رسالة مفتوحة إلى الرئيس ترامب حول عروبة القدس
أسس العرب مدينة القدس قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام، وسموها يبوس نسبة لليبوسيين العرب، ثم اورو سالم نسبة لملكهم سالم، حيث تعني اور بالكنعانية مدينة، ومن الاسم العربي اور سالم جاء فيما بعد اسمها جيروزاليم، وجاء الاسم «اورشليم» الذي يطلقه اليهود على المدينة من الآرامية «السريانية» أي العربية، وبالتالي فإن اورشليم كلمة عربية وليست عبرية خلافاً لما يعتقده البعض. وتؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أن العرب أسسوا القدس حوالي عام «3000 ق.م» وأنهم أول من استوطن فيها وسكن أرضها وأقام أبنيتها وشيد معالمها، وعرفت فلسطين قبل أن تعرف بفلسطين بأرض كنعان ثم بسورية الجنوبية، وكانت جزءاً لا يتجزأ من سورية الأم إلى أن جاءت اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 وفصلتها عن سورية كمقدمة لتهويدها وتغيير طابعها العربي.
تعاقبت على المدينة بعد تأسيسها على أيدي العرب أمم وشعوب شتى إلى أن فتحها العرب المسلمون وحرروها من الغزاة الرومان، وطلب أهلها الصلح والأمان على أن يتولى ذلك الخليفة عمر بن الخطاب، الذي وصل القدس ووقع العهدة العمرية لبطريرك المدينة صفر ونيوص الدمشقي، وضمنها شرطاً بناء على طلبه وهو ألا يسكن اليهود في القدس، المدينة المقدسة للعرب من مسلمين ومسيحيين، وشهد على العهدة العمرية خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان.
ودخلت القدس منذ ذلك الحين في نطاق الخلافة الإسلامية، وتحت حكم الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين، واحتلها الفرنجة في الحروب الصليبية، ودام احتلالهم حوالي مئتي سنة إلى أن جاء البطل صلاح الدين الأيوبي وحررها منهم عام 1187م، واستشهد في تحرير المسجد الأقصى «70 ألفاً» من المسلمين، وحكمها العثمانيون من عام 1517 حتى عام 1917، وشيد سليمان القانوني سور المدينة الحالي.
أنشأ المسلمون فيها مدارس لطلب العلم، بلغ عددها 56 مدرسة للمسلمين من أهل المدينة ومن بلدان المشرق والمغرب، وبنوا العديد من المساجد والمآذن والقباب والأروقة والأبواب والسبل في صحن الصخرة المشرفة التي صعد منها النبي محمد (ص) إلى السموات العلا، وبجوارها وفي الحرم وحوله وأصبحت المدينة غنية بالأبنية والنقوش والزخارف الإسلامية، وبنى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة، ونقش اسمه على قبة الصخرة مع تاريخ البناء في سنة 72 هجرية، وأكمل ابنه الوليد بن عبد الملك بناء المسجد الأقصى، وحكم العرب والمسلمون القدس أطول فترة في تاريخ المدينة العربية الإسلامية، وكانت اللغة العربية لغة القرآن الكريم هي السائدة، والحضارة التي عرفتها القدس ترجع إلى فترة الحكم الإسلامي فيها، وكان سكان المدينة عرباً، لساناً وحضارة. وشيد الدمشقيون قبة الصخرة المثمنة والمذهبة، واستخدمت أموال سبع سنوات من خراج مصر لإقامتها.
أما تخطيط المسجد الأقصى المبارك الذي نراه اليوم فهو هندسة عباسية بغدادية، ورمم الأيوبيون حيطان الحرم الشريف وجهز الأتراك الكسوة بالقاشاني الملون على أرضية زرقاء، وبنوا سور المدينة، مما يجسد مساهمة الأمة الإسلامية في بناء المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وساحة الحرم الشريف، والمحافظة على تاريخها العربي الإسلامي العريق وطابعها الحضاري، فتاريخ القدس وطابعها الحضاري يثبت بجلاء أنها مدينة عربية إسلامية، وهي بمثابة الروح والقلب في جسد الأمة، وكان رؤساء بلدية القدس خلال المئة سنة الأخيرة قبل احتلال العصابات اليهودية للشطر الغربي للمدينة في نيسان 1948 عرباً حتى إبان الانتداب البريطاني.
ويتمتع المسجد الأقصى المبارك بمكانة عظيمة وقدسية كبيرة في نفوس ومشاعر المسلمين، وحظي باهتمامهم ورعايتهم عبر العهود المختلفة، وتعتبر ذكرى الإسراء والمعراج ذكرى إسلامية مباركة يحتفل بها المسلمون الذين يزيد عددهم عن مليار ونصف المليار مسلم يستذكرون فيها سيرة النبي محمد (ص) خاتم الأنبياء والمرسلين في دعوته وعبادته وجهاده وأخلاقه ومكانته عند ربه وعند المسلمين. وأضافت رحلة الإسراء والمعراج إلى القدس والمسجد الأقصى قدسية على قدسيتها وأكدت على مكانتها الروحية والدينية والتاريخية والحضارية لدى المسلمين.
إن معجزة الإسراء والمعراج قرار رباني يتعدى التاريخ والجغرافيا، تربط بين المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد الأقصى في القدس، روحاً وأرضاً وسماء وأمة، فالمسجد الأقصى قبلتنا الأولى وثاني بيت وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وثالث الحرمين الشريفين، وذكرى الإسراء والمعراج هي من المناسبات التي يحتفل بها جميع المسلمين في العالم وإحدى الركائز التي توحد الأمة الإسلامية، ويستذكر المسلمون من خلالها دروس الماضي، والعمل على توحيد ورص الصفوف لتحرير القدس وفلسطين، وواجبهم الوطني والقومي والديني تجاه تحرير القدس والمقدسات العربية فيها، الإسلامية منها والمسيحية.
لقد شاءت إرادة الله «عز وجل» إسراء هادي البشرية من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك ومعراجه من الأقصى إلى السموات العلا وتلقيه في تلك الرحلة ما فرضه الله على المسلمين وهي الصلوات الخمس، الركن الثاني من أركان الإسلام ليبقى المسجد الأقصى حياً في أذهان وضمائر وقلوب جميع المسلمين في العالم.
إن الأطماع الصهيونية في القدس، مدينة العرب والمسلمين، المدينة العربية بشطريها المحتلين تفرض على الفلسطينيين والعرب من مسلمين ومسيحيين والمسلمين في العالم اعتماد نهج المقاومة لتحرير القدس وإنقاذها من أطماع دهاقنة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وتفكيك جميع البؤر والأحياء والمستعمرات اليهودية التي غرستها سلطات الاحتلال في المدينة المحتلة جراء حرب حزيران العدوانية عام 1967.
إن المدينة العربية الإسلامية، بما فيها المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة تتعرض إلى مخاطر حقيقية لتهويدها وتغيير طابعها العربي الإسلامي، وتدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، وخاصة بعد الوثائق التي تسربت والتي تتضمن التنازلات الخطيرة التي قدمتها السلطة الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني بتغطية من الرئيس المخلوع حسني مبارك وجامعة الدول العربية ومحور المعتدلين العرب لهذه التنازلات الخطيرة وغير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، فالجامعة العربية والسعودية والرئيس المخلوع حسني مبارك والسلطة الفلسطينية التي وقعت اتفاق الإذعان في أوسلو تتحمل مسؤولية ما آل إليه الوضع في المدينة العربية المقدسة.
د. غازي حسين


عروبة القدس
في الذكرى الـ 45 لاحتلال القدس الشرقية والـ 64 لاحتلال القدس الغربية
أسس العرب مدينة القدس قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام، وسموها يبوس نسبة لليبوسيين العرب، ثم اورو سالم نسبة لملكهم سالم، حيث تعني اور بالكنعانية مدينة، ومن الاسم العربي اور سالم جاء فيما بعد اسمها جيروزاليم، وجاء الاسم «اورشليم» الذي يطلقه اليهود على المدينة من الآرامية «السريانية» أي العربية، وبالتالي فإن اورشليم كلمة عربية وليست عبرية خلافاً لما يعتقده البعض. وتؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أن العرب أسسوا القدس حوالي عام «3000 ق.م» وأنهم أول من استوطن فيها وسكن أرضها وأقام أبنيتها وشيد معالمها، وعرفت فلسطين قبل أن تعرف بفلسطين بأرض كنعان ثم بسورية الجنوبية، وكانت جزءاً لا يتجزأ من سورية الأم إلى أن جاءت اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 وفصلتها عن سورية كمقدمة لتهويدها وتغيير طابعها العربي.
تعاقبت على المدينة بعد تأسيسها على أيدي العرب أمم وشعوب شتى إلى أن فتحها العرب المسلمون وحرروها من الغزاة الرومان، وطلب أهلها الصلح والأمان على أن يتولى ذلك الخليفة عمر بن الخطاب، الذي وصل القدس ووقع العهدة العمرية لبطريرك المدينة صفر ونيوص الدمشقي، وضمنها شرطاً بناء على طلبه وهو ألا يسكن اليهود في القدس، المدينة المقدسة للعرب من مسلمين ومسيحيين، وشهد على العهدة العمرية خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان.
ودخلت القدس منذ ذلك الحين في نطاق الخلافة الإسلامية، وتحت حكم الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين، واحتلها الفرنجة في الحروب الصليبية، ودام احتلالهم حوالي مئتي سنة إلى أن جاء البطل صلاح الدين الأيوبي وحررها منهم عام 1187م، واستشهد في تحرير المسجد الأقصى «70 ألفاً» من المسلمين، وحكمها العثمانيون من عام 1517 حتى عام 1917، وشيد سليمان القانوني سور المدينة الحالي.
أنشأ المسلمون فيها مدارس لطلب العلم، بلغ عددها 56 مدرسة للمسلمين من أهل المدينة ومن بلدان المشرق والمغرب، وبنوا العديد من المساجد والمآذن والقباب والأروقة والأبواب والسبل في صحن الصخرة المشرفة التي صعد منها النبي محمد (ص) إلى السموات العلا، وبجوارها وفي الحرم وحوله وأصبحت المدينة غنية بالأبنية والنقوش والزخارف الإسلامية، وبنى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة، ونقش اسمه على قبة الصخرة مع تاريخ البناء في سنة 72 هجرية، وأكمل ابنه الوليد بن عبد الملك بناء المسجد الأقصى، وحكم العرب والمسلمون القدس أطول فترة في تاريخ المدينة العربية الإسلامية، وكانت اللغة العربية لغة القرآن الكريم هي السائدة، والحضارة التي عرفتها القدس ترجع إلى فترة الحكم الإسلامي فيها، وكان سكان المدينة عرباً، لساناً وحضارة. وشيد الدمشقيون قبة الصخرة المثمنة والمذهبة، واستخدمت أموال سبع سنوات من خراج مصر لإقامتها.
أما تخطيط المسجد الأقصى المبارك الذي نراه اليوم فهو هندسة عباسية بغدادية، ورمم الأيوبيون حيطان الحرم الشريف وجهز الأتراك الكسوة بالقاشاني الملون على أرضية زرقاء، وبنوا سور المدينة، مما يجسد مساهمة الأمة الإسلامية في بناء المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وساحة الحرم الشريف، والمحافظة على تاريخها العربي الإسلامي العريق وطابعها الحضاري، فتاريخ القدس وطابعها الحضاري يثبت بجلاء أنها مدينة عربية إسلامية، وهي بمثابة الروح والقلب في جسد الأمة، وكان رؤساء بلدية القدس خلال المئة سنة الأخيرة قبل احتلال العصابات اليهودية للشطر الغربي للمدينة في نيسان 1948 عرباً حتى إبان الانتداب البريطاني.
ويتمتع المسجد الأقصى المبارك بمكانة عظيمة وقدسية كبيرة في نفوس ومشاعر المسلمين، وحظي باهتمامهم ورعايتهم عبر العهود المختلفة، وتعتبر ذكرى الإسراء والمعراج ذكرى إسلامية مباركة يحتفل بها المسلمون الذين يزيد عددهم عن مليار ونصف المليار مسلم يستذكرون فيها سيرة النبي محمد (ص) خاتم الأنبياء والمرسلين في دعوته وعبادته وجهاده وأخلاقه ومكانته عند ربه وعند المسلمين. وأضافت رحلة الإسراء والمعراج إلى القدس والمسجد الأقصى قدسية على قدسيتها وأكدت على مكانتها الروحية والدينية والتاريخية والحضارية لدى المسلمين.
إن معجزة الإسراء والمعراج قرار رباني يتعدى التاريخ والجغرافيا، تربط بين المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد الأقصى في القدس، روحاً وأرضاً وسماء وأمة، فالمسجد الأقصى قبلتنا الأولى وثاني بيت وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وثالث الحرمين الشريفين، وذكرى الإسراء والمعراج هي من المناسبات التي يحتفل بها جميع المسلمين في العالم وإحدى الركائز التي توحد الأمة الإسلامية، ويستذكر المسلمون من خلالها دروس الماضي، والعمل على توحيد ورص الصفوف لتحرير القدس وفلسطين، وواجبهم الوطني والقومي والديني تجاه تحرير القدس والمقدسات العربية فيها، الإسلامية منها والمسيحية.
لقد شاءت إرادة الله «عز وجل» إسراء هادي البشرية من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك ومعراجه من الأقصى إلى السموات العلا وتلقيه في تلك الرحلة ما فرضه الله على المسلمين وهي الصلوات الخمس، الركن الثاني من أركان الإسلام ليبقى المسجد الأقصى حياً في أذهان وضمائر وقلوب جميع المسلمين في العالم.
إن الأطماع الصهيونية في القدس، مدينة العرب والمسلمين، المدينة العربية بشطريها المحتلين تفرض على الفلسطينيين والعرب من مسلمين ومسيحيين والمسلمين في العالم اعتماد نهج المقاومة لتحرير القدس وإنقاذها من أطماع دهاقنة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وتفكيك جميع البؤر والأحياء والمستعمرات اليهودية التي غرستها سلطات الاحتلال في المدينة المحتلة جراء حرب حزيران العدوانية عام 1967.
إن المدينة العربية الإسلامية، بما فيها المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة تتعرض إلى مخاطر حقيقية لتهويدها وتغيير طابعها العربي الإسلامي، وتدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، وخاصة بعد الوثائق التي تسربت والتي تتضمن التنازلات الخطيرة التي قدمتها السلطة الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني بتغطية من الرئيس المخلوع حسني مبارك وجامعة الدول العربية ومحور المعتدلين العرب لهذه التنازلات الخطيرة وغير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، فالجامعة العربية والسعودية والرئيس المخلوع حسني مبارك والسلطة الفلسطينية التي وقعت اتفاق الإذعان في أوسلو تتحمل مسؤولية ما آل إليه الوضع في المدينة العربية المقدسة.
د. غازي حسين


vv
عروبة القدس
في الذكرى الـ 45 لاحتلال القدس الشرقية والـ 64 لاحتلال القدس الغربية
أسس العرب مدينة القدس قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام، وسموها يبوس نسبة لليبوسيين العرب، ثم اورو سالم نسبة لملكهم سالم، حيث تعني اور بالكنعانية مدينة، ومن الاسم العربي اور سالم جاء فيما بعد اسمها جيروزاليم، وجاء الاسم «اورشليم» الذي يطلقه اليهود على المدينة من الآرامية «السريانية» أي العربية، وبالتالي فإن اورشليم كلمة عربية وليست عبرية خلافاً لما يعتقده البعض. وتؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أن العرب أسسوا القدس حوالي عام «3000 ق.م» وأنهم أول من استوطن فيها وسكن أرضها وأقام أبنيتها وشيد معالمها، وعرفت فلسطين قبل أن تعرف بفلسطين بأرض كنعان ثم بسورية الجنوبية، وكانت جزءاً لا يتجزأ من سورية الأم إلى أن جاءت اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 وفصلتها عن سورية كمقدمة لتهويدها وتغيير طابعها العربي.
تعاقبت على المدينة بعد تأسيسها على أيدي العرب أمم وشعوب شتى إلى أن فتحها العرب المسلمون وحرروها من الغزاة الرومان، وطلب أهلها الصلح والأمان على أن يتولى ذلك الخليفة عمر بن الخطاب، الذي وصل القدس ووقع العهدة العمرية لبطريرك المدينة صفر ونيوص الدمشقي، وضمنها شرطاً بناء على طلبه وهو ألا يسكن اليهود في القدس، المدينة المقدسة للعرب من مسلمين ومسيحيين، وشهد على العهدة العمرية خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان.
ودخلت القدس منذ ذلك الحين في نطاق الخلافة الإسلامية، وتحت حكم الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين، واحتلها الفرنجة في الحروب الصليبية، ودام احتلالهم حوالي مئتي سنة إلى أن جاء البطل صلاح الدين الأيوبي وحررها منهم عام 1187م، واستشهد في تحرير المسجد الأقصى «70 ألفاً» من المسلمين، وحكمها العثمانيون من عام 1517 حتى عام 1917، وشيد سليمان القانوني سور المدينة الحالي.
أنشأ المسلمون فيها مدارس لطلب العلم، بلغ عددها 56 مدرسة للمسلمين من أهل المدينة ومن بلدان المشرق والمغرب، وبنوا العديد من المساجد والمآذن والقباب والأروقة والأبواب والسبل في صحن الصخرة المشرفة التي صعد منها النبي محمد (ص) إلى السموات العلا، وبجوارها وفي الحرم وحوله وأصبحت المدينة غنية بالأبنية والنقوش والزخارف الإسلامية، وبنى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة، ونقش اسمه على قبة الصخرة مع تاريخ البناء في سنة 72 هجرية، وأكمل ابنه الوليد بن عبد الملك بناء المسجد الأقصى، وحكم العرب والمسلمون القدس أطول فترة في تاريخ المدينة العربية الإسلامية، وكانت اللغة العربية لغة القرآن الكريم هي السائدة، والحضارة التي عرفتها القدس ترجع إلى فترة الحكم الإسلامي فيها، وكان سكان المدينة عرباً، لساناً وحضارة. وشيد الدمشقيون قبة الصخرة المثمنة والمذهبة، واستخدمت أموال سبع سنوات من خراج مصر لإقامتها.
أما تخطيط المسجد الأقصى المبارك الذي نراه اليوم فهو هندسة عباسية بغدادية، ورمم الأيوبيون حيطان الحرم الشريف وجهز الأتراك الكسوة بالقاشاني الملون على أرضية زرقاء، وبنوا سور المدينة، مما يجسد مساهمة الأمة الإسلامية في بناء المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وساحة الحرم الشريف، والمحافظة على تاريخها العربي الإسلامي العريق وطابعها الحضاري، فتاريخ القدس وطابعها الحضاري يثبت بجلاء أنها مدينة عربية إسلامية، وهي بمثابة الروح والقلب في جسد الأمة، وكان رؤساء بلدية القدس خلال المئة سنة الأخيرة قبل احتلال العصابات اليهودية للشطر الغربي للمدينة في نيسان 1948 عرباً حتى إبان الانتداب البريطاني.
ويتمتع المسجد الأقصى المبارك بمكانة عظيمة وقدسية كبيرة في نفوس ومشاعر المسلمين، وحظي باهتمامهم ورعايتهم عبر العهود المختلفة، وتعتبر ذكرى الإسراء والمعراج ذكرى إسلامية مباركة يحتفل بها المسلمون الذين يزيد عددهم عن مليار ونصف المليار مسلم يستذكرون فيها سيرة النبي محمد (ص) خاتم الأنبياء والمرسلين في دعوته وعبادته وجهاده وأخلاقه ومكانته عند ربه وعند المسلمين. وأضافت رحلة الإسراء والمعراج إلى القدس والمسجد الأقصى قدسية على قدسيتها وأكدت على مكانتها الروحية والدينية والتاريخية والحضارية لدى المسلمين.
إن معجزة الإسراء والمعراج قرار رباني يتعدى التاريخ والجغرافيا، تربط بين المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد الأقصى في القدس، روحاً وأرضاً وسماء وأمة، فالمسجد الأقصى قبلتنا الأولى وثاني بيت وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وثالث الحرمين الشريفين، وذكرى الإسراء والمعراج هي من المناسبات التي يحتفل بها جميع المسلمين في العالم وإحدى الركائز التي توحد الأمة الإسلامية، ويستذكر المسلمون من خلالها دروس الماضي، والعمل على توحيد ورص الصفوف لتحرير القدس وفلسطين، وواجبهم الوطني والقومي والديني تجاه تحرير القدس والمقدسات العربية فيها، الإسلامية منها والمسيحية.
لقد شاءت إرادة الله «عز وجل» إسراء هادي البشرية من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك ومعراجه من الأقصى إلى السموات العلا وتلقيه في تلك الرحلة ما فرضه الله على المسلمين وهي الصلوات الخمس، الركن الثاني من أركان الإسلام ليبقى المسجد الأقصى حياً في أذهان وضمائر وقلوب جميع المسلمين في العالم.
إن الأطماع الصهيونية في القدس، مدينة العرب والمسلمين، المدينة العربية بشطريها المحتلين تفرض على الفلسطينيين والعرب من مسلمين ومسيحيين والمسلمين في العالم اعتماد نهج المقاومة لتحرير القدس وإنقاذها من أطماع دهاقنة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وتفكيك جميع البؤر والأحياء والمستعمرات اليهودية التي غرستها سلطات الاحتلال في المدينة المحتلة جراء حرب حزيران العدوانية عام 1967.
إن المدينة العربية الإسلامية، بما فيها المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة تتعرض إلى مخاطر حقيقية لتهويدها وتغيير طابعها العربي الإسلامي، وتدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، وخاصة بعد الوثائق التي تسربت والتي تتضمن التنازلات الخطيرة التي قدمتها السلطة الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني بتغطية من الرئيس المخلوع حسني مبارك وجامعة الدول العربية ومحور المعتدلين العرب لهذه التنازلات الخطيرة وغير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، فالجامعة العربية والسعودية والرئيس المخلوع حسني مبارك والسلطة الفلسطينية التي وقعت اتفاق الإذعان في أوسلو تتحمل مسؤولية ما آل إليه الوضع في المدينة العربية المقدسة.
د. غازي حسين