رسالة مفتوحة إلى الرئيس ترامب إجراءات الاحتلال في القدس المحتلة
غير قانونية وغير شرعية وباطلة


د. غازي حسين
تحتل مدينة القدس مدينة الاسراء والمعراج مكانة خاصة في عقول وقلوب وضمائر الشعب العربي الفلسطيني وجميع ابناء امتنا العربية من مسلمين ومسيحيين وجميع المسلمين في العالم.
ويعود اهتمام العرب والمسلمين فيها لانها المدينة التي اسسها العرب قبل ظهور اليهودية والمسيحية والاسلام ، وفتحها الخليفة عمر بن الخطاب بعد ان حررها العرب المسلمون من الرومان ، واصبحت منذ اسراء النبي محمد (صلعم) ومعراجه الى السموات العلى مدينة الاسراء والمعراج .
قال الله تعالى في كتابه العزيز : "سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله ." وجعلها النبي محمد (صلعم) قبلة المسلمين الاولى وثالث الحرمين الشريفين .
وجاء صلاح الدين الايوبي وحررها من الفرنجة ، واستشهد في سبيل تحررها اكثر من سبعين الفا من المسلمين .
وتتمتع القدس بشطريها المحتلين بمكانة محورية بالنسبة للشعب والامة وفصائل المقاومة الفلسطينية ، والتي تنظر اليها على انها جوهر قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني .
فالقدس قضية وطنية وقومية ودينية مقدسة وعادلة لوجود مسرى رسول الله فيها والمسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة ، وبالتالي كانت و لاتزال القدس وستبقى رمز التضحية والفداء لتحريرها من ابشع واخطر انواع الاستعمار الاستيطاني العنصري في العالم وعودتها الى الامة العربية واتباع الديانتين الاسلام والمسيحية والبشرية جمعاء .
استولت دولة الاحتلال الصهيوني منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967 على اكثر من 85% من اراضيها .
واصدرت المحكمة الاسرائيلية العليا حكما يقضي باعتبار سكان المدينة العربية المحتلة كمقيمين يمكن لسلطات الاحتلال ابعادهم عن مدينتهم ،ونزعت منذ اتفاق الاذعان في اوسلو حق المواطنة عن 5525 مقدسيا بالاضافة الى 4575 مقدسيا في العام 2008 وحده .
مر الاستعمار الاستيطاني اليهودي في القدس الشرقية المحتلة بثلاث مراحل :-
الاولى: تدمير عدة احياء عربية بما فيها حي المغاربة وعشرات الالاف من المنازل والعقارات العربية ، وبناء حي يهودي في قلب البلدة القديمة .
الثانية: توسيع الاحياء القائمة شرق المدينة وضم اراضي واسعة من القرى والبلدات القريبة منها وبناء مستعمرات يهودية فيها .
والثالثة: بناء مستوطنات وبؤر استيطانية داخل الاحياء الفلسطينية التاريخية وداخل المدينة القديمة .
وتعمل حاليا دولة الاحتلال على تحويل احياء باب العامود والشيخ جراح وبلدة سلوان الى مستعمرات يهودية عن طريق مصادرة الاراضي وهدم المنازل العربية وترحيل سكانها وتهويد المعالم الدينية العربية الاسلامية والمسيحية ، وجرى احاطة المسجد الاقصى باكثر من 60 كنيسا ومنها كنيس الخراب الذي تم انجازه في اذار 2010 كخطوة اولى لبناء الهيكل المزعوم على انقاضه .
وتقوم بتشييد حدائق توراتية و"متحف التسامح" على انقاض المنازل الفلسطينية التي دمرتها وعلى انقاض مقبرة "مأمن الله" التاريخية التي تضم رفات العديد من رجال الصحابة .
واكملت عزل القدس المحتلة عن الضفة الغربية , وتعمل على تطبيق مخطط "القدس2020" الذي سيحول المدينة العربية المحتلة الى مدينة يهودية توراتية عنصرية خالصة .
كانت مساحة القدس كلها عام 1948 حوالي 20الف دونم ، وقامت دولة الاحتلال بعد حرب 1967 التي اشعلتها بعمليات استعمار استيطاني جنوبي لتوسيع حدود المدينة العربية المحتلة ، وبلغت عام 1993 حوالي 126 دونم ، وهي اراض عربية صادرتها دولة الاحتلال من 28 قرية عربية محيطة بالقدس واقامت عليها اكبر المستعمرات اليهودية .
ووضعت مخطط مشروع القدس الكبرى ، بحيث يضم كبريات المستعمرات ومنها مستعمرة معاليه ادوميم شرق القدس ومستعمرة جفعات زئيف غرب القدس ، ومجمع مستعمرات بنيامين من الشمال ومجمع غيلو وغوش عتصيون من الجنوب ومستعمرة جبل ابو غنيم وباب العامود .
ويشطر هذا المشروع الاستعماري الضفة الغربية الى شطرين ، ويقضي على التواصل الجغرافي ، وتحتوي الاراضي العريبة المصادرة على معظم مصادر المياه في اللضفة الغربية .
قرار مجلس الامن رقم 465 في الاول من اذار عام 1980 طالب "اسرائيل" بتفكيك المستوطنات القائمة والتوقف عن بناء مستوطنات جديدة في الاراضي العربية المحتلة بما فيها القدس ، وجاء في البند الخامس من القرار المذكور ما يلي :-
( يقرر (مجلس الامن) ان كافة التدابير التي اتخذتها "اسرائيل" لتغيير المعالم المادية والتركيب البشري وهيكلية المؤسسات في الاراضي الفلسطينية وغيرها من الاراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس او اي جزء منها ليس لو اي سند قانوني، وان سياسة "اسرائيل" واعمالها لتوطين قسم من سكانها المهاجرين في هذه الاراضي ، تشكل خرقا فاضحا لاتفاقية جنيف الرابعة كما تشكل عقبة جديدة امام تحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الاوسط ) .
ورد في البند السادس من القرار ان مجلس الامن " يشجب بشدة ممارسات "اسرائيل" وتصميمها على متابعة هذه السياسات والممارسات ويدعو حكومة "اسرائيل" وشعبها الى وقف هذه الاجراءات وتفكيك المستوطنات القائمة وبصورة خاصة الى التوقف بصورة فورية عن انشاء المستوطنات وبنائها والتخطيط لها في الاراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس " .
واعلن مجلس الامن الدولي في 30حزيران عام 1980 في القرار 476 بطلان الاجراءات التي اتخذتها "اسرائيل" لتغيير طابع القدس ، وجاء في البند الثالث من القرار ان مجلس الامن "يؤكد مجددا ان كافة الاجراءات والاعمال التشريعية والادارية التي اتخذتها "اسرائيل" القوة المحتلة الرامية التي تغيير معالم مدينة القدس الشريف ووضعها ليس له اي سند قانوني وتشكل خرقا لاتفاقية جنيف الرابعة" ، وجاء في البند الرابع من القرار 476 ان مجلس الامن " يؤكد ان كافة الاجراءات التي غيرت معالم مدينةالقدس الشريف ووضعها الجغرافي والبشري والتاريخي هي اجراءات ملغاة وباطلة ويجب الغاؤها وفقا لقرارات مجلس الامن ذات العلاقة " .
وتنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي وقعتها "اسرائيل" واصبحت طرفا فيها في المادة 49 على مايلي :-
"لايجوز لدولة الاحتلال ان ترحل او تنقل جزءا من سكانها المدنيين الى الاراضي التي تحتلها" .
فأين الكيان الصهيوني من تنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وبقية العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية والقانون الدولي حول تفكيك جميع المستعمرات اليهودية في القدس وبقية الضفة الغربية والاراضي العربية المحتلة الاخرى ؟ .
ان الاطماع الصهيونية في المدينة العربية تفرض على العرب والمسلمين اعتماد خيار المقاومة لتحرير المدينة العربية المحتلة وانقاذها من التهويد وتفكيك جميع المستعمرات والبؤر والكنس اليهودية فيها .
وتتعرض حاليا المدينة العربية الاسلامية المقدسة بما فيها المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة الى مخاطر حقيقية وخاصة بعد الدور الخطير الذي كشفته وثائق ويكيلكس حول التنازلات الخطيرة التي قدمتها السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير والمفاوض الفلسطيني وتغطية الرئيس المخلوع حسني مبارك وبعض قادة من اسمتهم رايس بمحور المعتدلين العرب لهذه التنازلات الفلسطينية .
ان شعبنا العربي الفلسطيني ينظر الى قضية القدس كقضية قومية اسلامية ومسيحية وقضية انسانية عادلة تهم البشرية جمعاء وتفرض على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وجوب التمسك بعروبتها وبالحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا العربي الفلسطيني وعدم التنازل عن ذرة واحدة من ترابها المقدس للصهاينة اعداء الله والوطن والمواطن والانسانية .
تمر القدس اليوم باخطر مراحلها جراء التغول الاستيطاني المريع فيها واستعداد فريق اوسلو في رام الله القبول بالمخططات الاسرائيلية وموافقته على توحيدها وعلى تبادل الاراضي لضم كتل الاحياء والمستعمرات اليهودية الى الكيان الصهيوني .
ان القدس ملك للعرب والمسلمين وحدهم بقرار رباني من رب العالمين، والقرار الرباني غير خاضع للمساومة ولا للتنازل ولا للتفاوض ولا حتى للاستفتاء عليه ، وهي بأمس الحاجة الى دعم صمود اهلها والعمل على تحريرها وجعل عملية التحرير حية في عقول ووجدان العرب والمسلمين واحرار العالم .
ان القدس بشطريها المحتلين منذ نشأتها وحتى اليوم عربية اللسان والحضارة والتاريخ ، سادت فيها في بادئ الامر اللغة الكنعانية ثم الارامية وحلت فيها العربية بتحرير العرب والمسلمين لها من الرومان ، والمسجد الاقصى موقع عربي – اسلامي منذ الازل ولا يوجد لليهود فيه وفي حائط البراق حق على الاطلاق وهو وقف اسلامي . وترتبط اهمية القدس الاستراتيجية للعرب بوجودهم الوطني والقومي والديني ، وتتمتع بمكانة فريدة لحوالي المليار ونصف المليار من المسلمين ، وكانت تتبع في العهد التركي الى ولاية دمشق ، وكانت عاصمة فلسطين ابان الانتداب البريطاني والعاصمة الثانية للمملكة الاردنية ، وهي مدينة عربية اسلامية محتلة واجراءات "اسرائيل" بضمها غير شرعية وباطلة .
ان المسجد الاقصى المبارك يتعرض لخطر حقيقي ، لان الاطماع والاكاذيب اليهودية والاصولية المسيحية فيه تنادي علنا بوجوب تدميره واقامة الهيكل المزعوم على انقاضه ، وتلتقي هذه الاطماع مع مخططات الحكومة الاسرائيلية في التخلص منه وتهويده على الرغم من ان الهيكل المزعوم خرافة توراتية لا وجود لها على الاطلاق لا في التاريخ ولا في علم الاثار ولا على ارض الواقع . واكد عالم الاثار الاسرائيلي اسرائيل فنكلشتاين من جامعة تل ابيب ان علماء الاثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية او اثرية تدعم القصص الواردة في التوراة بما في ذلك قصص الخروج والتيه في سيناء وهيكل سليمان ، وانه لا يوجد اساس او شاهد او اثبات تاريخي على وجود الملك داوود المحارب الذي اتخذ من القدس عاصمة له .
فما رأي السلطة الفلسطينية التي تؤيد توحيد القدس بشطريها المحتلين كعاصمة للكيان الصهيوني وابو ديس عاصمة للدويلة الموعودة ؟ .