لا يستطيع الفهد تغيير البقع على جلده. ولا يسع السياسيين اللبنانيين تبديل طبيعتهم. ففي الوقت الذي تتصاعد الضغوط الخارجية على «حزب الله» يسعى حليفه رئيس «التيار الوطني الحر» إلى فرض قانون انتخابي لضمان مصالحه على نحو يطيح كل مواقف الحزب من القانون المذكور منذ شهور.

يفسر هذا جزئياً الغضب الذي تبديه وسائل الإعلام التابعة للحزب حيال وزير الخارجية جبران باسيل صاحب الاقتراحات المتعاقبة لمشاريع قوانين ترمي كلها إلى تشكيل كتلة نيابية موالية للتيار تفوق حجمه التمثيلي، بل حجم المسيحيين مجتمعين، وتدمّر بالتالي اتفاق الطائف الذي غيّر صيغة الحكم مقابل إنهاء الحرب الأهلية.

بيد أن هذا جزء فحسب من صورة تزداد سواداً لأوضاع لبنان. قبل أيام قليلة أصيبت شرايين النقل في البلاد بشلل كامل بعدما قرر أصحاب الشاحنات قطع الطرق الرئيسة احتجاجاً على قرار وقف عمل المرامل والكسارات التي قضت على ما تبقى من بيئة وطبيعة في لبنان، لمدة شهر واحد. المفارقة أن التباس تحرك أصحاب الشاحنات وصعوبة معرفة الجهة التي تقف وراءه، أديا إلى وقوف قوى الأمن الداخلي متفرجة على اعتداء سائقي الشاحنات على المواطنين الذين طالبوا بفتح الطرقات لتسيير أمورهم. «القرار السياسي» لم يصدر لقوى الأمن بإزالة العوائق عن الطرقات، ذلك أن ولاءات السائقين غير جليّة. هناك من ربط تحركهم بآخر مشابه أمام وزارة الطاقة وثالث لموظفي وزارة الشؤون الاجتماعية. وقيل إن التحركين الأخيرين دفعت حركة «أمل» إليهما رداً على قرار رئيس الجمهورية تعليق عمل مجلس النواب شهراً بعد استعصاء الوصول إلى قانون انتخابي يرضي أمراء الطوائف الكبرى.

على الرغم من صغر حجم هذه التحركات، إلا أنها تعطي فكرة كافية عن مستوى الشلل الذي يتفاقم في جسم الدولة اللبنانية ويجعل من العسير حتى فتح طريق أمام المواطنين خشية أن يكون قاطع الطريق مستنداً إلى «مرجعية» سياسية ذات سطوة. ناهيك عن مؤشرات إلى توسع الشلل من المجلس النيابي إلى الحكومة التي عُلّقت أعمالها هي الأخرى.

بكلمات ثانية، تكشف حجم الأوهام الذي بني حول انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية عن خواء كامل. فلا فرق يذكر، حتى الآن على الأقل، بين عهد عون وبين العامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي وبين رئاسة ميشال سليمان السابقة: الأزمة الوطنية لا زالت تتعمق وتتسع. وتتصاعد معدلات الجرائم الناجمة عن استفحال البطالة وانسداد آفاق المستقبل أمام الشباب وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. تصاريح رئيس الوزراء المتفائلة ولفتاته الشبابية، تضفي على المشهد المزيد من الحزن، بدلاً من أن تساهم في تحسين الأجواء.

لكن هذا لا يمنع أن تظل البقع في مكانها على جلد الفهد. وأن يسعى السياسيون إلى استغلال الوضع العام البائس في سياق حسابات أقرب إلى حسابات أصحاب الدكاكين الصغيرة: كيف ننتزع هذا المنصب من ذاك المنافس وكيف نراكم المزيد من الأموال من طريق الاعتداء على المال العام وهكذا دواليك، وذلك كله ضمن استعراضية تليق فعلاً بمحدثي النعمة وأثرياء الحرب.

يجري هذا في حين تتزايد المؤشرات الواردة عبر التقارير الدولية عن تدني مكانة لبنان حتى في المجالات التي كان يحتفظ فيها بحضور معقول. وبذلك، يقدّم السياسيون اللبنانيون وناخبوهم معنى جديداً للتمسك بالمبادئ، ولو أفضت إلى الكارثة.
نقلا عن صحيفة الحياة
يسعى حليفه رئيس «التيار الوطني الحر» إلى فرض قانون انتخابي لضمان مصالحه على نحو يطيح كل مواقف الحزب من القانون المذكور منذ شهور.

يفسر هذا جزئياً الغضب الذي تبديه وسائل الإعلام التابعة للحزب حيال وزير الخارجية جبران باسيل صاحب الاقتراحات المتعاقبة لمشاريع قوانين ترمي كلها إلى تشكيل كتلة نيابية موالية للتيار تفوق حجمه التمثيلي، بل حجم المسيحيين مجتمعين، وتدمّر بالتالي اتفاق الطائف الذي غيّر صيغة الحكم مقابل إنهاء الحرب الأهلية.

بيد أن هذا جزء فحسب من صورة تزداد سواداً لأوضاع لبنان. قبل أيام قليلة أصيبت شرايين النقل في البلاد بشلل كامل بعدما قرر أصحاب الشاحنات قطع الطرق الرئيسة احتجاجاً على قرار وقف عمل المرامل والكسارات التي قضت على ما تبقى من بيئة وطبيعة في لبنان، لمدة شهر واحد. المفارقة أن التباس تحرك أصحاب الشاحنات وصعوبة معرفة الجهة التي تقف وراءه، أديا إلى وقوف قوى الأمن الداخلي متفرجة على اعتداء سائقي الشاحنات على المواطنين الذين طالبوا بفتح الطرقات لتسيير أمورهم. «القرار السياسي» لم يصدر لقوى الأمن بإزالة العوائق عن الطرقات، ذلك أن ولاءات السائقين غير جليّة. هناك من ربط تحركهم بآخر مشابه أمام وزارة الطاقة وثالث لموظفي وزارة الشؤون الاجتماعية. وقيل إن التحركين الأخيرين دفعت حركة «أمل» إليهما رداً على قرار رئيس الجمهورية تعليق عمل مجلس النواب شهراً بعد استعصاء الوصول إلى قانون انتخابي يرضي أمراء الطوائف الكبرى.

على الرغم من صغر حجم هذه التحركات، إلا أنها تعطي فكرة كافية عن مستوى الشلل الذي يتفاقم في جسم الدولة اللبنانية ويجعل من العسير حتى فتح طريق أمام المواطنين خشية أن يكون قاطع الطريق مستنداً إلى «مرجعية» سياسية ذات سطوة. ناهيك عن مؤشرات إلى توسع الشلل من المجلس النيابي إلى الحكومة التي عُلّقت أعمالها هي الأخرى.

بكلمات ثانية، تكشف حجم الأوهام الذي بني حول انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية عن خواء كامل. فلا فرق يذكر، حتى الآن على الأقل، بين عهد عون وبين العامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي وبين رئاسة ميشال سليمان السابقة: الأزمة الوطنية لا زالت تتعمق وتتسع. وتتصاعد معدلات الجرائم الناجمة عن استفحال البطالة وانسداد آفاق المستقبل أمام الشباب وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. تصاريح رئيس الوزراء المتفائلة ولفتاته الشبابية، تضفي على المشهد المزيد من الحزن، بدلاً من أن تساهم في تحسين الأجواء.

لكن هذا لا يمنع أن تظل البقع في مكانها على جلد الفهد. وأن يسعى السياسيون إلى استغلال الوضع العام البائس في سياق حسابات أقرب إلى حسابات أصحاب الدكاكين الصغيرة: كيف ننتزع هذا المنصب من ذاك المنافس وكيف نراكم المزيد من الأموال من طريق الاعتداء على المال العام وهكذا دواليك، وذلك كله ضمن استعراضية تليق فعلاً بمحدثي النعمة وأثرياء الحرب.

يجري هذا في حين تتزايد المؤشرات الواردة عبر التقارير الدولية عن تدني مكانة لبنان حتى في المجالات التي كان يحتفظ فيها بحضور معقول. وبذلك، يقدّم السياسيون اللبنانيون وناخبوهم معنى جديداً للتمسك بالمبادئ، ولو أفضت إلى الكارثة.
نقلا عن صحيفة الحياة