوي".
الفرق اللغوي بين المعجم والقاموس:المعجم لغة: قد أطلقت لفظة المعجم على الكتاب الذي يراعى في بنائه وترتيبه ترتيب الحروف. وهذا الكتاب يزيل إبهام تلك المادة المرتبة على حروف المعجم أو يزيل اللبس ويوضح المبهم بما يحتوي عليه من مواد لغوية وغير لغوية المرتبة على حروف المعجم.
و المعجم إصطلاحاً هو: "مرجع يشتمل على كلمات لغة ما، أو مصطلحات علم ما، مرتبة ترتيبا خاصا، مع تعريف كل كلمة أو ذكر مرادفها أو نظيرها في لغة أخرى، أو بيان اشتقاقها أو استعمالها أو معانيها المتعددة أو تاريخها أو لفظها... وقد يكون المعجم عاما أو متخصصا، وقد يكون وصفيا أو تاريخيا، وقد يكون المعجم مفردات أو مصطلحات، كما قد يكون مترادفا أو ترجمات أو تعاريف"

أما القاموس فهو: البحر العظيم، وكل معجم لغوي على التوسع يقال له قاموس.

الخلاصة: يرى أن كلمة "قاموس" تعني وسط البحر أو معظمه. لتعني أخيرا كل كتاب لغوي يحتوي على طائفة من الكلمات المرتبة والمشروحة. ولهذا فمن الضروري الفصل بين المصطلحين: "معجم وقاموس" لأن "القاموس" يستعمل للدلالة على كل كتاب أو تأليف له هدف تربوي وثقافي، يجمع بين دفتيه قائمة من الوحدات المعجمية (المداخل) التي تحقق وجودها بالفعل في لسان من الألسنة، ويخضعها لترتيب وشرح معين.

أما مصطلح "معجم" فيرى (الودغيري) أنه أنسب للدلالة على المجموع المفترض واللامحدود من الوحدات المعجمية التي تمتلكها جماعة لغوية معينة
بكامل أفرادها، بفعل القدرة التوليدية الهائلة للغة .
(الموسوعة العربية للكمبيوتر والأنترنت)


المُعْجَمُ : ديوان لمفردات اللُّغة مُرَتَّب على حروف المعجم، جمعه : مُعْجَماتٌ ومَعاجمُ .
وحروف المُعجم، هي حروف الهجاء.
و"الْمُعْجَمُ اللُّغَوِيُّ" : كِتَابٌ يَضُمُّ مَجْمُوعَ كَلِمَاتِ لُغَةٍ مَّا مُرَتَّبَةً تَرْتيباً أَلِفْبَائِيّاً أَوْ تَرْتيباً آخرَ، وَكُلُّ كَلِمَةٍ لَهَا تَعْرِيفُهَا وَدَلاَلَتُهَا وَشَرْحُهَا أَوْ مَا يُقَابِلُهَا في لُغَةٍ أُخْرَى ...

القَامُوسُ : البحر العظيم، المحيط.-: عَلَمٌ علىِ معجم الفيروزآبادي وصار يُطلق على كلِّ معجم لغويّ توسُّعا ج قَوَامِيسُ.
قَامُوسٌ ؛ جمعه : قَوَامِيسُ .
والقاموس ، هو :
الْمُعْجَمُ اللُّغَوِيُّ، وَالْكَلِمَةُ أَطْلَقَهَا الفيروزابادي اِسْمَ عَلَمٍ عَلَى مُعْجَمِهِ، وَاصْطَلَحَ النَّاسُ فِيمَا بَعْدُ عَلَى تَسْمِيَةِ كُلِّ مُعْجَمٍ لغويّ بِالْقَامُوسِ توسعا

المَسْرَدٌ : "مَسْرَدُ كِتَابٍ" : فِهْرِسٌ، قَائِمَةٌ.
والمسرد أو glossary يكون متعلقا بقاموس أو بكتاب، لسرد ما فيه من دلالات بشكل موجز.
والمسرد يُلتزم فيه بالاختصار، و لا يحتوي على نطق أو تصريف أو وظيفة الكلمة، و لا يتسع لبحث أصلها اللغوي و استعمالاتها في الأمثلة.
والمسرد يشكل قائمة من الكلمات و المصطلحات ذات معنى يحدده استخدامها في حقل معين .
وتهدف المسارد لتحديد معنى المصطلحات المستخدمة في حقل من حقول المعرفة .